الأحد، 10 أغسطس 2008

الأستاذ زغلول النجار








الإسلام / المريدية / / التلفزيون / الفيديو / دليل المواقع الأسلامية / القرءان الكريم /التصوف الاسلامي/ الاعجاز العلمي في القرءان / بحث/ المكتبة

موقع اسلامى مرجعى شامل القرآن الكريم : 37 تلاوة كاملة - بحث - تجويد - موضوعات الحديث الشريف : الكتب التسعة بالإضافة إلى فتح الباري ... تبويب - فهرسة - بحث جامع الفقه: أمهات كتب الفقه ... تبويب - فهرسة - بحث مكتبة التراث الإسلامى : أكثر من 750 ألف صفحة من ذخائر كتب التراث الإسلامي ... تبويب - فهرسة - بحث الفتوى بين يديك : أرشيف ضخم لفتاوى أشهر العلماء -  - فهرسة - بحث المجلة الإسلامية اليومية: كل يوم ( حكمة ، إبتسامة ، دعاء اليوم، لوحة فنية ) المكتبة الصوتية :أرشيف صوتي لما يقارب العشرة آلاف شريطا لـ 151 عالما وداعية - فهرسة - بحث منوعات : عظماء فى الإسلام ، معالم إسلامية كتب الكترونيه  مجانية للتحميل
























المزيد من القنوات | Watch more
Tv

الأحد، 4 مايو 2008

الثلاثاء، 25 مارس 2008

المريدية

BubbleShare: Share photos - Play some Online Games.



المريدية
إن المريدية هي الطريقة الصوفية الهادية إلى الله التي أسسها الشيخ أحمد بامبا خديم رسول الله على الإيمان والإسلام والإحسان معتمدة على العلم والعمل والعبادة والآداب الحسنة بمقتضى أحكام التوحيد والفقه والتصوف , وهي الشريعة المطهرة والسنة المنزهة وهي طريقة تأخذ بالأوسط في كل الأمور في العبادة والعمل في الدين والدنيا في الفقه والتصوف بعيدة عن الإفراط والتفريط اللذين شاعا بين الطرق والفرق الإسلامية التي أضاعت جوهر الإسلام وأمسكت بالقشور .
طريقة للحياة الروحية والمادية تحث على الجماعية في العبادة والعمل وتحض على التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع وتشجع على التسامح والتعاطف وتهتم بالتنسيق والتنظيم والتشاور بين الأفراد والمجموعات ليصبح المجتمع مستقرا آمنا متماسكا تسود فيه قيم الإيثار والمشاركة وتختفي فيه الأنانية والأثرة والانعزالية . طريقة للتهذيب الخلقي والتربية الروحية والبدنية تعلم المريد الالتزام بالأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة والسلوك السوي وتدعو إلى الرحمة والشفقة وإلى الصدق والأمانة والنزاهة والإخلاص في الأعمال والمعاملات كما تحارب العنف والقسوة وتشجب الكذب والغيبة والوشاية والخيانة وغيرها من كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات الإنسانية وتفضي إلى نزاعات غير مجدية بل مؤذية بين الناس.
وهي تربي المريدين على مراعاة الإتقان في العمل والدقة في التوقيت وعلى الإحساس المرهف بالإنسان والعناية الفائقة بالأدوات وغلى العفو عن الهفوات والنصح للمخطأ وتصحيح الأخطاء بعد الاعتراف بها كما تربي الأتباع على السرعة في الإجابة والإنجاز وعلى اللطف في التعامل والرقة في الكلام .
إن المريدية تهدف إلى إقامة مجتمع إسلامي تحكمه مبادئ الحق والعدل ويستتب فيه الأمن والسلم ويعمه الرخاء والرفاهية والسعادة المادية والروحية في هذه الدنيا وتلك الآخرة إنها صياغة جديدة معاصرة للمبادئ الإسلامية الأصيلة الخالدة وترجمة أمينة لتعاليم القرآن السامية التي تلائم كل عصر وتصلح لكل أمة .
طريقة للعمل والإنتاج زراعة وصناعة وتجارة تراعي أحكام الشريعة وبفضلها أصبحت السنغال من أكبر الدول المصدرة للفول السوداني كما تنتج حبوبا غذائية تكفي للاستهلاك المحلي وفي ميدان الصناعة يحيي المريدون الصناعات اليدوية والحرف التقليدية وإقامة صناعات خفيفة كما يشارك رجال الأعمال المريدون شركات تجارية وإنتاجية بأسهم كبيرة بينما يقوم الشيوخ بإصلاح الأراضي الشاسعة للزراعة وإنشاء قرى فلاحية في الغابات وهي لا تلبث أن تتحول إلى مدن يجمع سكانها بين الزراعة والتسويق .
إن الطريقة المريدية تؤمن بضرورة العمل الجماعي المنسق القائم على تحديد الأدوار والمكانات مثل دور الشيخ والمريد ودور الكبير والصغير ودور الخليفة العام والخلفاء المحليين وكذالك العلاقة بين الخليفة المحلي والشيوخ في دائرة خلافته فالأوامر التي تصدر من الخليفة العام تأخذ تلقائيا صفة الإلزام والإيجاب على كل المريدين شيوخا وأتباعا والخليفة المحلي تكون أوامره موجهة إلى أفراد خلافته وشيوخها والكبير في السن له احترام عظيم في كل جماعة مريدية والصغير يكون موضع الرحمة والعناية وللنساء النصح والمعونة.
وتنتشر في أوساط المريدين في كل مكان داخل السنغال وخارجها تنظيمات تعرف باسم ( دائرة ) تلعب دور الموحد والمنسق لجهود الأعضاء المنتمين إليها في مجال العبادة والعمل والإنفاق في سبيل الله وتنفيذ أوامر الخليفة الشيوخ وتحقيق الأهداف الكبرى للطريقة المريدية كما تلعب (دائرة) دورا هاما في إيجاد التعارف والتحابب والتعاون بين المريدين فهي تمثل عاملا أساسيا في وحدة صف الأعضاء وتوثيق صلات الود وتوطيد علاقات التضافر لمجابهة المشاكل الاجتماعية والكوارث الطبيعية حيث يكون مصاب كل عضو مصاب الآخرين يمدونه بالمساعدة كل حسب قدرته وتتأكد الخاصية التعاونية في المناسبات الاجتماعية العادية مثل الزواج والولادة والوفاة وعند النكبات الطبيعية .
وهذا المستوى من التنظيم والتنسيق والتماسك هو الذي جنب الطريقة المريدية كثيرا من النزاعات والخلافة الحادة التي حدثت وتحدث في الطرق والجماعات الدينية فتسبب فيها انقسامات وتجزءات تقسم الجماعة إلى مجموعات صغيرة متناحرة تنحرف عن أهدافها الأصلية لتتورط في خصومات وربما في حروب تنهك قواها وتستنفد جهودها فتنتهي إلى الانقراض والاضمحلال أو الضعف المميت .
تعريف المريدية:
وإذا أردنا أن نعرف المريدية تعريفا جامعا مانعا وموجزا عدنا إلى جواب الشيخ الخديم t مؤسس هذه الطريقة على أسئلة الحاكم العام الاستعماري في (اندر) الذي سأله عن أساس الطريقة فأجاب : { أس الطريقة الإيمان بالتوحيد والإسلام بالفقه والإحسان بالتصوف } أي أنها طريقة الإيمان القائم على توحيد الله I وعبادته وحده بلا كفر ولا إشراك وذالك يتأتى بالمعرفة الكافية بعلم التوحيد وأصوله ليكون المريد على بينة من أمره فيما يؤمن وفيمن يؤمن وكيف ولماذا يؤمن .
والإسلام بالفقه يتطلب معرفة بأحكام الشريعة والعبادات والمعاملات والعمل بمقتضى هذه الأحكام والإحسان بالتصوف هو العمل المخلص لوجه الله والعبادة النزيهة بأداء حسن ونية صادقة على هدى علم التصوف وأصوله من التحلي بمكارم الأخلاق والتخلي عن المكاره والإرتياض بالتغلب على الأهواء والنفس والدنيا والشيطان ويقول الشيخ الخديم t في مكان آخر :
إذا ابتدا المريد بالتوحيد والفقه والتصوف المجيد
منتهجا مذهب أهل السنة مع الجماعة نجا من فتنة
وقال أيضا :
أدعو إلى إله بالتوحيد وما رأيت عنه من محيد
لله أدعو بالتفقه بلا ميل لغيره وكلي قبلا
لله أدعو بالتصوف معا مكارم الأخلاق وهو سمعا
وقال أيضا :
ديني توحيد إله الناس بسنة الماحي عن الأدناس
ديني خدمة النبي المقبول بما لي اختار مع السبيل
ديني حب إله الناس بحب مختار من الأدناس
ورد أيضا في إجابات الشيخ على الحاكم عن مقصد الطريقة { وأما مقصده فوجه الله تعالى الكريم } وعن أتباعها: { فالذين يريدون وجه الله تعالى من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زمننا هذا }
نحن الذين لا نلوذ أبدا إلا لربنا هنا ثم غدا
المريد:
إن مريد الله هو المؤمن المسلم المحسن الذي لا يريد سوي مرضاة الله I في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته سكونا وحركة حبا وبغضا هو الذي تذوب إرادته في إرادة الله U فيصبح مريدا بإرادة الله U راضيا بحكمه مذعنا لقضائه خاضعا لمشيئته وقد قال الشيخ الخديم t:
إن المر يد لا يريد أبدا غير رضي الرحمان حيث قصدا
وصف المريد تركه الإرادة لوجه من يفعل ما أراده
من لم يرد شيئا سوي مولاه يصل له وخيره أولاه
المريد الصادق:
صدق الإرادة هو محبة الشيخ المرشد الذي اختاره المريد كأسوة وقائد هاد وامتثال أوامره ونواهيه التي ينبغي أن يكون متفقة مع أوامر الله U ونواهيه وعدم الاعتراض علي هذه الأوامر ولو شقت علي نفس المريد وترك اختياره للشيخ المربي المرقي ا لي الذي تكتمل فيه صفات العلم والعمل والتقوى والورع وغيرها وقد قال الشيخ t:
صفات صادق المريد باختصار أربعة نظمتها خوف اغترار
الصدق في محبة الشيخ أبد ثم امتثال أمره حيث ورد
وترك الاعتراض مطلقا ولو بباطن عليه فيما قد رووا
ومعه سلب الاختيار لحسن ظنه بلا إنكار
فكل من جمع هذه الصفات من المريدين فيدرك الثقات
المريد السالك
خير الطعام للمريد السالك دوام ذكر ذي الجلال المالك
وخير زاده التقى والفقر لمن له قبل وبعد الأمر
أما سلاحه فقل سيف ورع به يكون قاطعا حبل الطمع
أربع صفات أخرى لابد منها لسالك طريقة الإرادة وهي المداومة على ذكر الله U باللسان وتذكره بالقلب والتزود بالتقوى والافتقار إلى الله U وحده زاهدا في الدنيا والورع المبعد عن الشبهات فالمريد في سفر روحي إلى الله U ولا بد له من الطعام والزاد والسلاح وهي الصفات المذكورة.
واجبات المريد الثلاثة
أول واجب على المريد تحصيل زاده من التوحيد
قبل اشتغاله بلا انفراد بالذكر وحده وبالجهاد
منتهجا مذهب أهل السنة مع الجماعة وتلك الجنة
إذ ظلمات بدعة اعتقاد تكف أنوار اتباع الهادي
وبعده تحصيل ما يصحح به فروض العين فيما صرحوا
كالطهر والصيام والصلاة وحج بيت الله والزكاة
وبعده يسلك إن رام الوصول على يدي مكمل يقفوا الرسول
يقوده بالعلم والعبادة كما يربيه بترك العادة

إنها المعرفة الكافية بأصول التوحيد وأحكام الفقه والتتلمذة على يد شيخ كامل يقتدي بالرسول r يرشده بالعلم والعبادة ويربيه على السلوك التصوفي إنها طريقة طويلة يقطعها المريد السالك بانتهاج مذهب أهل السنة مع جماعة الصالحين العابدين المخلصين .
المريد الواصل
إن وصول المريد إلى الله U يتم بجهد روحي وجسدي جبار بتصفية القلب وإخلاص العمل ومصاحبة العلماء العاملين أهل الرشد ومجانبة أهل الفساد والعناد واحترام جميع حدود الشريعة والاقتداء بسنة الرسول وقد حدد الشيخ الخديم شروطا خاصة للوصول وقال:
فاسلك على يد مريد ناصح يقود للإله بالنواصح
فمن تعلق بواصل وصل ومن تعلق بعكسه انفصل
وقال أيضا:
وجاء عنهم أن خمسا من خصال تفضي المريد لوصول ووصال
أولها تلازم الصلاة في جماعة إذ هو مغني المقتفي
والثاني الاجتناب من ذوى العناد في السر والجهر ومن ذوي الفساد
إلا لنصحة لهم برفق أو لشفاعة لغصب رزق
ثالثها تقديمه الدعاء حيث اقتضى لحاجة قضاء
قبل التوجه إليها لتكون بالله لا بنفسه حيث تبين
رابعها القيام بالحقوق لجملة الخلق على التحقيق
لوجه ربكم برحمة الصغير والنصح للعاصي وحرمة الكبير
وبالتواضع وبالإحسان لصالح ولمسيء جان
والخامس العمل بالإقساط بترك تفريط مع الإفراط

هذه الأوامر لو اتبعناها لصلحت حالة الفرد والمجتمع ولوصل الجميع إلى ربهم راضين مرضيين فلنبدأ بالأخير فنرى أن التوسط في الأمور والاعتدال بين التفريط والإفراط في أعمالنا هو الشرط الأساسي للنجاح وللسلامة وهو الضمان للأمان روحيا وماديا وأن أداء الحقوق لجملة الخلق هو الذي يجعل الحياة ممكنة في وجه البسيطة فالحقوق تقابلها واجبات ينبغي الوفاء بها للأفراد وللجماعات للشعوب والأمم وتتضمن احترام الكبير ورحمة الصغير والتواضع للصلحاء والإحسان إلى المسيئين والتوكل كله في نسبة جميع الخيرات إلى الله U وتجريد العبد من أية قدرة على إنجاح نفسه وذالك بتقديم الدعاء قبل كل عمل لينسب إنجازه في النهاية إلى القادر على كل شيء والفعال لما يريد, والصلاة في الجماعة رمز للتعاون والتضامن والمشاركة الروحية والمادية للإخوان في أحزانهم وأفراحهم وقال أيضا في هذا الشأن :
تعززوا بالذل سرا وعلن ولتجعلوا الفقر غناكم زمن
ولتجعلوا الجوع طعامكم أبد فتحتووا الوصول لله الصمد

ويقول الشيخ الخديم t في شأن العبد الواصل: { العبد إذا توجه إلى ربه [U] بامتثال أوامره واجتناب مناهيه ووصل إليه فإذا قال له : يا رب أحب كذا قال له : يا عبدي خذه وإذا قال له يا: رب أخاف كذا قال له: لا تخف نجوت لأنه خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير وإن كان ما يحب مختارا له أوصله إليه كما طلب وإلا بدله ما هو خير له منه وإن كان مما يخاف أذهبه عنه بالكلية أو أذهب ما يخاف منه كنار إبراهيم أو بحر موسى عليه السلام} .
أسس المريدية
إن المتأمل في كتابات الشيخ الخد يم t وأقواله وأفعاله يدرك بداهة أن أركانها هي: العلم والعبادة والعمل والآداب ب الحسنة ومرافقة الشيخ الكامل والتقيد بمبادئ التصوف العملية فالعبادة تصح بالعلم وتصلح بالآداب المرضية والعلم ينفع بالعبادة والعمل وهذا الأخير ضرورة مادية وروحية ليستطيع الإنسان القيام بالعبادة بعد توفير احتياجاته الطبيعية الحيوية وليمكنه الإنفاق في سبيل الله بمساندة الآخرين علي توفير حاجاتهم الضرورية وبالمساهمة في تمويل المشاريع الإسلامية ذات المنفعة الجماعية.
وقد أوصي الشيخ الخد يم t جميع المريدين بطلب العلم وبالعبادة والعمل الصالح ومرافقة الشيخ ومما قاله في ذالك:
يقول أحمد إلي السعاده يدعو الملا بالعلم والعباده
اجتهدوا يا قوم في الطاعات بالعلم والعمل في الخيرات
وأيضا:
أوصيك بالعلم وبالأعمال مع التأدب علي الكمال
وأيضا:
عليك بالعلم وبالعمل مع تأدب مرافقا شيخا جمع
فالعلم خير ما به ازدان الفتى لأنه يكرمه حيث أتى
والعمل الصالح خير زاد فالعلم دونه غرور باد
والأدب المرضي أفضل جمال فذان دونه تماثلا الضلال
عليك بالثلاثة المذكوره فهي لدى رب الورى مشكوره
وأيضا:
عليكم بالعلم والتأدب والعمل الصالح دون لعب
العلم قائد لما يسر والجهل قائد لما يضر
وعدم الأدب قائد إلى بعد من الله القريب في الإلى
وعدم العمل بالمأمور به من القائد للتدمير
وكثرة اللعب تحرم الخيور فاجتهدوا عند الخلاء والديور

وقد وجه الشيخ الخد يم t رسالة مفتوحة إلي جميع المريدين أوصي فيها بالعلم والعبادة والعمل والأدب والأخذ بما أتي به الرسول والانتهاء عما نهى عنه وهاهي: { لبسم الله الرحمان الرحيم إنه من عبد الله تعالى وخديم عبد الله تعالى صلي الله تعالي عليه بآله وصحبه وسلم وبارك إلي إخوانه وأخواته في الدين وفي الطين عموما وخصوصا أما بعد فالسلام عليكم شم بعد سلامي عليكم إني آمركم بتقوى الله تعالي العظيم فإنه تعالي أكرم من كل كريم وآمركم باقتفاء ما أتى به منه تعالي المصطفي عليه صلاة وسلام وبركة تصطفي وأمركم بالتعلم وبالتعليم لوجه الله تعالي الكريم العليم وأوصيكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وبالتغافل عن المعاصي والتجرؤ وملازمة ذوي الملاهي وآمركم بالعمل بالمعلوم مع الأدب فإن هذه الثلاثة وسائل الأرب والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته ما عملتم بوصيتي هذه التي لا تنتهي خيورها ورحماتها },
هذه هي أركان المريدية التي سوف نتناولها بالبحث والتفصيل في الصفحات التالية وقد أوصي الشيخ الخد يم t بالالتزام بها التزاما صارما وكل مريد يتعلق بالشيخ الخد يم t يجب عليه أن يعمل بهذه التوصيات وغيرها للشيخ الخد يم t وهذا العمل هو الوحيد الذي يمكن أن يبرهن علي صحة هذا التعلق فامتثال الأوامر واجتناب النواهي هما سبيل السعادة بالجنة والنجاة من النار:
خذ الأوامر مع امتثال يصنك من جل عن المثال
واجتنب المنهي عنه بفرار منه ومن حب ذوي الظلم الشرار
نعم إن اجتناب المنهيات يتضمن الفرار من مرتكبيها وهم الأشرار وأهل الظلم والفجور وهذا إن لم تكن لنا قدرة على تغيير سلوك هؤلاء العصاة وإلا فعلينا حملهم على السير في الطريق القويم بإسداء النصح والتهذيب والزجر والردع إذا دعت الحاجة إلى ذالك.

العلم
ضرورة العلم ووجوب التعلم

لقد أوصي الشيخ الخد يم t جميع المردين والمريدات بطلب العلم ومعرفة الأحكام المتعلقة بدينهم مثل التوحيد والفقه والتصوف والتمييز بين الأصول والفرع في ذالك ومعرفة ا لفرائض والسنن للطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من كل ما يجب علي مسلم مكلف أن يعلمه في إسلامه وكان هو نفسه يعلم في شبابه قبل أن يتفرغ للتأليف والكتابة وقبل أن يذهب إلي منفاه وكان بعد ذالك يعين معلمين ومقرئين يتفرغون لمهنة الإقراء والتدريس وكانت القرى التي أنشأها كلها مدارس ومعاهد للتعلم والتربية ولذالك كان جميع أتباعه الذين تربوا علي يده علماء وأحبارا متبحرين في العلوم العربية والإسلامية, ومن وصاياه للمريدين بالتعلم ما يلي: { فإني أمرت كل من تعلق بي لوجه الله تعالي الكريم بتعلم العقائد والتوحيد وأحكام الطهارة والصلاة والصيام وغير ذالك من كل ما يجب علي المكلف } وأيضا:
وصيتكم يا جملة الطلاب بطلب العلم مع الآداب
اجتهدوا في العلم والتأدب والسعي وهي جالبات الرغب
وأيضا:
ومن تجرد لطاعة الجليل قبل تعلم فغمر لا نبيل
وقد توجه إلي الشباب خاصة موصيا له بقصر اهتماماته علي حفظ القرءان وتلاوته وتحصيل العلوم الضرورية لحياته الروحية والمادية وقال:
يا أيها الصبيان لا تشتغلوا عن الهدي وبالعلوم اشتغلوا
فاشتغلوا بالحفظ والتلاوة واجتنبوا مجالس الشقاوة
استمرارية التعلم
حث الشيخ الخد يم المريدين علي الاستزادة من العلم ومواصلة التعلم فالعلم بحر مديد بلا شواطئ ومحيط عميق الغور وفوق كل ذي علم عليم فالاحتياجات الدينية والدنيوية تفرض علينا التوسع في العلم وتحسين المعلوم وتدقيق المعارف بصورة دائمة وفي هذا يقول:
ولاتكن في كل يوم تاركا تعلما واعمل به مداركا
وأيضا:
ولا تكن في كل يوم تاركا تعلما ثم به اعمل ناسكا
منع التعلم ضلال وبدعة
إن العلم كما قدمنا ضرورة دينية وحيوية علي كل مسلم مريد وتتأكد هذه الضرورة علي من يتصدرون للزعامة الدينية وإرشاد الناس فالجاهل لا يستطيع أن يرشدا أحدا فكيف وهو ضال؟ وكل مريد يمتنع عن تعلم واجباته الدينية أو يمنع غيره من ذالك ضال ومضل وعاص لله U وللرسول r وخديمه t فالطاعة لا تصح إلا بالمعرفة ونحن مخلوقون أساسا لعبادة الله I وحده فلنستمع إلي الشيخ الخديم t يرد بنفسه علي تخريفات هؤلاء وأوهام أولئك:
ومن نهاكم عن التعلم فنهيه إلي الضلال ينتمي
وقال أيضا:
ومن نهاكم عن التعلم فإنه يقودكم لنقم
ومنه فروا إنه لفتنه يضل كل من بخير ظنه
إذ كل من في ذا الزمان منعا من التعلم فإنه دعا
لبدعة شنيعة إذ العمل إن لم يكن بالعلم شابه الخلل
وقال أيضا:
ومن نهاكم عن التعلم فهو خليفة اللعين المجرم
في كل ما يفسده والله جل حسيبه يوم الجزاء والوجل
وجوب التعليم
وكما كان التعلم واجبا فإن التعليم كذالك واجب لضمان استمرار العلم وعدم انقراض العلماء ولذالك يقول الشيخ:
تلازموا التعليم والتعلما فلم يزالا للجنان سلما
وقال أيضا في رسالة أرسلها إلي أخيه إبراهيم فاط t: {وليجتهد العلماء في العمل بما علموا وفي التعليم من جهلوا وليجتهد الجاهلون في السؤال وفي التعلم والقراءة علي العلماء فإن الحق يعلو والباطل ينخفض ولن تجد لسنة الله تبديلا.
أفضلية العلم علي العمل
يجب تقديم العلم علي العمل وتحصيل المعرفة قبل التجرد للعبادة إذ هي لا تصح إلا بالعلم ومن هنا جاءت أفضلية العلم علي العمل ولكن العلم أيضا لا ينفع إلي بالعمل فثمرته في العمل به وفي هذا يقول الشيخ الخد يم:
والعلم أفضل أخي من العمل وأسه ففار من له حصل
لكنما ثمره كالنفع في عمل به فكن ذا الجمع
قليله بالعلم أكثر ثواب من الكثير مع جهل لا ارتياب
وقال أيضا:
فالعلم والعمل جوهران لخيري الدارين يجلبان
وأشرف الأصلين علم قدما كما به أتي حديث قد سما
وقد أوصي الشيخ الخد يم t جميع المريدين بتقديم العلم وتحصيله قبل التفرغ للعمل ولكنة أكد أيضا وصيته بالعمل بالعلم بعد التعلم وقال:
هاك وصيتي يا مريد تحو به جملة ما تريد
فقدم العلم علي كل عمل إذا أودت أن تفوز بالأمل
إذ كل عامل بلا علم يري فسعيه مثل هباء نثرا
ومن حوى علما وليس يعمل به فإنه حمار يحمل
أهداف التعلم
فلتقصدوا أربعة عند ابتدآ تعلم لكي تفوزوا بالهدى
أولها الخروج من ضلال والثاني نفع خلق ذي الجلال
ثالثها الإحياء للعلوم والرابع العمل بالمعلوم
أهداف نبيلة ينبغي على كل متعلم أن يهدف إليها وأن يحاول تحقيقها بعد تعلمه بأن يطبق علومه بصورة تنفعه وتنفع الناس وبأن يقوم بإحياء العلوم بالتعليم والتأليف والبحث والإسهام حسب مقدرته وكفاءته في توسيع ميدان المعرفة.
شروط التعلم
فمن شروط طلب العلم تعد ستة أشياء تؤدي للرشد
أولها صبر على الجوع الوسط كأسد والثان جنبت غلط
إطالة الجلوس في التعلم كالنسر بابتغآ رضى المعلم
ثالثها حرص على طلبه كمثل حرص الكلب في مطلبه
رابعها حلم كمثل الهر خامسها إدامة للصبر
عن النساء الصارفات الهمم كصبر خنزير بلا تهمم
سادسها صبر على ذل أبد صبر حمار فاطلبوا بذي الرشد

ولا بد لكل طالب يسعى للنجاح من مراعاة هذه الشروط فالتعلم جهد عقلي وعضلي شاق يتطلب الصبر والعزلة عن الأجواء والأوساط التي لا تلائم المتعلم كمثل أماكن اللهو والفساد ولا بد للطالب من الاهتمام والاجتهاد في المذاكرة والتفهم والحفظ وذالك يحتاج إلى المواظبة وعدم التسرع والتعجل فالتعلم عملية طويلة متأنية.
غايات التعلم:
فوز يدوم والمنى والفرح لمن بعلم وبسعي يفرح
ليس يفوز بالمنى في أبد إلا الذي علم ذا تعبد
يقوده العلم مع العباده إلى السلامة مع السعاده
فالعلم خير ما به ازدان الفتى لأنه يكرمه حيث أتى
مراتب العلوم:
وبعد فالعلوم أفضل التلاد وخير ما الله به عبدا أفاد
لكنما التوحيد خير الذخر للشخص في القبر ويوم النثر
لأنه عن غيره يغني ولا بدونه يفيد علم مسجلا
وقال أيضا:
وأفضل العلوم بالإطلاق توحيد ربنا على اتفاق
وبعده التفسير للقرآن ثم الحديث قاله الديماني
وخيرها من بعد ذا وذين علم تفقه بغير مين
وبعد ذي المذكورة الآلات أعني على الحسب يا هداة
كالنحو والعروض والبيان ولغة العرب والمعاني

وهذه أمثلة ليس المقصود منها الحصر فالآلات تشمل جميع العلوم التي يحتاج إليها المريد في حياته الدينية والدنيوية فالتوحيد والتفسير والحديث والفقه والتصوف ضرورة لأداء الفرائض الدينية والنحو والعروض والبلاغة هامة لفهم اللغة العربية وكذالك علوم الزراعة والصحة وغيرها مما هو ضروري لحياتنا ولاستقامة أحوالنا حتى نستطيع القيام بالعبادة أحسن قيام.
العلم النافع
بل نافع العلم الذي قد علما فتى عيوب نفسه وعلما
وجره للصبر والسخاء والحلم والإخلاص والحياء
والصدق والخلوة والتفكر بالقلب والنظر والتدبر
وللتخلق بخلق حسن في السر والجهر بغير الإحن
وجره للخوف والتوكل والزهد والرجاء والتبتل
وأخرج الحرص مع التفات إلى الورى في أي ما أوقات
وأخرج الحسد والتكبرا والغي والحقد وعجبا قد جرى
وجره إلى نصيحة أبد وصلة للمسلمين للصمد
وأيضا:
نافعه الذي الفتى تعلما لله جل وحده وعلما
وأيضا:
فنافع العلوم أيضا ما أفاد صاحبه خشية خالق العباد
والذل والزهد وكثرة الأدب ولافتقار وتواضع جذب
وطهر القلب ونفسه قمع ومن معاصي خالق الورى منع
أما الذي لم يك هكذا فلم يمنع غدا من نار ربنا نعم
وقال أيضا:
العلم ما أكسب خشية العليم فمن خلا منها فجاهل مليم
إن الذي لم يخش رب العالمين ليس بعالم ولو أفنى العلوم
إن المتعلم أو المثقف ينبغي أن يكون مثاليا في سلوكه قدوة في أفعاله وأقواله يعلم الآخرين في تصرفاته دون إلقاء درس نظري عليهم يخشى الله U ويخلص له العبادة { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } ذالك أن العلماء هم الذين يعرفون الله U حق المعرفة ويتقونه حق تقاته فالعلم يساعدنا على تطهير قلوبنا من الأريان وعلى تزكية نفوسنا من الأدران ويجنبنا الوقوع في المذموم من الصفات والعادات كما يجعلنا نوفق أعمانا مع الآداب الحسنة والأخلاق الكريمة فلنتأمل جيدا تلك القيم والأخلاقيات الحميدة التي ذكرها الشيخ t كثمرة ونتيجة للعلم النافع الجدير بالتعلم.
وقد لفت الشيخ الخديم t أنظارنا إلى المقاصد غير النبيلة التي قد يهدف إليها بعض المتعلمين وكذالك الإستخدامات الشريرة للعلم من بعض العلماء وقال:
قلت فليس ينفع العبد علوم يرومها لحب مدح لا يريم
ولا الذي يطلب للتبادر إلى الفتاوى والقضاء الجائر
ولا الذي يفنى به الزمان باللهو واللعب يا إخوان
لا ما تعلم مراء ة وريآ أو المباهاة به فلتدريا
ولا الذي صيدت الدنيا به لحب جاه ومقام نابه
ولا الذي يطلب للتحيل به لصرف كل قلب فاعقل
فكل من لهذه الأشياء تعلم العلوم باعتناء
ولم يتب قبل الممات والكبر مداركا ما فاته وقت الصغر
فلا له يوم السؤال والحساب سوى وبال وملام وعذاب
لأن علمه يصير حجه غدا عليه فاخش تلك الحجه
ويجدر الإشارة هنا إلى أن اصطياد الدنيا بالعلم كما بين الشيخ t هو التعلم لمجرد الرغبة في الحصول على مكانة عالية بين الناس وحب الجاه وما يشبه ذالك وليس معنى ذالك منع أخذ الأجرة من التعلم فذالك جائز عند الفقهاء في تعليم القرآن والعلوم الأخرى التي يحتاج إليها المسلمون لتشجيع التعليم وضمان استمرار العلم وانتشاره ولتمكين المعلم من ممارسة مهمته بصورة أفضل بحيث يتفرغ للتعليم بعد تأمين احتياجاته المادية الضرورية فمهنة التعليم هي أشرف المهن وأكثر تأثيرا وأبقى مفعولا فهي مهنة تكوين الإنسان الصالح روحيا وجسديا فينبغي أن يفر للمعلمين كل ما يجب لهم في حياتهم فالتعليم يقيدهم من ممارسة أي عمل آخر ولا يترك لهم أي فراغ لتدبير أمورهم الدنيوية.
وهذا هو العلم في المريدية فطلبه واجب على كل مريد ومريدة ولو بالصين أو بأمريكا فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها أين يجدها فينبغي توفير المدارس والمدرسين لكل الراغبين في التعلم ويجب تشجيع الشباب والصبيان على التعلم وارتياد المعارف كما يجب على المسئولين وجميع القادرين أن يساعدوا الطلبة والتلامذة الذين يريدون الانتقال إلى الدول العربية وغيرها لمواصلة دراساتهم وتوسيع معارفهم فتاريخ التعلم الإسلامي في بلادنا يعرف جيدا مثل هذه الهجرات التعلية التي كانت تتم بعون سخي من الأقارب وفاعلي الخير ومحبي العلم وكانت هذه الهجرات تتجه في معظمها إلى موريتانيا البلد العربي المجاور وقد بدأت منذ سنوات هجرات العلمية إلى مختلف الدول العربية بمبادرة جريئة من الشبيبة المسلمة المتعطشة للمعرفة وهي مبادرة جديرة بالدعم.
العبادة
إن الطريقة المريدية تأسست على التقوى والبر لعبادة الله U وتوحيده والخضوع لحكمه والرضاء بقضائه والإقتداء بالرسول r وطاعته وخدمته وقد عرف الشيخ t العبادة أو البر فقال :
البر أن تؤمن بالإله ويومه الآخر ذي الدواهي
لكونه حقا وبالأملاك والكتب والرسل بلا إشراك
بالمال منفقا مع احتياج ذا القرب واليتم وأهل الحاج
راجي جنة بإكثار العمل خائف نيران بتقصير الأمل
راحم ذي مسكنة وابن السبيل وذي كتابة إلى الله يميل
مواظبا للصلوات الخمس مع النوافل بغير لبس
نابذ بخل للزكاة موتيا وبالعهود والعقود موفيا
إن كنت ذا عهد وفي البأساء تكون صابرا وفي الضراء
أيضا وحين البأس هذه الخصال خصال حزب الله سادة الرجال
من وصفوا بالصدق والتقوى لدى ربهم الذي اصطفاهم وهدى
نفوسهم راضية مرضية أنفاسهم طاهرة زكية
بالله آمنوا وأسلموا له نفوسهم وحاولوا تفضيله
أكرمهم بكونهم عباده فسعدوا بالعلم والعبادة
يمكن تسمية هذه القطعة الشعرية الرائعة الغنية بأنها دستور المريدية فهي متضمنة لكل الأوامر الإلهية التي يجب أن ينفذها المريد ولكل الصفات الأخلاقية التي ينبغي أن يتصف بها وهذا هو البر الذي أسست عليه هذه الطريقة.
وقد قسم الشيخ الخديم الدين إلى قسمين : الأوامر والنواهي وقال:
اعلم بأن الدين شطران كما نص به قبلي بعض الحكمآ
فأول ترك المناهي مطلقا دع المنهي لباق أطلقا
والثان فعل كل شيء أمرا به ومن يدمه يكف الأمرآ
لكنما الأول أثقل لدى من آمنوا ولازموا التجلدا
إن الدين أوامر ومناه فالله يأمر الإنسان بما ينفعه في حياته الدنيوية والأخروية ويمنعه عما يضره أجلا أو عاجلا ولكن النفس الإنسانية بطبيعتها تميل إلى المنهيات تؤذيها وذالك لأن حكمة التشريعات الإسلامية لا تكون دائما واضحة لدى العامة فالبعض ينظر إلى الإسلام كمجموعة من الأوامر والنواهي التي تهدف إلى حرمان المسلم من ملذاته ومتاعاته الدنيوية مع أن كل أمر أو نهي إسلامي يخدم الإنسان في صحته أو في ماله أو في حرمته وشرفه وكرامته أو يخدم المجتمع في سلامته وأمانه وتماسكه وأحيانا المصلحة الإنسانية المتضمنة في أحكام الإسلام تبقى غير مبينة وتبيينها واجب العلماء والمفكرين الإسلاميين ومهما يكن من أمر فالشيخ الخديم t أمر أتباعه بفعل المأمورات وترك المنهيات :
وصيتي يا من تعلقوا بيا في السر والجهر لوجه ربيا
أن تتركوا محرما وما كره لوجه ربكم وكل مشتبه
ولازموا الواجب والمندوبا وما أبيح تحتووا تقريبا
وقال أيضا :
ولازم الكتاب والغراء وفارق البدع والأهواء
المأمورات
وقد أوصى الشيخ الخديم t بطاعة الله I وباتباع سنة الرسول r فعدم طاعة الله U هو سبيل النار وطاعته بغير ما أتى به الرسول r أيضا تؤدي إلى نفس المصير البائس وقال:
يا أيها النبيل دع دنياكا قبل الممات واقصدن أخراكا
ممتثلا أمر إلهك الجلي متبعا سنة خير المرسل
إذ في اتباعها تكون سالما وفي اختلافها تكون ظالما
وقال أيضا:
فكل ذي توجه لغير من له الأمور والبرايا في الزمن
فليس ذا توجه لفائده ونفسه لباب نار قائده
ومن توجه له بغير ما أتى به من اصطفى مكرما
سيدنا محمد صلى علاه في آله والصحب من أبدى علاه
فأبدا لا يحتوي خير الندم يبوء بالنار وزلة القدم
ثم أمر الشيخ t بالدخول في عصمة الإيمان للنجاة من الكفر وفي حماية الإسلام للخلاص من الفسق وفي أمان الإحسان للسلامة من الرياء وقال:
يعصمك التوحيد من كفر قبح والفسق تكفيك العبادة فبح
ومن رياء يعصم الإحسان قلبك هذه هي الحسان
ثم حث على المحافظة على جميع قواعد الإسلام من إيمان وصلاة وصيام وحج وزكاة وقال:
إسلامكم ذكر الإله والصلاه والصوم والحج كذالك الزكاه
والكل للإيمان شرط واختلف في زيده ونقصه قول السلف
أولا : الإيمان
وقد بين الشيخ الخديم t بمن وبما نؤمن وقال:
فأول إيمانكم بالله وبالملائكة جند الله
وبجميع رسله وبالقدر أي خيره وشره حيث ظهر
وقد عرف الإيمان وقال : { وأما الإيمان فبالقلب والنطق باللسان والعمل بالجوارح ومن آمن بالله آمن بأن كل ما عمله أو نطق علمه ربه ومن آمن باليوم الآخر آمن بأن ربه يجزي له كل ما عمله في الدنيا وفي الآخرة ومن علم ذالك فليقل خيرا أو ليصمت عن الشر} وقال أيضا: { فالإيمان جزم بالقلب بوجود الله تعالى وأن ما سوى الله خلق وعبد له } وأيضا: { والإيمان أن توقن بالقلب أن الله موجود وهو في كل مكان بلا ابتداء قديم باق بلا انتهاء وأن الجنة حق وأن النار وتكون موقنا بأنه أمر ووعد ونهى وأوعد } ثم تعرض لما يجب أن تعتقده في حق الله قائلا :
اعلم حبانا الله رشدا وسعة كان إلهنا ولا شيء معه
وليس من شيء ولا فيه ولا في تحته ولا عليه مسجلا
فليس مخلوقا ولا محصورا وليس محمودا ولا مقهورا
سبحان من أعجز خلقا دركه وشكره عز وجل ملكه
إذ لا له مثل ولا زمان ولا له جنس ولا مكان
فكل ما يخطر بالبال أبد فبخلاف ذاك ربنا الأحد
وقد عدد الشيخ الخديم t الصفات الواجبة لله والمستحيلة له والجائزة ويمكن الرجوع إلى كتبه التوحيدية لمعرفة تفاصيل ذالك لمن يريد ولكنه اهتم بالإيمان الجازم الذي يأتي عن طريق التفكير العقلي والتأمل المنطقي في مخلوقات الله U وفي الطبيعة والقوانين العامة التي أوجدها الله I في الكون لتسييرها وقال:
إذ علمنا القطعي ليس يحصل إلا بفكرة بذهن يعقل
وهكذا الإيمان ليس يصد ق إلا بها أيضا علي ما اتفقوا
وليس تصديق ولا إيمان به بعيد الفكر يا إخوان
كمثل الإيمان بديهة به فالأول الأكمل فلتنتبه
وأخبروا بأنه أفضل من عبادة الدهر بلا خلف يعن
إذ الفتي إذا تفكر قوي إيمانه حقيقة كما روي
وظهر الحق له يقينا فيحتوي الصفاء والتمكينا
وقوة الإيمان بالجبار بقدر تعميقك في الأفكار
فأدم النظر في مراءاة فكر مع الخلوة في الأوقات
يبن لك الحق هناك يا خليل لأنه سبب إيقان الخليل
ومع أن مجرد استعمال العقل قد لا يساعد المرء في الاهتداء إلي وجدود الله I والإيمان به كما يليق إلا أن للعقل أهمية كبري في هذا الإيمان أساسا وتقوية فالإيمان المبني علي العقل والفكر أكثر ثباتا وصدقا من الإيمان التقليدي الموروث والذي لا يدعمه العقل المفكر المتأمل وكذالك العلم الصحيح المقطوع بصحته لا يحصل إلا بالعقل والفكر علي هدى الإيمان وعلي نور تعاليم الإله فالعلم الحقيقي لا يأتي من حفظ المتون والشروح و اجترارها بالرواية المسهبة والحديث الممل وإنما يأتي من استخدام هذه الموهية الإلهية الغالية العقل للتمييز بين الصحيح والخاطئ وللتفريق بين السمين والغث بين الجوهري والعرضي وبين الأصلي والفرعي وكذالك استعمال العقل لاستنباط علوم جديدة ومعارف قشيبة و تطوير المعلومات القديمة بما فيه نفع الإنسان في دينه ودنياه ولذالك فعبادة العالم المفكر أفضل وأكثر نزاهة من عبادة الجاهل أو الأمي الذي يكتفي بتقليد أعمي في عباداته التي قد تكون عرضة للإخلال والإبطال أو الإساءة وهو لا يعلم وإن علم لا يستطيع الاستدراك والتصحيح وقد يهتم بغير هام ويهمل الأهم وقد بين الشيخ الخد يم t خصائص كلمة الشهادة لا إله إلا الله وفضائل ذكرها وقال:
ولفظ لا إله إلا الله محمد أرسله الإله
صلي عليه بسلام في جميع صحابه عن آله الله السميع
أفضل ما نطقه من يذكر فكل من أنكره فيخسر
ومن أدام ذكره مستحضرا فرابح ولا يلاقي كدرا
وقال أيضا:
أما دوام الذكر فهو أكبر من كل ما كان المريد يكثر
قد قلت ذالك بلا إسرار ولا أبالي بذوي الإنكار
وكل من سألني فلي جواب قبل ولا تجادلوا أهل الكتاب
وقلت من ترك الله لذكر غيره فغمر لاه
فكيف ينسى أو يغافل ا لوري ذكر الذي خلقهم وصورا
وإنه بداية الولاية وتركه نهاية الغواية
جعلنا الله من الذين داموا بفكرة عليه الحينا
ثانيا الصلاة:
الصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام وهي عما د الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين وإنما الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع فمنكر وجوبها يقتل لأنه كافر والممتنع من أدائها مع الإقرار بوجوبها يقتل أيضا لأنه عاص عصيانا كبيرا وفي هنا يقول الشيخ الخد يم:
قد صح أن الصلوات الخمسا فريضة حكما وقيتم لبسا
بالذكر والسنة والإجماع فمن يكن منها على امتناع
جهدا لها فهو كالمرتد في الحكم يستتاب جيم العد
فإن يتب يترك وإن لم يتب نقتله بالسيف بضرب الرقب
ومن أقر بالوجوب وامتنع من فعلها ولا عذر وقع
فإنه مؤخر حتى يجي وقت الصلاة لقبول قد رجي
ثمت يؤمر إلى أن تبقى مقدار ركعة فقط لا سبقا
بسجدتيها من ضرورة بلا فاتحة ولا اعتدال عقلا
فإنه قتله ذو الأمر بالسيف حدا دون قتل الكفر
ولو تندم وقال أفعل لخوف مهلك فليس يقبل
لهذه الأهمية القصوى للصلاة في الإسلام حث الشيخ الخديم t المريدين على المواظبة على أدائها في أوقاتها فإيقاع الصلاة في وقتها المختار يعد من أفضل الطاعات كما شجع الشيخ المريدين بالتطوع بالنوافل بعد الفرائض والقيام في الليل وقال :
واجتهدوا في الصلوات الخمس تكن لكم نور كنور الشمس
أيضا:
واعلم بأن أفضل الطاعات صلاتنا في أول الأوقات
أيضا:
ولا تؤخروا الصلاة عمدا لوجه باق لا يلاقي همدا
ولا تصلوا الفرض قبل الوقت فإن ذا من موجبات المقت
أيضا:
صلوا الفرائض مع التوابع مراعيا نهج النبي التابع
أزكى صلاة الله والسلام عليه في الآل وفي الأعلام
هذه أوامر الشيخ الخديم t إلى جميع المريدين في شأن الصلاة يعتبرها الشيخ أفضل الطاعات وكان هو بنفسه يؤم الناس في المسجد ولم يكن أبد يصلي في البيت وقد أنشأ في كل قرية له مسجدا وقد بنى جامعا في جربل محل إقامته الجبرية وجامعا آخر في طوبى مدينته المفضلة وهو من أكبر الجوامع في العالم الإسلامي وأجملها وقد بنى أصحابه وأتباعه عدة مساجد وجوامع في قراهم ومدنهم فلنتأمل جيدا هذين البيتين للشيخ الخديم دون أي تعليق مني:
وإن عجزت عن قيام وصيام في الليل والنهار مع فعل الحرام
ولم تتب بالترك والندامه فأنت محروم لدى القيامه
ثالثا الصيام:
لقد أمر الشيخ الخديم t جميع المريدين بالمحافظة على الصيام في شهر رمضان وعدد أفضال الصوم وأجوره المتضاعفة كما حثهم على الصيام المندوب في بعض أيام السنة وشهورها وقال في شأن الصيام :
أما الصيام فهو من أفضل ما طلبت مرضاة به ونعما
لأن في الجنة بابا لا يقب فيه سوى أهل الصيام فانتسب
وقال أيضا:
فاز الذين حافظوا على الصيام شهرا به أغلق باب للإيام
أبواب جنات النعيم فتحت للصائمين والجميع انفتحت
شكرتم الله على شهر الصيام ستدخلون جنة دون إيام
ثم أوضح الشيخ الخديم t أن الصوم ليس فقط مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وإنما الصوم أن يصوم كل عضو في الجسد عن الإتيان بمنهي مع تقليل الأكل عند واجبات الفطور والسحور وملازمة الذكر وتلاوة القرآن وقيام الليل وقال:
ثم الصيام انتبهوا لم ينحصر في عدم الأكل فقط فيما اعتبر
‘ذ رب صائم مع الجماعة ليس له فيه سوى المجاعة
فالصوم أن يصوم كل عضو عن كل ما يفضي فتى لسهو
فلتمسكوا عن نظرة إلى الحرام والمشي والسمع له مع الكلام
وكل فكرة ردية كما تركتم أكلا وشربا علما
ولا تكثروا السحور والفطور وقت صيامكم فتحرموا الأجور
إذ كل من أملأ بطنه طعام وأكثر الشرب عليه والمنام
فإنه مع البهيمة استوى إذ فاته خير كثير وتوى
وبعضهم يأكل أكل البقر وقت فطوره ووقت السحر
حتى يكون بطنه ثقيلا جدا فصار قلبه مشغولا
عن ذكر ربه ويدعي الصيام وهو لا يحوي فتيلا في القيام
أعاذنا الله من الغرور وكل ما يضر في الدهور
رابعا الحج
إن الحج كبقية أركان الإسلام الخمسة فريضة على كل مسلم تتوافر فيه شروطه التي من أهمها المقدرة المالية والصحة البدنية والشيخ الخديم t ــ انطلاقا من حرصه الشديد على المحافظة على أصول الدين وفروعه كافة من واجبات وسنن ومستحبات ــ دعا المريدين إلى أداء شعيرة الحج عن استطاعة وإخلاص ونجد هذه الدعوة تتكرر فغي مواضع مختلفة من مؤلفاته الفقهية حيث يتكلم الشيخ عن أركان الإسلام الخمسة ومن ذالك على سبيل المثال:
إسلامكم ذكر الإله والصلاه والصوم والحج كذالك الزكاة
وقال مخاطبا الشباب:
إيمانكم يا أيها الصغار لمن له الدنيا وتلك الدار
ذكر الإله وصلاة وصيام حج زكاة كل ذي حتما يرام
وقد ذكر الشيخ t بعض فوائد الحج ترغيبا وتشجيعا للمريدين القادرين على القيام بأداء هذه الفريضة الإسلامية التي يتم عملها بصورة جماعية على مستوى العالم الإسلامي كله:
الحج يخرج الفتى من الذنوب جملتها ومن بقية العيوب
لكن ذا لغير حق مسلم وغير فائت الصلاة ينتمي
مثلهما كفارة قد وجبت من رمضان أو ظهار قد ثبت
وجاء أن كل ذنب يصدر من عمرة لعمرة مكفر
وحجة مبرورة ليس جزا لها سوى الجنة فيما أبرزا
هذه فوائد الحج المبرور وهذا جزاءه الجنة التي وعد المتقون وليس من الحج المبرور أن يتزود المسلم بمال حرام كأن يجتدي الحكام والسلاطين ليستطيع الحج فالله طيب لا يقبل إلا طيبا فالحج المبرور هو الذي يتم بدافع الإيمان والإخلاص لله وأداء الواجب لأنه واجب لا لحب الشهرة والتفاخر والرغبة في حمل لقب (الحاج) كما هو الحال في السنغال فالحج ليس في اعتبار الكثير واجبا إسلاميا يقوم به المسلم المستطيع المستوفي الشروط وإنما هو مكانة اجتماعية ومجلبة للشهرة ولذالك فهم يضحون بالواجبات والفرائض الأخرى بسبب الحج ويضربون بالقيم الأخلاقية عرض الحائط للحصول على لقب (الحاج) يتزودون بالحرام ويرتكبون المحرمات أثناءه وفي وقت الإعداد له وبسبب هذا الإعداد المكلف وبالإضافة إلى ذالك أصبح الحج فرصة للتجارة الربوية وقد نبه الشيخ الخديم المريدين إلى مثل هذه الممارسات المحرمة التي تجرد الحاج من جميع منافع الحج بل يعود مثقلا بالذنوب والعيوب بدلا من تطهره منها بالحج ومما قاله في هذا الموضوع:
وبعضهم بحج بيت الله قد غر وهو غير ذي انتباه
يأخذ مال المسلمين الجائي من السلاطين ذوي اعتداء
تراه ذا تكرر السعي إلى أبوابهم طالب زاد جزلا
ويتزود إلى البيت الحرام في حجه ذالك بالمال الحرام
وربما يفوته للتعب فرض فصار مائلا للعطب
وحيثما رجع يفخر به على القرون الجالسين انتبه
ويحسبن كثرة العطايا غدا ولا يحوي سوى الرزايا
وليس يدري أنه لو جلسا معلق القلب لكان أنفسا
الشيخ الخديم والحج
لماذا لم يؤد الشيخ الخديم t فريضة الحج وسنة العمرة ؟ سؤال يتكرر في كل المناسبات وقد استنتج البعض اعتباطا بسبب الجهل أو سوء النية من عدم أداء الشيخ الخديم لهذه الشعيرة الإسلامية بأن المريدية لا تعطي أهمية للحج إلى أول بيت وضع ببكة وأن المريدين يحجون بدلا منها إلى طوبى حيث يوجد ضريح الشيخ المبارك.
وهذه التقولات التي لا أساس لها من الصحة تشكل جزء من الحملة الحاقدة التي لا يزال يشنها ضد المريدية أعداؤها الذين يحلوا لهم التشهير بها وبأتباعها المخلصين, وتكفي للرد عليهم تلك الأبيات التي أسلفناها آنفا وكذالك الأعداد التي تتضاعف سنة بعد سنة من الحجاج المريدين الذين يحجون إلى مكة المكرمة ويزورون المدينة المنورة ومن بينهم أبناء الشيخ الخديم وأحفاده وأقاربه ومع ذالك فإننا نتعرض فيما يلي للأسباب الشخصية التي حالت دون قيام الشيخ الخديم t بأداء فريضة الحج مضطرا وهو المجدد للإسلام والباعث للشريعة ومحيي السنة النبوية الشريفة.
أولا:
لقد قضى الشيخ الخديم t قرابة النصف من عمره الميمون في المنفى في غابون وموريتانيا وفي الإقامة الجبرية في جربل حتى آخر لحظة من حياته المباركة ولم تسمح له السلطات الاستعمارية بالانتقال إلى مكان آخر بما فيه طوبى القريبة من جربل وهي مدينته المفضلة التي كان يريد الإقامة فيها ولم إليها إلا بعد لحاق روحه الطاهرة بالذات العلية.
وكان طوال حياته يعقد العزم على الحج وزيارة صاحب المدينة المنورة وفي هذا يقول:
أرجو برحمته المهداة سيدنا زوري مدينته دار الرياحين
دار متى ما يزرها زائر لهدى يسعد هي الدار دار الحق والدين
وأيضا:
يا ليتني مرغت تحت خدمه خدي أو لحظني بكرمه
وأيضا:
يطيب الفؤاد زور البيت مع المدينة قبيل الفوت
يا رب زور البيت والمدينه زيارة عن الريا مصونه
وأيضا:
يمين ربي مزار المجتبى أفضل من ملئ البلاد ذهبا
وأيضا:
وارزقني اليوم به السكينه ولترني الكعبة والمدينه
هكذا كانت رغبته تشتد كل يوم وشوقه يلتهب إلى لقاء مخدومه r ورؤية المدينة التي شغف قلبه بها وكانت هذه الأمنية الغالية تعيش في فؤاده وتحدوه إلى الابتهال إلى الله ليحققها له ولكن القدر قد سبق وكان يحن إلى المدينة والبيت وإلى تمريغ خده الشريف تحت قدم الرسول r.
ثانيا:
وقد أوضح لنا الشيخ الخديم t عذره العائق وقال:
وهو الذي عيك جسمي عن زيارته لكن لساني له كالقلب زوار
وأيضا:
يعوقني عيبي عن الزيارة وأرتجي بمدحه البشارة
وأيضا:
يعوقني ذنبي حتى لم أره ولم أر المدينة المنورة
إن عائقا جسميا حال دونه ودون زيارة المدينة وصاحبها وقد سمى الشيخ t هذا العائق عيبا تارة وذنبا أخرى وهو الأورع والأكثر تفانيا في العبادة والخدمة وحاشاه أن يتعيب أو يذنب ولكنه تواضعا منه وتضرعا استعمل هذا الأسلوب الصوفي الخاشع واعتبر عدم زيارته للمدينة عيبا وذنبا تأسف له الكثير وهو معذور في ذالك ونراه ينيب إلى الله تائبا ومستغفرا قائلا:
غفار لي اغفر ذنوبي وافككن كبلي لمن علي لتركي زوره عار
لمن يخاطبني في زور روضته بيتان من قول من بالعرف أمار
زر من تحب وإن شطت بك الدار وحال من دونه سهل وأوعار
لا يمنعنك بعد من زيارته إن لمن يحب زوار


ثالثا:
بعد تأكد الأعذار وتكاثر العلل المانعة من القيام بالحج جسديا بدأ يبتهل إلى الله U مرتجيا التفضل منه له بثواب وأجر الزيارة وأن يعوض له عن الحج الجسمي بحج روحي زيارة قلبية ولا شك أن الله I أجاب دعوته لأنه {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} ولم يمكن الله I أحدا في الأرض ليحقق كل نياته وينجز كل مشروعاته وإن كان ليثيب لأصحاب النيات الحسنة, فالرسول خير الخلق وخاتم النبيين r خاطبه الله بقوله { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } وكان r يرغب في هداية عمه ودخوله في الإسلام قبل موته وهو محتضر ولكن القدر سبق .
ومما قال الشيخ الخديم t في مناجاته لربه ليجعله من الحجاج بالروح والقلب والنية هذه الأبيات:
وجهت وجهي إليك اليوم مرتجيا كوني لديك كمن حجوا ومن زاروا
وأيضا:
هب لي بفضلك يا وهاب يا ملكي كوني لديك كمن بالروح زوار
وأيضا:
حجي بقلبي تقبل واكفني خطأ ولتمح شيني وكملني بما زانا
ويبدوا أن مناجاته وابتهالاته قد وجدت أذنا مصغية فكان له ما أ راد بل صار يجاور الرسول r ورزق ثواب الحج والجوار من المقتدر علي كل شيء وفي هذا يقول:
إني لجارك يا خير الورى أبدا عليك سلم من كلي له صارا
صلي وسلم باق لا شريك له عليك يا من به لي قدت أنصارا
لي قدت مطلبتي قضيت لي أربي محوت عني قبل اليوم أوزارا
وأيضا:
رزقتني الحج طيا أنت مقتدر مع الجوار وزور فيك يا لله
وأيضا:
وانقاد لي ثواب حج وجوار وكل خير دون خوف وبوار
هذا هو الحج في الطريقة المريدية ولم يكتف الشيخ الخديم t بتأكيد وجوبه وإيصاء المريدين بأدائه, وإنما بين لهم أيضا كيفيته وفصل القول في فرائضه وسننه ومندوباته ومكروهاته ومحرماته ومفسداته وكفاراته في كتبه الفقهية وهذه أعذاره الشخصية وهذا حجه الروحي وجواره السرمدي لمخدومه في المدينة والبيت وقد حقق الله أمنيته في أبنائه وذريا ته وأتباعه الذين يترددون علي الحرمين حجا وعمرة لوجه الله مخلصين له الدين بينما يتأبد جواره لله ولرسوله بالفرقان والسنة.
الشيخ الخد يم t والقرءان الكريم
أوصي الشيخ الخد يم t جميع المريدين بالمداومة علي تلاوة القرءان ليلا ونهارا حسب الإمكان ولو ثلاثة أحزاب يوميا وعلى الأخص طلاب العلم لأن القرءان مادة كل علم وأصل جميع المعارف وقال:
كل مريد بي يلوذ فليدم تلاوة لخير ذكر قد رسم
وأيضا:
ولازموا تلاوة القرءان في الليل والنهار بالإمكان
وأيضا:
أدم تلاوة لذا الكتاب ولو ثلاثة من الأحزاب
في كل يوم دون هجران كما طلبة العلم له ذوو انتمآ
ثم ذكر الشيخ كثيرا من فوائد القرءان فنحن لا يسعنا إلي أن نقتطف منها هذه الأبيات التي تشير إلي أن تلاوة القرءان تقرب العبد إلي الله وتبعده من إبليس وبالتالي تعصمه من النار وتقوده إلي الجنان وقال:
فمن أراد القرب من مولاه فليقرئ القرآن لا تنساه
قلت فمن يرد رضى الرحمن فليثبتن تدبر القرآن
وقال أيضا:
قراءة القرآن أمن من لعين ومن شقاوة ومن مكر المعين
وقال أيضا:
ربح الذي يتلوا الكتاب ربح من يدوم ذا سعادة مع الأمن
إلى الجنان دون ريب الكتاب يقود من لازمه بلا عتاب
وليس هناك أعظم من قراءة القرآن وكل ادعاء من هذا القبيل زور وبهتان وغرور من إبليس هذا ما يقوله الشيخ الخديم t ردا على بعض المتصوفين الذين زعموا خطأ أن لهم بعض الأوراد أو الأدعية التي هي أفضل من القرآن وأن قراءتها أكثر ثوابا وأكبر أجرا من قراءة القرآن فهذا كذب وجهل وضلال فكلام الله U خير الكلام وذكره أولى من أي ذكر آخر والعمل به واجب على جميع المسلمين وفيه كل خير وكل بركة ومنه يستنبط كل علم مفيد في الدين والدنيا وقال الشيخ الخديم t:
وبعض من تصوفوا وزعموا بأن ما هم فيه أعظم
وذالك الدليل زور وكذب قد غرهم إبليس فيه فاقترب
لأنه مادة كل علم في هذه الدنيا بقول القرم
لا تهجرنه واتله مؤبدا واستنبطن ما شئت منه أبدا
من العلوم مثل صالح السلف إذ كلهم من لج بحره غرف
ولا يوجد أيضا وقت تحرم أو تكره قراءة القرآن فأي وقت يصلح للقراءة والتعبد فالذي يمنع قراءة القرآن بعد صلاة العصر بعلة أنه وقت دراسة اليهود للتوراة فقياسه باطل ولا يعمل به وفي هذا يقول:
وليس تكره لدى الثقات قراءة في أي ما أوقات
أما الذي من بعد عصر منعا منها فإن نهيه لن يسمعا
علله بأنه دراسه أهل اليهود فانبذن قياسه
وقد بين الشيخ الخديم t أن أفضل قراءة للقرآن هي قراءة التفهم والتدبر ولو قلت وأن تكون بالنظر في مصحف مقصودا بها وجه الله فقط ويجب القول بأن القرآن أوامر ونواهي وأحكام للفهم ثم العمل بموجبها وكذالك قصص وروايات الأقدمين للاتعاظ والتفكر والاستلهام وكل ذالك لا ينفع إلا المتفهم المتدبر وفي هذا يقول الشيخ الخديم t:
وفضلوا قلتها بالفهم من كثرتها بغير فهم إذ تعن
وفضلوا قراءة بالنظر في مصحف على سواه فانظر
وأن يريد وجه ذي الجلال به بلا ريا ونيل المال
وحفظ القرآن وتعليمه فرض كفاية ويجوز أخذ الأجر به ويعتبر تعليم القرآن أشرف مهنة يمارسها المسلم وقال الشيخ t:
وحفظنا القرآن مما جعلا فرض كفاية على ما نقلا
تعليمه كذا وإن بأجره جوزها إمام دار الهجره
وقال أيضا:
وأفضل الناس الذي تعلما قرآن ربه وغيرا علما
والشيخ الخديم t هو الذي كرم القرآن وعظمه تعلما وتعليما وعملا بتعاليمه وكان القرآن كما يقول طبيبه الذي يشفيه إذا مرض وخليله الذي يؤنسه في حالة الوحدة وحبيبه الذي يناجيه ويفضي إليها أسراره وقال:
يا كتاب الكريم أنت حبيبي وخليلي وقبل كنت طبيبي
وكان ورده الذي يديم على قراءته صباحا ومساء وما بينهما:
كتابه العزيز صار وردا لي ونفى لي عداي طردا
وعن القرآن قال هذه الأبيات الرائعة المليئة بالمعاني:
وهو الكتاب الذي لا شك فيه هدى لكل من يتقي ضرا يري وكما
وهو الهدى والصراط المستقيم لنا طوبى لشخص به قد كان معتصما
وهو المنى والعلا والنور للكرمآ فمن به لا يروم الخير قد سقما
فهو السبيل الذي ما فيه من عوج لسائر للذي قد أوجد النعما
أمر ونهي ووعد كالوعيد معا قد أثبتت فيه إرشادا لمن فهما
المنهيات
أوصى الشيخ الخديم t جميع المريدين بالابتعاد عن كل المنهيات من المحرمات والمكروهات وبالمحافظة على جميع الأعضاء وقال:
ولتحفظوا الأعضاء بطن ولسان فرج ورجلان وعينان يدان
وبعدها أذنان من لها رعى عن المعاصي كلها ينتفعا
وقال:
طهر فؤادك من الرذائل وحله بأفضل الفضائل
وقال:
فباليدين يا مريد اجتنبا تناولا به تكون مذنبا
فلا تخط أو تمس ما يكون محرما في شرع هادينا المكين
وبهما استعن على الطاعات في جملة الأوقات والساعات
وقال:
لا تمش بالرجلين للحرام بل بهما استعن على المرام
امش إلى المسجد لا إلى الذنوب لازم عبادة وما عنها ينوب
وبهما لا تمشين إلا لما عند الإله رشده قد علما
كالمشي للإصلاح أو للصله ونحوها من صالحات المله
وقال:
أما البطون فاحفظوها من حرام وشبهة تناولا بلا انفصام
واجتهدوا في طلب الحلال فهو المقرب لذي الجلال
وطلب الحلال فرض ينتمي لكل مسلم بغير وهم
لا ينفع العلم ولا العباده بالأكل للحرام عند الساده
واحتذروا من الذي أيقنتم بكونه الحرام أو ظننتم
وقال:
لا تدخل الحرام في البطن ولا ما فيه شبهة بل الحل ولآ
وأيضا:
فكل حلالا إن أردت أن تطيع الله والرسول يا هذا المطيع
من بالحرام عبد الله فلا يكون إلا نادما منسفلا
وقال:
وحفظنا الألسن من فحشاء أوجبه الجبار ذو السماء
ومن قبائح الكلام واليمين بالعتق والطلاق عوها أجمعين
وقال:
لا تقربوا الزنا ولا المقدمات لوجه باق حوره معظمات
وقال:
لا تستمع بالأذن للمناه خف انتقام آمر وناه
وقال:
بالعين لا تنظر لشيء حرما بل غضها عنه تكن محترما
هذا بعض مما قاله الشيخ الخديم t عن المنهيات وعن العبادة بصفة عامة فعلى المريدين أن يعبدوا ربهم عبادة خالصة طاهرة نزيهة لوجه الله I بامتثال أوامره واجتناب البدع والخزعبلات والشبهات والشوائب التي تسربت إلى الإسلام عن طريق الجهل من المسلمين أو عن طريق الدس والتضليل من أعداء الإسلام والشيخ الخديم t حذر المريدين من كل هذا وقد جاء في أجوبة له على أسئلة لبعض المريدين ما يلي: { وأما قولك: هل ماء زمزم يصب في البير للتبرك به أم لا ؟ أجيبوا لنا جزاكم الله خيرا , فالجواب أن التبرك إنما يكون باتباعه عليه الصلاة والسلام قال ابن الحاج في مدخله ويحذر من تلك البدع التي أحدثت هنالك فترى من لا علم له يطوف بالقبر الشريف كما يطوف بالكعبة الحرام ويتمسح به ويقبله ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم يقصدون به التبرك وذالك كله من البدع لأن التبرك إنما يكون باتباعه عليه الصلاة والسلام وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب ولذالك كره علماءنا رحمة الله عليهم التمسح بجدران الكعبة أو بجدران المسجد إلى غير ذالك مما يتبرك سدى فتعظيم المصحف قراءته والعمل بما فيه لا تقبيله والقيام إليه كما يفعل بعضهم في هذا الزمان وكذالك المسجد الصلاة فيه لا التمسح بجدرانه وكذالك الولي تعظيمه اتباعه لا تقبيل يده وقدمه ولا التمسح به } هذا ما قاله الشيخ الخديم t الذي يهتم بالجوهر لا بالعرض ويعتني بالروح قبل الجسد وبالماهية لا بالقشور وبالقلب لا بالقالب فهو يدعوا إلى عبادة الله U المخلصة الخالية من البدع والمحدثات وفي هذا يقول:
خرجت من جملة محدث خبيث إلى الكتاب مع فقه وحديث
وهذه هي طريقة الشيخ الخديم t المستقيمة إلى الله فصدق أي مريد يعرف بمدى تقيده بأوامر الشيخ الخديم t وبمدى ابتعاده عن منهياته لا بلباس خاص أو مظهر معين أو بتملق كاذب أو ادعاء فارغ لا يصاحبه عمل جاد ومخلص في سبيل إرضاء الله I بطاعته وفي هذا يقول:
واعمل لمن إذا له عملتا بوجه الإخلال رضاه نلتا
واعمل لمن إن تكتسب رضاه يكفيك في الدارين ما تخشاه
واعمل لمن يغني من استرضاه بطاعة عن كل ما سواه
واعمل لمن إذا اجتنبت نهيه نلت الكرامة وكل بغيه
وقال أيضا:
رجاء جنة بلا طاعات بسنة الماحي غرور يأتي
وقال:
سيق الذين تركوا العباده لنار من من لم يطع أباده
وبعد فالمريدية هي الصراط المستقيم الذي لا التواء فيه ولا تشعب وهي نور الإيمان وهدى الإسلام وصفاء الإحسان وتعاليم الشيخ الخديم t جلية وبينة لا لبس فيها ولا غموض ولا إشكال فهو لم يقل ولم يفعل ولم يكتب شيئا يخالف القرآن أو الحديث الصحيح ولم يأمر إلا بما أمر الله I ولم ينه إلا عما نهى. اللهم هل بلغت ؟
شواهد الحق لا تخفى على أحد إلا على أحد حاز الفؤاد عمى
عماية القلب داء لا دواء له إلا دخول اللظى مأوى الذي ظلما
شواهد الله لا تخفى على أحد إلا على أحد إشقاؤه ارتسما
وقد بشر وأنذر من يوم الجزاء والحساب والعذاب وقال:
وهو الشفيع الذي أبغي شفاعته عند الممات ويوم الصفو والكدر
يوم يفر من المولود والده فيه وعين من الأتباع بالحذر
يوم يفر خليل من مخالـله يوم ترامى به النيران بالشرر
وذالك اليوم لا يغني بنون ولا مال سوى مخلص لله مزدجر
وذالك اليوم لا ينجوا سوى ورع قد كان ذا توبة لله منزجر
يوم تكون خفايا القلب ظاهرة لكل ذي سفه مع كل ذي نظر
يوم به يكشف الرحمن عورة ذي ثوب وعورة ذي صدق وذي سهر
يوم يسير جميع القلب قاطبة لذي الجلال فيجزى الكل في الحضر
يوم تقول جميع الرسل والكرما نفسي سوى المنتقى المختار من مضر
الرابحون في هذا اليوم هم الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه هم الذين ساروا في الطريق القويم الذي رسمه لنا الشيخ الخديم t هم الصادقون في إرادتهم لله الأوفياء لعهودهم الأورعون الأعدلون وهم الذين صدقوا القول وأخلصوا العمل هم المؤمنون المسلمون المحسنون وقد تحدثنا عن الإيمان والإسلام وفيما يلي نتحدث عن الإحسان وهو أيضا التصوف.
التصوف
وانتبهوا في أن دين الله أقسامه جيم بلا اشتباه
أولها الإيمان والإسلام بعدهما الإحسان لا تناموا
فأول يصح بالتوحيد والثاني بالتفقه الحميد
وصحة الثالث بالتصوف فالجمع واجب بلا توقف
كأنما التوحيد في ذا الحال روح لدين الله ذي الجلال
وجسمه الإسلام والإحسان لباسه الذي به يزدان
التوحيد الذي به يصح الإيمان بمثابة روح للدين والإسلام الذي يصح بالفقه هو جسد الدين وأما الإحسان الذي يصح بالتصوف فهو لباس الدين الذي به يزدان ويتزين ومن هنا نفهم أن الإحسان أو التصوف لا يمكن أن يصح أو يعتبر إلا بعد صحة الإيمان والإسلام وأن الدين الحق هو الجمع بين الثلاثة كما سيتضح لنا من كلام الشيخ الخديم في سياق حديثنا عن التصوف ولكن ما هو الإحسان أولا فلنستمع إلى الشيخ الخديم t الذي قال:
إحسانكم أن تعبدوا ذا المنن كأنكم ترونه بالأعين
إن لم تكونوا قد رأيتموه فقد رءاكم فراقبوه
هذا هو الإحسان أن نخلص العبادة ونتجنب فعل أي شيء منعنا عنه كأننا نراه أو أنه يرانا يقينا فنراقب حضوره الدائم وعلمه اليقيني بأعمالنا فنخاف أن يرانا حيث منعنا ونحب أن يشاهدنا حيث يرضى وهذا دليل أيضا على أن الإحسان لا يمكن إلا أن يعتمد على العبادة أو بعبارة أخرى على الإيمان والإسلام على التوحيد والتفقه وإلا فكبناء يقام على الهواء بلا أساس ولا أعمدة وهذا غرور وتوهم.
أهمية التصوف
يمكن القول من غير مجانبة الصواب أن التصوف ركن أساسي من أركان الطريقة المريدية ذالك أن أخلاق المتصوف وفضائله وصفاته لا تختلف في شيء عن أخلاق المريد الصادق الإرادة وصفاته فالتصوف الحق هو العبادة المخلصة والعمل والقول الصادق وهو القلب الطاهر بالإيمان والجسد الطائع بالإسلام والضمير الصافي بالإحسان وكل هذا شرط لا بد منه ليصبح المريد صادق الإرادة صحيح التعلق بالشيخ الخديم.
والجيل الجديد بسبب الجهل وقف من التصوف موقفا سلبيا فألقى عليه الشيخ الخديم t اللوم المشوب بالنصح مبينا له المنافع الكامنة في التصوف وقال:
قلت فجيل ذا الزمان جهلوا علم تصوف فخيرا أهملوا
إذ جهلوا بكونه سبيلا لحضرة الله فخابوا جيلا
وجهلوا بكونه خير الذخر يوم التغابن إذ الهول حضر
وجهلوا بكونه خير علوم يفني الفتى عمره فيه عموم
وجهلوا بكونه استقامه ومنعه الفتى من الملامه
حكم التصوف
والتصوف كإخلاص في العبادة وإحسان في العمل وكمال في الاعتقاد يصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة فريضة على العامة والخاصة وليس كما يعتقد البعض خطأ ــ نوعا من الغلو في الدين والترف في التعبد يختص به العلماء الأجلاء والشيوخ العظام أو نوعا من الرهبانية الإسلامية ولا رهبانية في الإسلام ــ ويقول الشيخ t:
أما التصوف ففرض عين لدى الغزالي بدون مين
وجوب الجمع بين التفقه والتصوف
والتصوف توأم للتفقه وتحصيل العلم به مع العمل واجب كما وجب العمل بأحكام الفقه بعد معرفتها فالإسلام السليم هو الجمع بين التصوف والتفقه بين الشريعة والحقيقة كما قال الشيخ الخديم t:
العلم عند العلماء ينقسم لظاهر وباطن سرا كتم
ظاهره المصلح للأعمال والباطن المصلح للأحوال
فأول باسم تفقه دعي والثاني عنهم بتصوف وعي
ثمت تقديم الفتى الفقه على تصوف وجوبه قد انجلى
فمن إلى إخلال الأول انتمى هلك في الدنيا بحكم العلماء
فمن يكن بالثاني ذا إخلال يهلك غدا بحكم ذي الجلال
فواجب على العباد طرا جمعهما لكي ينالوا الأجرا
ومن تفقه بلا تصوف فذو تفسق صريح فاعرف
ومن يكن بعكس ذا فإنه إلى تزندق أمالوا شأنه
ومن لفقه وتصوف جمع فهو الذي حق له أن يتبع
واضح من هذه الأبيات أن الواجب هو الجمع بين التفقه والتصوف ولا يمكن الأخذ بالواحد فقط دون الآخر فالمتفقه غير المتصوف فاسق عاص وإن صح إيمانه وقبل إسلامه أما المتصوف غير المتفقه زنديق منافق وهو الذي يخفي الكفر ويتظاهر بالإسلام وذنب الفاسق أخف من جريمة الزندقة ولذالك يجب تقديم الفقه علما وعملا قبل التصوف تحصيلا وتطبيقا فالتصوف يحتاج أولا إلى التفقه الحسن ثم ثانيا إلى مرافقة شيخ كامل مرب يتبع سنة الرسول r ويقتدي به وفي هذا يقول:
فمن بمهمه تصوف نزل بغير تشييع مرب قد كمل
فإنه يخوض في لج الردى ولا يجيء منه شيء أبدا
لأنه يقوده الشيطان والنفس والهوى كما أبانوا
ومن يخض بحر الحقيقة بلا فلك الشريعة فحمقه انجلى
ومن يحد عن السواد الأعظم بلا دليل واضح لم يسلم
إذ في بنيات الطريق يخشى سار ضلالا أو هلاكا يغشى
وفي هذا رد مفحم على هذيان المنحرفين من المتصوفة الذين يتخلون عن أداء الشعائر الدينية مثل الصلاة والصيام بدعوى الوصول إلى الله أو الحلول والإتحاد بالذات العلية مفسرين اليقين بغير الموت في قوله تعالى { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين ُ } فالعبد لا يتحرر من عبوديته لله U ولا ينعتق من عبادة الخالق إلا بالموت ودخول الجنة وفي هذه الحالة يبقى العبد خاضعا لإرادة الله ناعما بحفاوته الأبدية حظيا بضيافته السرمدية, إذن صفة العبودية والتعبد ملازمة للمخلوق في كل الأحوال بالقوة إن لم يكن بالفعل في بعض الحالات ويقول الشيخ الخديم t في تاركي العبادة بدعوى الوصول:
ويدعي البعض الوصول تاركا عبادة حتى يصير هالكا
وغرهم في ذاك سوء الفهم ودنس الحجا بغير العلم
وفسروا لفظ اليقين باليقين في آخر الحجر بلا موت يحين
اشتقاق كلمة التصوف
ثم اشتقاق كلمة التصوف مختلف فيه بأقوال تفي
فقيل صفة وقيل صف وقيل صوف قيل صفو فاقف
وقيل غير ذي وكل منهم برهانه مستحسن عندهم
أقوالهم فيه على ألف تزيد تعدادنا لها هنا ليس يفيد
تعددت الأقوال في أصل كلمة ( صوفي وتصوف ) وقيل من الصفة وهم جماعة من الزهاد العباد كانوا يجتمعون في مسجد الرسول r والنسبة إلى الصفة صفي وتأبى القواعد النحوية والصرفية اشتقاق كلمة صوفي منها وقال البعض إنها من الصف نسبة إلى الصف الأول في الصلاة ولا يمكن تخريج كلمة صوفي أو تصوف منها ومنهم من ردها إلى الصوف لأن المتصوفة الأوائل كانوا يلبسونه وهو قول مقبول حسب القواعد النحوية ولكن المعنى قد يكون غير مقبول وقيل من الصفو والصفاء وهو الأقرب إلى معنى التصوف وإن تعارض مع القواعد ويقول بعض المتأخرين أنها مشتقة من كلمة (صوفيا) الإغريقية ومعناها الحكمة وقد استحسنه البعض واستبعده البعض الآخر.
وهذا من حيث اللفظ وأما من حيث المعنى فسيأتي تعريف الشيخ الخديم t له وتعاريف شيوخ التصوف وقد وجدنا له تعريفا حسنا لابن خلدون يقول فيه: {وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذالك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة}, ويتضح من هذا التعريف أن التصوف كان عاما وشاملا لجميع المسلمين من الرسول r وصحابته الراشدين ومن تبعهم بإحسان وكان انحراف البعض وانخداعه بزخاريف الدنيا وإهماله للعبادة كان ذالك بداية التفرقة والتمييز بين المتصوفة السائرين على الصراط المستقيم والناسكين العابدين الزاهدين وبين غيرهم من أهل الدنيا.
التصوف كما عرفه شيوخه
وقد ذكر الشيخ الخديم t آراء الشيوخ في التصوف وتفسيراتهم لمعنى الصوفي واختلافهم يكاد يكون فقط في عدد الصفات حيث يزيد البعض وينقص الآخر مما يدل على أن صفات الصوفي ليست محددة وإن كانت هناك صفات أساسية وأخرى تابعة.
الشيخ عبد القادر الجيلاني
وقال شيخنا الإمام الجيلي لا زال ذا رضى وذا تبجيل
إن التصوف على البنيان أركان مبناه على ثمان
سخا الخليل ورضى إسحاقا وصبر أيوب الذي قد فاقا
إشارة لزكرياء كذا غربة يحيى صوف موسى فخذا
سياحة ابن مريم وفقر سيدنا المحمود نعم البر
الشيخ أحمد التيجاني
وقال شيخنا الرضى التيجاني لا زال بين القوم كالمرجان
إن التصوف هو امتثال أمر الذي دام له الجلال
مع اجتناب كل ما عنه نهى في ظاهر وباطن أهل النهى
وحيث يرضى هو جل وعلا لا حيث ترضى أنت فافهم واعقلا
الإمام الغزالي
حد التصوف لدى الغزالي تجريدنا قلوبنا للعالي
مع احتقار كل ما سواه قلبا وقالبا هداه الله
وأيضا:
أركانه تعرف منها سبعه صمتا وجوعا واجتناب البدعه
وتوبة وسهرا وعزله ثم استقامة فنعمت خصله
وزاد شيخنا اليدالي ثامنا تقوى الإله ظاهرا وباطنا
الشيخ زروق
فللتصوف أصول تعرف تسعة أشياء لدى من يعرف
أولها تلازم الكتاب وسنة المختار ذي الصواب
وترك الأهواء وترك البدع كذاك تبجيل الشيوخ الخشع
رؤية أعذار لكل خلق إدامة الورد لوجه الحق
وعد منها ترك جملة الرخص وترك تأويل فذا زروق نص
وقال إن هذه أصول يفوت من ضيعها الوصول
الشيخ الشعراني
وقال بعض العارفين أيضا رزقنا به الإله فيضا
إن أصول القوم سبعة ترى أتحفنا بكلها رب الورى
الاعتصام بكتاب الله والإقتداء برسول الله
أكل الحلال واجتناب المعصيه خامسها كف الأذى فلتكفيه
سادسها الأداء للحقوق وتوبة من جملة العقوق
نص بذا سيدنا الشعراني العارف المحقق الرباني
التصوف عند الشيخ الخديم
والتصوف عند الشيخ الخديم t هو العلم النافع الدافع إلى العمل الصالح الدائب وهو الصفاء قلبا وقالبا وهو الزهد في الدنيا والإنابة إلى الله I وهو اعتزال الورى والتوجه إلى ربهم بالعبادة المخلصة وهو الحب في الله U والبغض فيه وهو العمل بالقرآن واقتفاء آثار الرسول r والتصوف عند الشيخ الخديم t كما قال:
والحاصل الصوفي عالم عمل بعلمه حقيقة ولم يمل
فصار صافيا من الأكدار ممتلئ القلب من الأفكار
منقطعا لربه من البشر مسويا دينار عين بالمدر
كالأرض يرمى فوقها كل قبيح ولا ترى من بطنها إلا مليح
يطأها الكريم واللئيم والبر والعاصي وتستديم
وكالسحاب وكقطر الماء في الظل والسقي بلا استثناء
ومن يكن كذاك فهو صوفي أولا فذو دعوى على المعروف
وأصحاب الدعوى كثيرون يتسترون تحت قناعات الصوفي المطاطة الزائفة فأين الذي يستوي عنده الدينار والمدر؟ وأين المنقطع من البشر إلى ربه ؟ وأين العلم العامل الذي لا يميل عن الحق ولو كان مرا؟ وأين الذي يصبر كصبر الأرض؟ إنهم موجودون بيننا لكنهم قلة قليلة أما جمهرة المدعين فقد كشف عن حالهم الشيخ الخديم في أبيات أرسلها إلى الشيخ إبراهيم فاط t أخيه وساعده الأيمن الذي كان يعمل ويدعوا إلى التصوف الحقيقي وهو صفاء القلب والقالب والتزام جانب الحق والعمل بتعاليم القرآن والسنة دون الاغترار بالمظاهر والتمسك بالقشور وقد نقلنا هذه الأبيات عن الشيخ عبد القدوس بن إبراهيم فاط y وقال إنها من الشيخ الخديم t إلى أخيه إبراهيم t ولكنه لا يتأكد مما إذا كانت هذه الأبيات من بنات فكر الشيخ الخديم t أم من شعر شاعر آخر وهي:
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ولا بكاءك إن غن المغنونا
ولا صياحا ولا رقصا ولا طربا ولا اضطرابا كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفوا بلا كدر وتتبع الحق والقرآن والدينا
هذه البيات صريحة في فضح بعض المفاهيم والممارسات الخاطئة عن التصوف مثل اللباس المرقع والبكاء والصياح أو الرقص والطرب الذي قد يصل إلى ما يشبه الجنون لدى سماع الأناشيد والأغاني الدينية أو عند سماع أصوات الشيوخ وهم يتحدثون إلى المريدين حديث العقل والروح الذي يستحق الإصغاء والتفهم والإتباع ومثل ذالك التحلي بالأحزمة وحمل العكاز وإرسال الشعر دون الاعتناء بنظافته كل هذه التصرفات وما شابهها انحراف عن جادة السبيل وانخداع بالظواهر وتمسك بالقشور دون الجوهر الحقيقة بسبب الجهل وسوء الفهم وقصور التربية الصوفية.
وقد نبه الشيخ الخديم t الشباب خاصة إلى هذه الانحرافات عن النهج القويم نهج الذي كاد رسمه أن يعفو وكادت بدع الخلف تتغلب على آثار السلف التي لم يتبعها إلا الراسخون في العلم والهدى وفي هذا يقول الشيخ الخديم t:
تنبهوا يا أيها الشبان قادكم إلى الهدى المنان
في أن سنة نبينا الأمين عليه أفضل الصلاة كل حين
كادت ترى كرسم دار قد عفا في ذا الزمان لمضي الحنفآ
وتبعتها شيم الشيوخ ذوي الهدى والنور والرسوخ
إذ ترك اقتفاء آثار السلف لبدع قد زينت بين الخلف
وقد بين لنا الشيخ الخديم t طريق السلف الصالح الذي هو نهج النبي r وأصحابه الراشدين وهو الطريق الذي سار عليه هو والمتربون في مدرسته الصوفية وقال:
أركان بيت جميع القوم أربعة بها يؤسس بنيان الولايات
صمت وجوع طويل بعده سهر وعزلة عن شيوخ بالإشارات
قوم طريقتهم تكفي المريد أذى من المريد وأنواع الغرورات
طريقهم قصد وجه الله دون هوى مع الذي تنفي الرعونات
من توبة قدمت خوف رجا معه إكثار حزن دواما بالقناعات
والزهد ف ي كل فان بعده ورع مع التوكل صبر كل ساعات
جهاد نفس وشكر بالقضاء رضى ترك التفات إلى حال البريات
طريقهم عشرة جاءت لوازمها لا بد منها لأرباب الإرادات
فمقصد وهو ما يفضي إلى سفر منها دليل كشيخ ذي فتوحات
والزاد وهو التقى منها سلاحهم وهو الوضوء الذي ينفي النجاسات
منها السراج بذكر الله جل علا منها المطايا بهمات عليات
منها العكاز بعجز والحزام لدى أهل الطريقة حزم بالحقيقات
ومن لوازمها منهاجها أبدا وهي الشريعة في بدء وغايات
ورفقة وهي إخوان لهم همم مع الوفاء بقصد في الأخوات
ومن هذه الأبيات المليئة بالمقاصد السامية والمعاني الصوفية نستخلص العناصر الأساسية للتصوف وهو: الزهد, والعزلة, والصبر, والشكر, والتوبة, والإنفاق, وإدامة الورد, ومجاهدة النفس والهوى والشيطان والدنيا, وترك الرذائل والبدع, ومرافقة الشيخ, وفيما يلي نتناول هذه العناصر بالتفصيل معتمدين على كتابات الشيخ الخديم t, والاقتصار على هذه العناصر المذكورة لا يعني الحصر ولكن لأهميتها وإجماع معظم المتصوفة على دخولها في حظيرة التصوف.
عناصر التصوف الرئيسية
1 ــ الزهد
حقيقة الزهد
الزهد هو تطهير القلب من حب الدنيا والجري وراء متاعها وهو عدم الحزن على فائت أو مفقود وعدم الفرح من موجود وهو الاقتناع بالكفاف الحلال دون الطمع والحرص بل هو الإدبار عن ملذات الدنيا وشهوات النفس والإقبال إلى الله I وإلى الحياة الخالدة بالعبادة المخلصة:
حقيقة الزهد بقول من نقد تركك قصدها بقلب للصمد
لا تفرحن بسبب الموجود فيها ولا تحزن على المفقود
بواعث الزهد
ثم البواعث على الزهد تعد خمسة أشياء لدى من قد نقد
فناؤها والشغل للقلوب عن التفكر مع العيوب
وأنها تنقص عند ربنا درجة لمن إليها ركنا
وأن تركها تكون قربه من الإله لا تكن ذا رغبه
وموجب أيضا علو المرتبه غدا لدى الإله نعم مطلبه
في الدرجات والوقوف في الغموم والحبس والسؤال عن شكر النعيم
ويوجب الرضوان والأمانا من سخطه في كل هول حانا
لو لم يكن فيه سوى رضوان له لكان كافي الإنسان
مزايا الزهد
ثم اعلمن بأن زهدا فيها خير ذخيرة فتى يخفيها
فكل من سمي باسم الزهد فهو ممدوح بكل مجد
وفيه راحة الفتى الدارين بالقلب والبدن دون مين
إن الذين زهدوا فيها أبد هم حقيقة الملوك لا فند
وينبغي القول أن الزهد لا يعني عدم الكسب ولا يرادف الكسل وترك العمل وإنما يعني القناعة وعدم الجشع والحرص على مقتنيات الدنيا الفانية بحيث يمنعنا ذالك من إعداد زادنا من التقوى إلى الآخرة الباقية أو يحول بيننا وبين الإنفاق في سبيل الله U والزاهد هو القانع بما رزقه الله I من كسبه يعبد به وينفق ولا يجري وراء متاعات الدنيا ولا يتعاون على الإثم والعدوان للحصول على الكسب الحرام ولا يحسد أحدا ولا يحقد بسبب المال أو الجاه.
ومن هنا كان الزهاد ملوكا حقا لهم الراحة من متاعب الدنيا ومن أهواء الآخرة.
2 ــ العزلة
وهي الاعتزال عن الناس والاختلاء إلى الله I بالعبادة ولها أحكام مختلفة من الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة.
وجوب العزلة
وتجب العزلة إن خاف الفتى على فساد دينه إن ثبتا
أو دخلوا في فتنة قد ثقلت عن دفعها ونى وإلا حرمت
تكون العزلة إن خاف الفتى من فساد دينه بمخالطة الناس أو يجرونه إلى فتنة يعجز عن دفعها.
استحباب العزلة
وهل إذا ما انتفيا فالأفضل خلطته لكسب خير يحصل
أو أفضل العزلة للفوائد أيضا لمخلص مريد عابد
إذا أفادت فكرة ولم يطق على أذى الناس بصبر يتفق
وليس ذا ترفع بها ولم يحتج إليه للمصالح نعم
وإن انتفى الفساد في الدين والفتنة ولا يستطيع الصبر على أذى الناس في المخالطة ولم يقصد الترفع بالعزلة ولا يحتاج إليه الناس لقضاء مصالحهم وتتيح له العزلة فرصة التفكير والتأمل في خلق الله I بما يفيده في دنه أو دنياه إذن فيستحب له أن يعتزل وإلا فالأفضل أن يخالط الناس ليكسب منهم الخير بالتعلم والاقتداء:
فندبت خلطته إن سلما من كل آفة حوتها فاعلما
تحريم العزلة ووجوب الخلطة أوجبت الخلطة على من يحتاج إليه الناس للتعليم أو الأمانة أو القضاء والإفتاء أو الإرشاد وفي حالة الخلطة سواء كانت واجبة أو مندوبة فينصحنا الشيخ t بمخالطة المؤمنين المسلمين المحسنين والتعاون على البر والتقوى وتجنب الخلاط لكافر أو مشرك أو فاسق:
ولا تخالط صاحب الإحسان طوعا ولا تمل لذي طغيان
أما إذا خالطت كرها غير من قد كان عابدا لأقدار الزمن
فلازم الإيمان والإسلاما وخير إحسان ولن تلاما
وخالط المؤمن بالتعاون أما على الأذى فلا تعاون
وخالط المسلم والحسن في عبادة الذي حبا بالكنف
وحيثما خالطت من أرادا عيبا فلا تهب له المرادا
3 ــ الصبر
الصبر عنصر هام من عناصر التصوف وقد أوصى عليه القرآن والحديث وكل الطرق الصوفية وأما الشيخ الخديم t فقد أكد هذه التوصية وأثنى على الصبر الجميل وعدد مزاياه وأنواعه وقال:
واصبر على عبادة الكريم فالصبر باب الأجر والتكريم
فوائد الصبر
ثم اعملن بأن للصبر الجميل فوائدا عديدة عند الجليل
منها النجاة وقضاء الحاج هنا وهنا دون الاستدراج
ونيل مكنة غدا وغلبه على العدى فلتصبروا يا طلبه
تقدم على الورى الإمامه ثناء ربنا مع الكرامه
منها محبة الإله والثواب بلا نهاية لكل ذي احتساب
منها بشارة صلاة رحمه والفوز في الدنيا ويوم الغمه
أنواع الصبر
فصل ومنه يا أخي الصبر على عبادة الرحمن جل وعلا
والصبر عن معصية لكن لدى صدمتها الأولى بقول من هدى
سيدنا صلى وسلم أبد عليه والآل والأصحاب الصمد
ومنه صبر الشخص عما نهيا وعن جميع الشهوات فعيا
والصبر عن ردية الأذكار ونعمة عافية للباري
ويتعدى للثلاثة الحروف فمن يراعيها معا يكن ظريف
فأول على وثان عن كما في ثالث لها لدى من علما
وهو الصبر على العبادة وعن المعصية وفي العافية والنعمة:
ومنه حبس النفس في كسب القرب عن شره الطبع المري سوء الأدب
بين يدي ذي العرش والصبر على تحسين آداب مع الله على
ومنه صبرنا على الإنفاق بالمال دون خشية الإملاق
ومنه إعطاؤك أهل الحق حقوقهم طرا لوجه الحق
كصبرنا على العيال واحتمال أذى من الجميع فعلا أو مقال
ومنه صبر المرء عن إظهار كرامة له وعن إخبار
بالكشف للقدرة منه حبسنا أنفسنا عن حب حمد علنا
مع رياسة ومدح يا نبيل ومنه حبسنا لها على الخمول
مع التواضع كذاك الذله إيثار آخرتنا المجله
على الحقيرة وللتقرب لربنا القاضي جميع الأرب
دون الخلائق وللتحقق بذي العبودية وصفا يرتقي
به لأعلى مكنة وترك تنازع مع العظيم الملك
ومنه إخفاؤك سعي البر ومنعنا النفوس كل دهر
من فاكهات وتمتع بها ولو حلالا عندنا فانتبها
4 ــ الشكر
والشكر من أجل العبادات التي يمارسها المتصوفون والشيخ الخد يم t حث على الشكر والعرفان لنعم الإله التي تتدفق علينا كل يوم وليلة وقال:
كن شاكرا لنعم الجليل فالشكر باب الزيد والمأمول
وأيضا:
ولتشكروا النعمة بالشهود بكونها منة ذي العبيد
وأيضا:
ولازموا الشكور عند النعم لوجه من مازال خير منعم
حقيقة الشكر
حقيقة الشكر لدي من علما شهودنا من ذي الجلال النعما
وعمل بها لسان وجنان في كلما يرضي وركنا يستبان
منها التواضع ومنه فادر تكبر علي الغني ذي الكبر
وعد من جملتها إخلاص أعمالنا لمن له الأشخاص
درجات الشكر
له لدي القوم ثلاث درجات عليا ووسطي ثم دنيا بالثبات
علياه أن تعبده إجلالا وسطاه أن تعبده امتثالا
دنياه أن تعبده حب الثواب كجنة النعيم أود فع العقاب
إن نعم الإله على عبده لا تعد ولا تحصي فمن أعظمها نعمة ا لحياة والتمتع بالصحة البدنية والعقلية والحصول علي الأرزاق ونعمة الهداية إلي الصراط المستقيم وإلي العمل الصالح ومنها تكريمه الإنسان وتفضيله علي معظم مخلوقاته وتسخيره كل هذه المخلوقات له وغير ذالك مما يستوجب علينا الشكر الدائم وأفضل أنواع الشكر الإقرار له بالألوهية وإفراد العبادة له.
5 ــ التوبة
التوبة واجبة علي عاص ومذنب والناس غير معصومين ماعدا الرسول r ولكن الله I غفور رحيم يستغفر له العبد المذنب فيغفر فهو غافر الذنب وقابل التوب وقد أمرنا القرءان والسنة بملازمة التوبة والاستغفار والإنابة إلي الله, والمتصوفون يعتبرون التوبة نوعا من العبادة يمارسونها يوميا لتطهير القلب والروح ولتنزيه الضمير والنفس من أنجاس الذنب الظاهر والخفي ومن أرجاس الشيطان ووساوسه في الصدور, وقد أوصي شيخنا الخد يم t المريدين علي التوبة وقال:
بادر لتوبة النصوح إن وقع ذنب تنل مغفرة حيث تقع
وأيضا:
أنب لربك بفعل الخير ولا تمل لجالبات الضير
وأيضا:
لله تب من الكبائر ومن كل صغيرة فعفوه ضمن
حقيقة التوبة
حقيقة التوبة ترك الذنب سبق مثله لوجه الرب
على اختيار لا كمثل البكم وداء فرج وعمي وصم
بل تركه فقط لتعظيم العظيم والخوف أيضا من عذابه الأليم
والتوبة الصادقة النصوح هي الإقلاع عن المعصية والعزوف عن الذنب طوعا واختيار تعظيما للإله الذي يجب الخوف والرجاء منه وليس من التوبة الكف عن المعصية بسبب العجز مثل الزاني الذي أصابه داء الفرج ولم يعد يستطيع ممارسة جريمة الزنا فيدعي التوبة وكذالك الأعمى والأبكم والأصم وغيرهم من الذين يحملهم العجز على الامتناع الجبري عن المعاصي التي كانوا يتجرءون عليها أيام الصحة والإطاقة.
مواضع التوبة
مواضع التوبة قلب ولسان وبدن تطهير ذي يعطي الحسان
فالقلب طهر بالندامة بلا تغرر وبالعلي كن مقبلا
وطهر اللسان باستغفار لخوف رب مالك غفار
ووطن البدن بالإقلاع فالتوب لا يزال بالقلاع
شروط التوبة
ومن شروطها ندامة على ما فاته من المعاصي مسجلا
ونية فيما بقي من العمر عدم عوده لكل ما يضر
وأن يكون تارك العصيان إن كان عاصيا بلا توان
ولا له تأخير أو تصبر لتوبة ولا يقول أصبر
حتى هداني صاحب الغفران فإن ذا علامة الخذلان
مع الشقاوة ورين القلب إني أعوذ منهما برب
وهكذا رد المظالم جميع يعد من شروطها عند المطيع
لأنه فرض فمن تركه مخففا فقد عصى ملكه
ثم المظالم أتت قسمين أموالا أعراضا بغير مين
فليردد الأموال للأرباب إن وجدوا الدهر بلا ارتياب
ثم إذا لم يوجدوا فليردد لوارثيهم بلا تردد
ثم إذا لم يوجدوا تصدقا عنهم بها كذا حكى من حققا
ويستحل كل عرض أكلا بغيبة أو قذف أو شتم جلا
إن كان حاضرا وأما إن فقد فليكثرن خيرا لعله يجد
شيئا يؤدي حق كلهم به مستغفرا وليرج عفو ربه
بواعث التوبة
أما البواعث عليها فكما قال اليدالي رئيس الحكمآ
خوف عقوبة وخوف الخجل من الحساب عند ذي العرش الجلي
مع رجاء لهبات وافره فيها غدا في الدرجات الآخره
وشكر نعمة وحب للحبيب كذاك تعظيم المقام يا حبيب
مراتب التوبة
فسبعة عدوا من المراتب لتوبة تدرى لدى المكاتب
توبة كافر من الكفر الشديد بإذن ربه إلى الدين السديد
وتوبة المخلص من كبائر وتوبة العدول من صغائر
وتوبة العابد ذي الخيرات مما يسوءه من العثرات
وتوبة السالك لالتفات من علل القلب ومن آفات
وتوبة الورع في الجهات مما يسوءه من الشبهات
وتوبة المشاهدين تجري من غفلات القلب خوف زجر
فالتوبة من الكبائر والصغائر واجبة على كل مذنب سواء أقيم عليه الحد أم لا ولكن الصوفي العابد المخلص يمارس التوبة كنوع من العبادة إذ يجب الإنابة إلى الله دائما والتقرب إليه فهناك ذنوب نرتكبها على غير وعي وعثرات تسيء إلى أعمالنا وعلل القلب وغفلاته المتكررة رغما عنا بسبب الضعف الإنساني الفطري ومن هنا تختلف مراتب التوبة باختلاف المعاصي والعاصين وعلى كل حال فالمتصوف يديم التوبة والإنابة إلى الله ويدمن الاستغفار.
6 ــ الإنفاق
الإنفاق خصلة حميدة حض عليها الله I في { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وينفق المريد من ماله الحلال في سبيل الله U مثل إطعام الجائع وإعطاء المحروم والمحتاج ومساعدة الضعفاء والمساكين وكذالك الإنفاق في بناء المساجد والمدارس والمستشفيات لوقفها على المسلمين وقد أوصى الشيخ الخديم t على الإنفاق وقال:
ولازموا الإنفاق في سبيل من له القلوب والفعال في الزمن
وأيضا:
وكل من وافاك ذاجتداء فاصبب عليه مطر العطاء
إن كنت ذا غنى ولا تحتكر مالا إلى غد لخوف الضرر
لأنه سبحانه تعالى هو الذي أعطاك ذاك المالا
فحيثما أكثرت فيه التلفا لوجهه أعطاك جل الخلفا
فضائل الإنفاق
أما التصدق مع الإنفاق فجمعا الخيرات باتفاق
فضائل الإنفاق والتصدق كثيرة جدا على المتفق
وحيثما تصدق الإنسان حفظه من البلا الرحمان
وكل ميتة بسوء تحصل كمثل إصرار وظلم يعمل
وكالقنوط وكقطع الرحم وبغتة الموت وسوء المختم
فاعلها يجلس في ظل لها قبل قضاء الخلق عظم شأنها
وأنها بها تداوى المرضى وتغفر الذنوب نعمت قرضا
تطهر المال وتدفع البلا وكل أمراض وفيها يجتلي
إدخال خير وسرور ثبتا على قلوب المؤمنين يا فتى
وسعة الرزق وفيها بركه مال والأمن من جميع المهلكه
فيها اغتنامنا دعاء الفقرآ مع المساكين لمن قد صبرا
وهذا قليل من فضائل الإنفاق التي لا يمكن تعدادها والمريدون لبوا نداء الشيخ الخديم t إلى الإنفاق فبهم يضرب المثل في الكرم والسخاء فالمال عند بعضهم لا يجد قيمته إلا بالإنفاق ولكن الإنفاق لا يكون عبادة إلا إذا تم بإخلاص لوجه الله I وفي سبيله دون رياء أو سمعة أو حب مدح وكذالك ليس من الإنفاق في سبيل الله I إعطاء المال لمن يعصي به الله ويتخذه وسيلة لإشباع رغباته غير المشروعة وينبغي على المريدين أن يعرفوا جيدا مواضع الإنفاق وسبل الله U التي يجب الإنفاق فيه وهي متعددة ومتنوعة بدء بالإطعام والإكساء والإسكان للمحتاجين إلى مساعدتهم على إيجاد وسيلة للعيش تمكنهم من القيام بتوفير احتياجاتهم بأنفسهم مثل توفير فرص العمل للعاطلين وتهيئة فرص العمل للتلامذة والطلاب وتسهيل العلاج للمرضى وذوي العاهات وإنشاء مرافق عامة للناس إلى غير ذالك من طرق الإنفاق واسعة الأثر.
7 ــ الورد
الورد من أهم عناصر التصوف إذ كل الطرق الصوفية لها أورادها الخاصة يستعملها أتباعها وهو ذكر مرتب بصورة خاصة يشتمل على آيات من القرآن الكريم ودعوات من الأحاديث وأسماء حسنى من أسماء الله وصلوات على رسوله (ص) وتكون له أوقات معينة غالبا ما تكون في الصباح والمساء.
وقد ظهرت الأوراد في الإسلام مع ظهور الطرق الصوفية بغرض تشجيع الناس على تذكر الله I وتعبده والتبرك بأسمائه الحسنى والصلاة على النبي r وبهدف بعث روح العبادة والابتهال والتضرع إلى الله I في نفوس المسلمين وذالك بما يصاحب الأوراد دائما من تلاوة القران والصلاة في الجماعة والنوافل وغيرها كشروط لا بد منها لمن يستخدم الورد وهي وسيلة مجدية نسبيا لإنقاذ المسلمين من براثن الدنيا ومشاكل الحياة المعقدة التي قد تحول دون القيام بواجب العبادة كما يليق.
تعريف الورد واشتقاقه
وحده عند ذوي الإفاده شيء مرتب من العباده
في وقته ثم اشتقاقه أتى من الورود في المياه يا فتى
وإن أخذت الورد فلتبجل أموره خير المزايا تنل
أهمية الورد
أما إذا جهلت شأن الورد فاعلم بأنه عظيم القدر
موقعه في الشرع من أجل مواقع القرب عند الكل
وقال أيضا:
أما الذي مقام ورد أنكرا مستهزئا به لكره وازدرآ
فذو جهالة كما نص العلم ابن عطاء الله في متن الحكم
من لم يرد شيئا من الأوراد مضيع الوقت على التمادي
فلا له يوم يجازى الناس إلا غرام وجوى وباس
فلا يخفف أمور الورد سوى حسود ذو قلى وحقد
فكيف يستحقر ذكر الله أدامه الفتى بلا تناه
فإن كسلت عن أمور الورد فلا ترم إنكارها للحقد
فإن عجزت عن ورود الماء فلا تعق عنه أخي من أحد
واعلم بأن كثرة الأجور بقدر الأوراد مع الحضور
وتنبع أهمية الورد من كونه ذكرا مرتبا من آيات القرآن وأحاديث الرسول r ودعوات وصلوات يملأ بها المرء أوقات فراغه ومن هنا تتساوى جميع الأوراد من حيث المبدأ بغض النظر عن مؤلفه أو الطريقة التي ينتمي إليها وفي هذا يقول الشيخ الخديم t:
فكل ورد يورد المريدا لحضرة الله ولن يحيدا
سواء انتمى إلى الجيلاني أو انتمى لأحمد التيجاني
أو لسواهما من الأقطاب إذ كلهم قطعا على الصواب
فكلهم يدعوا المريدين إلى طاعة رب العرش حيثما جلا
بالاستقامة فلا تسخر أحد منهم ولا تنكر عليهم أبد
وقد ألف الشيخ الخديم t وردا خاصا للمريدين كان يستعمله هو نفسه وقد أمر جميع أتباعه باستعماله وهذا الورد جمع كل الخصائص والفضائل الذي تميزت بها أوراد الشيوخ الأوائل ثم تفضل عليها بفضائل ومزايا مخصوصة فهو يغني عن غيره بدون العكس وقد قال الشيخ محمد البشير ابن الشيخ الخديم y في شأن ورد أبيه ما يلي:
لأنه لكل ورد سر في كلمة فيه هداك البر
وعلمها عند ذوي البصائر لا غيرهم حكمة رب قاهر
مثالها الليلة في شهر الصيام وساعة الجمعة في الكل ترام
أولاه مولاه الخبيئات معا من بعد ما خدمهم ورفعا
جنابهم لوجهه الكريم حتى حباه الكل بالتقديم
ثمت رقاه الرسول المصطفى صلى عليه ربه كما اصطفى
لحضرة تغيب عن سواه لدى العلي فوق ما يهواه
من ثم قد أورثه المكنونا بالخير سابقا جلا فتونا
بإذنه جل تعالى مصطفى بالمصطفى مخدومه مولي الصفآ
من كثر ما خدمه وأخلصا لربه الدين وفيا مخلصا
فجمع الكل وزاد وارتقى بمحكم الكتاب نعم مرتقى
فإن أخذت ورده أخذتا أورادهم ولا تخاف كبتا
والوعد منهم تحوز ثم لا خوف عليك من وعيد مسجلا
لأنه للترك كليا ومن أخذه فبالخصائص قمن
فأخذه الحسنى مع الزياده لجمعه الجميع مع زياده
ومن شروط هذا الورد: المداومة على تلاوة القرآن يوميا, ولازمة صلاة الجماعة, وتعلم ما يجب على المكلف من أحكام الشريعة, ومصاحبة أهل الطاعة والصلاح, وترك الكبائر كلها.
وهي كما نرى شروط تحمل المريد على الاستقامة والاتصاف بالتقوى والاهتداء إلى سواء السبيل وقد أشار الشيخ محمد البشير t إلى أن مستعمل الورد يغنم كل الفضائل والمزايا التي اختصت بها الأوراد الأخرى وينجوا من الوعيد الذي أنذر به أصحاب تلك الأوراد من يتخلى عنها بعد أخذها ذالك أن آخذ ورد الشيخ الخديم t لم يترك كليا الأوراد الأولى وإنما انتقى منها أسرارها المدخرة في كلمات منها عرفها الشيخ وأدخلها في ورده, ومهما يكن من أمر فيجب أن نقول بأن ذالك الوعيد والتهديد لمن يتخلى عن ورد الطريقة ويأخذ وردا آخر ليس إلا حراسة مضروبة حول الطريقة لمنع مريديها من الانسحاب منها والانخراط في طريقة أخرى يختارونها بمحض إرادتهم ولذالك لم يقل شيخنا الخديم t بمثل هذه الأقوال التي إن دلت على شيء فإنما تدل على عدم الثقة بالنفس وعدم الاقتناع بصلاح المعتقد كما تدل على محاولة لإجبار الناس على التقيد بممارسات دينية لا يؤمنون بها ولا يريدونها.
8 ــ الجهاد الأكبر
روموا جهاد النفس يا إخوان فلكم غدا به الجنان
من لم يكن لنفسه مجاهدا فإنه لا يحتوي فوائدا
ومن يدم على جهاد النفس ففائز عند حلول الرمس
وإن صرفتم إلى الجهاد فقدموا دالا من الأعادي
وهو لعمري الجهاد الأكبر كما به عنهم أتانا الخبر
نفسا ودنيا ثم شيطانا لعين هوى فكلها عدو لا يلين
وأيضا:
النفس والدنيا والشيطان اللعين مع الهوى عائقة عن المعين
جهاده هو الجهاد الأكبر كما به عنهم أتانا الخبر
هذا هو الجهاد الأكبر جهاد النفس والدنيا والشيطان والهوى الأعداء الألداء للإنسان المسلم المريد ولكل منها سلاح ينبغي تدميره كما لكل سجن خاص بها يجب إدخالها فيه كما قال الشيخ t:
للكل سجن وسلاح يعلم فأدخلوا وكسروا فتسلموا
وأيضا:
فلتسجن الكل وكسر السلاح تعصم وتكرم وتظفر بصلاح
النفس
فالنفس بالجوع الطويل تسجن وما لها قيد سواها يعلن
أما سلاحها الذي قد تمنع به المطيع من هدى فشبع
وأيضا:
فالنفس إن عدت عليك فجع لك تكن بلا أذى ووجع
لا تدخل الطعام في بطنك من مجاعة تصح لم أمن
إن سلاح النفس الحاسم هو الشبع حتى من الحلال ولذالك تحارب بسلاح الجوع الذي لا يصحح النفس فقط وإنما كذالك الجسد ويقول الشيخ الخديم t في شأن الشبع ما يلي:
إذ شبع الشخص من الحلال مبدأ كل الشر في الأحوال
فيها من الآفات ما لا يحصى منها تفي ست هنا لتحصى
تقسية القلوب إفساد العقول إبطاله حفظا يصحح النقول
وثقل الأعضاء عن عباده وعن علوم قد حوت إفاده
وينصر الشيطان واللذات أيضا يقوي فاحذروا الآفات
والنفس بجبلتها أمارة بالسوء فيجب رفض أوامرها وعدم الانجرار وراء رغباتها الجامحة ويقول الشيخ الخديم t:
وخالفوا نفوسكم فيما دعت له مع اتهامها فيما ادعت
كما يجب مراقبتها بصورة دائمة ومحاسبتها على أفعالها والحذر من إغراءاتها وفي هذا يقول شيخنا الخديم t:
ومنه نفسك احذرن وهي أضر أعضاء إنسان كما جآ في الخبر
لا تركن الدهر إليها يا فتى أو ترض عنها بل عناها أثبتا
إن مكارم الفتى بحسب مكاره النفس وقدر النصب
وجاهد النفس امتثالا لتكون كلمة أمر الله عليا يا فطين
وحاسبنها كل لحظة أبد ييسر حسابها غدا عند الصمد
ولازم النفس بذكر الموت وهوله مع احتراز الفوت
وكن مدى الأزمان منها في الحذر كما يلاقي أسدا يبغي ضرر
فإنه يكون مذعورا أبد إن ساعة يغفل يحاوله الأسد
وتي العداوة بهذا الشأن نعمة ربنا على الإنسان
لأنه يكون مضطرا إذا أراد رفعها لربه خذا
الدنيا
وسجن الدنيا عزلة بعلم وعمل لوجه معطي الفهم
أما سلاحها الذي به تبيد فهو المخالطة في غير المفيد
إن العصمة من الدنيا تكون بالعزلة للعبادة والعمل الصالح بعد حصول المعرفة والعلم واجتناب الخلطة لأهل السوء ورفاق الشر:
تكثير خلطة بلا انتفاع إلى الذنوب والحجاب داع
ولتحذروا صحبة كل فاسق إذ ذاك بالمريد غير لائق
علامة حب الدنيا
ثم المحبة لتي الدنيا لها أربعة الأركان راع كلها
أولها المال وثانيها الطعام وبعده الكلام بعده المنام
فمن أحب واحدا منها بلا ضرورة صحيحة فيما جلا
فقد أحبها لأن المال يطغي كما ينسي الكرى الرجالا
أما الطعام فهو يورث الفتى قساوة القلب إذا ما أثبتا
أما الكلام فهو يلهي إن كثر بغير ذكر ذي الجلال فيضر
ويقول الشيخ عن الطعام:
ولتجعلوا الجوع طعامكم أبد فتحتوا الوصول لله الصمد

ولتكتفوا بما يقيم الصلبا من الطعام لتطيعوا الربا
وعن الكلام:
ولتقل الخير وعن سواه اصمت يصر رضاك ما تهواه
وعن النوم عند السلف الصالح:
كانوا إذا الليل أرخى الستر في حلك قاموا سراعا لإحياء الدجنات
باعوا فضولا بذكر الله خالقهم فالنوم في الليل باعوا بالمناجاة
تجفوا المضاجع في ليل جنوبهم ناسين سلمى وليلى بالبشارات
ويقول عن كثرة الأكل وكثرة المنام والكلام ما يلي:
ولحجاب النفس ستة أصول تقطعها همة من يبغي الوصول
إكثار أكل مع إكثار شراب إكثار خلطة بلا روم صواب
وكثرة الكلام كثرة المنام وغفلة عن ذكر خالق الأنام
دواء حب الدنيا
أما دواء حب ذي الدنيا التي حقيرة جدا لدى ذي الملة
ففكرة في خسة القدر وفي فنائها أين جميع السلف
وأين ما من العروض جمعوا والعين والنعم بادوا جمع
وأنها ليست لنا دار قرار بل إنها دار هموم واضطرار
فالعاقل الذي نحا دار القرار مجتهدا في كل ليل ونهار
الشيطان
وسجن شيطان بلا خلاف ذكر الإله المانع المعافي
أما سلاحه الذي يصول به مطيعا فهو الغفول
والشيطان هو عدو الإنسان منذ بدء الخليقة ويبقى كذالك إلى أن يبدل الله I الأرض غير الأرض وهو أشد عداوة وأكثر خبثا وله حيل ومكائد متنوعة وسبل ملتوية لإغواء الإنسان إغرائه إلى المعصية وتزيينه له للمنهيات حتى يحرمه من روح الله I الموعود لعباده المخلصين والنجاة من الشيطان من أصعب الأمور وهي نعمة يسديها الله لعباده الذين يذكرونه كثيرا ويسبحونه بكرة وأصيلا ويعمرون مساجده بالصلاة ويتلون كتابه الذي لا يمسه إلا المطهرون بتفهم وتدبركما قال الشيخ الخديم t:
وجاء أن الحصن من شيطان ثلاثة جاء بها بياني
أولها المسجد ثم الثاني دوام ذكر الله في الأزمان
ثالثها تلاوة القرآن بالطهر مع تدبر المعاني
ويكون مفيدا للمريد أن يعرف النوافذ التي يحاول الشيطان النفوذ منها إليه لإخراجه من النور إلى الظلمات وفي هذا يقول الشيخ الخديم t منبها المريدين:
ومن مضرات عدونا اللعين عليه لعنة من الباقي المعين
عداوة منه توجهت إلى من يطلب الله الذي يعطي الإلى
وإنه لغير ذي السعاده يسكن للإغواء ذا إعاده
وكل ذي سعادة فالله يحميه عنه مع ما والاه
ومن مكائد اللعين زيدا طردا ولعنة تفي مزيدا
إخراجه التوحيد من قلوب من لهم شقاوة وفارقوا الأمن
لكنه طرده القهار طردا به لازمه انقهار
إلى سوى من لازموا السعاده عند الذي جاء بخرق العاده
ومن مفاسد اللعين طردا إلى سوانا ولنا لن يردا
إغواءه من تركوا القرآنا والكل يخزى هالكا ظمآنا
فكل من ترك ذكرا أنزلا فنفسه مع شقاء عزلا
كتاب ربنا هو الكتاب وفيه قال ذالك الكتاب
ومن مضرات اللعين أيضا أخزاه باق لي يديم فيضا
صد المريدين عن التعلم لوجه ربنا العليم الأعلم
فكل من ضيع علما بسنن وبفرائض ويرتجي المنن
فهو ذو الضلال والإضلال جزاءه انتقام ذي الجلال
الهوى
والسجن للهوى سكوت عما لم يك ذا فائدة ونعما
أما سلاحه الذي به يصول شخصا فكثرة الكلام في الفضول
يجب على الإنسان المتمتع بنعمة العقل وموهبة الفكر أن يسيطر على أهوائها وأن يوجهها إلى الرشد والصواب فأهواء النفس تضل وتضر دينا ودنيا فالذي يقوده هواه حيوان في شكل إنسان ومن ثم تصبح تصرفاته حيوانية فلا يمكن أن يصح دينه ولا أن تصلح دنياه وقد حذرنا الشيخ t من اتباع الهوى ودعانا إلى قهره ثم صرفه إلى رضى المولى I وقال:
واجتنبوا أهواء نفس وابتداع واشتغلوا في كل حين باتباع
إذ جمع الخير في الإتباع وجمع الشر في الابتداع
وقال أيضا:
واصرف هواك لرضى مولاكا واشكره للفضل الذي أولاكا
أولاك عقلا وجوارح بلا خذل ففضله بشكر اقبلا
فقمع الأهواء والشهوات وتسخيرها في العبادة هما ضمان السعادة غدا والعكس بالعكس:
ثبت عند القوم أن العلمآ قد أجمعوا إجماع كل الحكمآ
أن لا طريق للسعادة غدا يوم القيامة إذ الهول بدا
إلا بصرف النفس عن كل هوى وعن جميع الشهوات بارعوآ
والانقياد وراء الأهواء والرغبات هو الذي يجعلنا نحتكر الخيرات لأنفسنا وننسى الآخرين ويجعلنا نرى حقوقنا فقط ونطالب بها ونتنكر لواجباتنا وه الذي يجعلنا وراء المال والجاه بأي ثمن دون اعتبار الشريعة أو الشرف فعلينا أن نتغلب دائما على أهوائنا ونقهر رغباتنا العمياء ونكبح شهواتنا الجامحة إذا أردنا أيكون ديننا صافيا وتكون أخلاقنا مستقيمة وأعراضنا مصونة وبالتالي تكون إنسانيتنا متحققة ومكتملة.
9 ــ الابتعاد عن الرذائل
وقسم الصوفي للقسمين تلك الرذائل بغير مين
ظاهرة باطنة فالظاهره هي حرام فاطلب المبادره
فواجب على مكلف عقل الكف عنها خوف رب الناس جل
كغيبة نميمة وكذب وحانث اليمين والتعصب
والزور الفحشآ وما لا يعني من قول أو فعل وما لا يغني
والسعي والنظر للحرام وكل ما قبح في الكلام
وكمباشرته بالفرج أو سواه والنطق به أيضا نهوا
والكتب والسماع واستعماله ودم مثل مسلم أوماله
أو مثله كذاك هجران له لغير حق الشرع فاحذر كله
وكاحتقاره وكالإهانه وكالمداهنة والخيانه
وكالمماكرة والمجادله وكل فاسد من المعامله
ومن الرذائل ما يسمى بالكبائر وهي عشرون رذيلة مختصة ببعض أعضاء الجسم أو عامة للجسم وهي:
كبائر العاصين عشرين بدت عمن نقولهم صحيحة هدت
عجب وكبر حسد مع ريآ مختصة بالقلب دال فادريا
حقيقة العجب ودواءه
حقيقة العجب بضم العين وبسكون الجيم دون مين
ميل إلى النفس مع استعظام لها لنسيانك ذا الأنام
دواءه علمك أن العملا لمالك الأنام جل وعلا
وأنه ما زلت ذا تقصير فيه ولم تجئ بكالنقير
في جنب ما عليك من حق الجليل ولم تجئ بذرة ولا فتيل
وأن من على سوى الله اعتمد عنه تخلى وتوى يوم النكد
وأنه يمكن أن لا يقبلا لكثرة العلل فيه فاعقلا
وربما عبادة كثيره قد أفسدتها لحظة حقيره
لا ينبغي للعبد دعوى عظمه قربه لربه ذي النعمه
حقيقة الكبر وداؤه
حقيقة الكبر بكسر الكاف وبسكون البآ بلا خلاف
قل رفع النفس مع كتم الحق ومع تعظم وغمط الخلق
فالكبر أعظم الرذائل جميع لأنه يقدح في دين المطيع
وغيره من البواقي إن حصل فإنه يوجب قدحا في العمل
دواؤه علمك أن ما حوى تكوينه من البرايا في استوآ
فلست يا أخي تفوق أحدا لجهل خاتمة أمرك غدا
ثم وعيد الله في نص الكتاب لمتكبر شديد بالعذاب
وهو الذي أهلك إبليس اللعين نعوذ منهما بربنا المعين
حقيقة الحسد
حب زوال نعمة عن مهتد هو المسمى عندهم بالحسد
لكونه فيها له صلاح ويرتجى له بها الفلاح
وتوجل الحاسد دهرا نعمته لذا كما تسره مصيبته
ثم قال الشيخ الخديم بأن الكبر والحسد والحرص هي أصول المعصية:
وجاء عنهم أن عصيان الجليل أيضا له ثلاثة من الأصول
الكبر والحرص معا والحسد فمن خلا أتاه الرشد
فالكبر قد أهلك إبليس اللعين والحرص قد أخرج آدم المكين
وحمل الحسد نجله على قتل أخيه إذ حوى تقبلا
الرياء
حقيقة الريآ لدى الأكياس إيقاع قربة لقصد الناس
وهو لدى إمامنا الغزالي إكثار طاعات مع المعالي
لكي ينال في قلوب القوم منزلة عجيبة في الروم
وأيضا:
أما الرياء فهو أن يسعى الفتى لقصد تعظيم الورى إن ثبتا
أو جلب خير أو لدفع الشر كطلب المال وقصد الضر
رذائل اليد
وباليدين القتل مثل السرقه خص اشكر الذي كفاك الفسقه
رذائل الفم
وغيبة نميمة أكل الربا خصت بفم مثل خمر شربا
كأكل أموال اليتيم واليمين أي الغموس وهي حاء لا أمين
شهادة الزور وقذف المحصنات ثامنة الكبائر المستهجنات
الغيبة
حقيقة الغيبة دون ريب ذكرك حال الشخص بعد الغيب
أو حال ما به تعلق بما يكره لو سمعه فلتعلما
أما إذا ذكرته بكل ما لم يك حاله فبهتان سما
ومنعوا ذالك أيضا في الحضر لأنه أكثر غيبا وضرر
إن الذي قال بغير ذا وهم وغره مفهومه وما فهم
حسبك فيه أن في القرآن تشبيهه بميتة الإنسان
النميمة
أما النميمة لدى من بحثا فنقلك الحديث عمن حدثا
بجهة الإفساد وهي أقبح من غيبة كما الشيوخ صرحوا
لكونها تسبب العداوه والبغض بين الناس والشقاوه
رذائل الفرج
زنى لواط بفروجهم فقط خصا فمن مال إليهما سقط
فهذه يؤمن الكبائر دعها فما ما بعته ببائر
فلا تمل إلى لياد منها وجملة الأسرار فيك صنها
رذائل الجسد عموما
أما التي جميع الجسد فأربع حاول أجل قسم
عقوق والدين والفرار من زحف من جملتهم شرار
ثالثها إفساد مال المسلم رابعها ترك الصلاة فاعلم
وهناك رذائل أخرى ذكرها الشيخ في هذه الفقرة وقال:
وحرم المنتقم القهار رذائل بها تصول النار
قد حرم الكذب والغيبة مع نميمة كبرا وعجبا قد يقع
ثم رياء سمعة بغضا حسد رؤية فضل مطلق على أحد
والهمز واللمز كذاك العبث سخرية زنى كذاك رفث
مع أجنبية كنظرة كذا بصوتها قد حرم التلذذا
وأكل مال الناس دون طيب نفس يؤدي النفس للتعذيب
كالأكل بالدين وبالشفاعه ومثلها تأخير فعل طاعه
فلا تكن مؤخر الصلاة عن وقتها بغير عذر يأتي
ولا تهن لا تنتهر ولا تسب ولا تخوف مسلما ومنه تب
ما لم يكن لأجل حق شرعي أما له فلا يرى ذا منع
وفيما يلي تعريفات لبعض هذه الرذائل كما أتى بها الشيخ الخديم:
حقيقة الكذب إخبارك ما لم يك ثابتا بقول العلمآ

حقيقة المراء عند من درى جحود حق بعد أن قد ظهرا
ودفعه بباطل وباس لكره خفض الجاه عند الناس

حقيقة السمعة في قول الرضي إخبار سعي صالح لغرض
ينسب للدنيا كمدح وعجب وهي أخت للريآ في النسب

حقيقة القول القبيح كلما تكون منه ذا حياء فاعلما

حقيقة العبث كل لعب قد منعت منه شريعة النبي

جعل عداوة لأهل الرشد بغير حق الشرع حد الحقد

حقيقة الغش على ما نقلا إخفاؤنا العيوب عمن جهلا
قد كان عيب الدين حين حصلا أو دنيويا كان فيما أسجلا
هذه هي الرذائل التي يجب أن يكون المجتمع المسلم المريد معافى منها ومنها ما يعاقب عليه الشرع بالقتل أو القطع أو الرجم أو الضرب ومنها ما ترك تحديد العقوبة اللائقة به لأهل الحل والعقد في الدين فهم الذين يقدرون ما يجب في حال ارتكابه حسب خطورة الرذيلة والضرر الذي تحدثه للفرد أو للمجتمع ولظروف المرتكب والمجتمع الذي فيه تلك الرذيلة, والمجتمع لا يمكن أن يكون مسلما وحتى إنسانيا إذا فشت فيه الرذائل التي تذرع الرعب والفزع في نفوس الناس وتبذر الشرور والفتن بين الأفراد والفئات فتهدد بذالك الأمن والسلام في المجتمع وقد تتسبب في نزاعات وحروب بين الجماعات والمجتمعات ووسط كهذا لا تحيى فيه إلا شريعة الغاب وقانون الأقوى.
فعلينا نحن المريدين أن نعمل على القضاء على هذه الرذائل في المجتمع وخاصة رذائل كالزنا وشرب الخمر وشرب الدخان والكذب والوشاية والحسد والحقد وغيرها ليبقى مجتمعنا سليما صحيحا تسوده قيم الحب والتعاون والتعقل وتحكيم الشرع بيننا والخوف والرجاء والمحبة بيننا وبين الله U وهذا هو الإسلام:
وصح أن طاعة الجليل لها ثلاثة من الأصول
أولها الخوف وثانيها الرجآ والحب ثالثا لذي الأصول جآ
علامة الخوف من الرحمن ترك المحارم بلا توان
علامة الرجاء رغبتك في طاعة ربك بنهج المقتفى
علامة الحب لذي الجلال شوق إنابة على توال
وينبغي تعريف الناس بالعواقب الوخيمة التي تنجم من اقتراف هذه الذنوب وارتكاب هذه الجرائم وتبصيرهم بالغضب الإلهي الذي ينزل على فاعليها والعذاب الذي ينتظرهم في الآخرة بعد الموت كما يجب تفهيمهم بأن أوامر الله I ونواهيه جميعا جاءت لتخدم الإنسان في دنياه وآخرته ولتجعل حياته ميسرة هنا وسعيدة هنالك وأن تشريعات الإسلام أتت لتقيم النظام والسلم والأمن في الأرض بين الناس ولتحقق العدالة والمساواة بينهم تعرف لكل حقه وواجبه تجاه ربه ونفسه وأخيه ومجتمعه الصغير والكبير.
وهذه المثل العليا لا يمكن تحقيقها بالوعد والوعيد فقط فلا بد من إقامة حدود على المعتمدين وفرض عقوبات رادعة على الجناة كما لا بد أيضا من تأديب وتهذيب للناس في ظل تربية إسلامية أخلاقية ملتزمة صارمة وهذا لا يمكن إلا بالحكم بما أنزل الله U وإعلاء كلمة الله I والعمل بالشريعة الإسلامية حكومة وشعبا فالعلمانيات والعقائد المستوردة لا تلاءم شعبا مسلما كالشعب السنغالي وقد أثبتت فشلها في تحقيق الرخاء والأمن للشعوب!!.
والتصوف العملي الذي دعا إليها الشيخ الخديم يحتوي على الدعائم الأساسية لمجتمع إسلامي سليم فالإنفاق والابتعاد عن الرذائل والسيطرة على الهوى والنفس والتغلب على مغريات الدنيا والشيطان والتجلي بالصبر والحلم هذه الصفات والأخلاقيات كفيلة بإيجاد فرد صالح في مجتمع معافى كما أن الزهد والشكر والتوبة ومداومة الورد وغيرها من الأعمال الصالحة والعبادات هي الضمان لخلق مسلم ملتزم بتعاليم القرآن مقتد بصاحب الرسالة محمد r وهذا كله يتكامل مع الأسس الأخرى للمريدية والتي لا تترك جانبا من جوانب الحياة الروحية والمادية للإنسان إلا ونظمتها حسب قواعد الإسلام مرتبة على هوى الشريعة التي جاءت أساسا لإنقاذ الإنسان من ويلات الجهل وظلمات الكفر إلى نور العلم الإيمان اللذين يقودان الإنسان إلى السعادة في هذه الحياة الفانية وتلك الباقية.
والتصوف العملي الذي أخذ به الشيخ الخديم t هو الإقتداء بالرسول r والعمل بسنته عبادة محسنة لله U وخدمة متقنة لنبي الإسلام r بتجديد شريعته وإبانة سيرته العملية وإشاعة فضائله للناس ولم يخض الشيخ الخديم t في التصوف النظري الذي في حقيقتها ليس إلا شطحات مستوردة من فلسفات أجنبية كانت تحاول إكتشاف الحقيقة ولكنها ضلت طريقها فوقعت في التقصير أو المبالغة.
10 ــ مرافقة الشيخ
إن سلوك سبيل التصوف يفرض على المريد أن يكون له دليل هاد وهو شيخ مرافق يربيه تربية صوفية ويعلمه دقائق الأمور وأشرار الأشياء أو بعبارة أخرى كيف يحسن الإتباع ويجيد الطاعة لله I وكيف يجنب نفسه السير في سبيل الهوى أو الشيطان والاغترار بالنفس والدنيا فالشيخ عند الصوفية دليل وقدوة يرافق المريد بالطاعة ويساعده على معرفة ربه والوصول إلى مرضاته ويقول الشيخ الخديم t عن مخاطر الخوض في بحر التصوف دون مرافقة ربان عارف متمرس وهو الشيخ:
من طلب الوصول للجليل فليعتصم بسنة الرسول
بأن يلازم مطيعا لا يميل في ظاهر وباطن عن السبيل
يقوده بالعلم والعباده كما يربيه بترك العاده
فكل من قبل وصوله اعتزل ولم يربه مرب قد كمل
فنه يقود في بحر الردى ولا يجيء منه شيء أبدا
لأنه يقوده الشيطان والنفس والهوى كما أبانوا
إذن الاعتزال قبل الوصول ضلال وغرور والوصول يتم عن طريق تربية صوفية على يد مرب كامل المعرفة وكامل التقوى والعبادة عالم عامل ينصح المريد ويرشده إلى الصراط المستقيم ويقول الشيخ الخديم t:
ومن يرد لربه الوصولا فليبغ قبل سيره دليلا
وقال:
ومن أراد القرب من رب الورى فليطلبن شيخا ويتلوا السورا
إن امتثال أمر شيخ عارف يفضي المريد لذوي المعارف
دوموا على امتثال أمر الرب بأمر شيخ واصل مرب
والمعرفة الصوفية تأتي عن طريق الاقتداء واتباع أوامر شيخ متصوف تلقى هذه التربية على يد شيخ شيوخ كمل ولا يستوي أبدا الذي يرافق الشيخ الصالح الرشيد والذي يرافق الفسق العاصي أو على الأقل لم يترب على يد شيخ فإنه لا يأمن كيد الشيطان ولا يسلم من إغوائه وفي هذا يقول الشيخ الخديم t:
فكل من لم يتأدب زمنا على يدي شيخ فيلقى المحنا
لأن من عدم شيخا مرشدا فشيخه الشيطان حيث قصدا
ويقول الشيخ t في شأن مرافقة أهل الرشد والصلاح وهو ينصح الشباب بأن يختار جلساءه ورفاقه:
يا أيها الصبيان لا تجالسوا شخصا سفيها فالرشيد جالسوا
إن الرشيد من لخمس يخرج مخمس الجليس حيث يحرج
من الرياء يخرج المرافقا لخير إخلاص ولن ينافقا
ويخرج الرفيق من تكبر إلى تواضع وللتصبر
ويخرج الصاحب من عداوه إلى نصيحة بلا شقاوه
ويخرج الأنيس من شك إلا خير يقين قد يزيده علاه
ويخرج المريد من حب الذي يضره لنافع في المأخذ
وشيخنا الخديم t كان في بداية سيره يجعل الشيخ عبد القادر الجيلي والشيخ الشاذلي والشيخ أحمد التيجاني مشائخه الذين بهم يقتدي ويستعمل أورادهم وفي هذا يقول:
مشائخي سيدنا الجيلاني والشاذلي معه التيجاني
ثم ترقى في سلم الكمال ووصل إلى مراتب هؤلاء الشيوخ وحاز مواهبهم وخصائصهم ثم ترفع إلى أعلى المقامات حتى حاز في الله I ما لم يحزه شيخ قبله ولن يحوزه شيخ من بعد وفي هذا يقول:
إلي قاد الله ما لم يكن ولا يكون أبدا لممكن
ولم يعد يتخذ شيخا أو وسيلة غير رسول الله r الذي التزم بخدمته وهو الأحق بهذه الخدمة الجُـلَّى وفي هذا يقول:
لا تجعلن بيني وبينك أبد واسطة سوى المقدم السند
وقال أيضا:
الله ربي والنبي محمد وسيلتي له ونعم الصمد
وأيضا:
وسيلتي عبده المختار سيدنا وهو الذي من أبى تقديمه خفضا
صفات الشيخ
ويشترط في الشيخ أن يكون عالما متعبدا تقيا ورعا زاهدا في الدنيا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويهدي إلى الصراط المستقيم ويقول الشيخ الخديم t ناصحا المريد الذي يريد أن يسلك الطريقة الصوفية:
فاسلك على يد مرب ناصح يقود للإله بالنواصح
فمن تعلق بواصل وصل ومن تعلق بعكسه انفصل
وهذا تحذير من الشيخ الخديم t للمريدين من بعض الشيوخ القصر الذين لا يصلون ولا يوصلون ذالك أنهم يأمرون وينهون من جهة أنفسهم وهواهم فهم ضالون ومضلون وقال: { ومن توجهت الناس إليه وتوجه هو معهم إلى نفسه أو إلى أنفسهم دفعهم رب الناس إلى النار التي وقودها الناس والحجارة وكل شيخ يأمر وينهى بغير إذن من الله تبارك وتعالى ومن رسوله عليه الصلاة والسلام ويأمر من جهة نفسه أو ينهى من جهتها فضال مضل }.
وقد تكلم الشيخ الخديم t عن صفات الشيخ المربي والمرقي وقال: { وأما شيخ التربية فيحتاج إلى ثلاثة أمور :
أحدها: معرفة النفوس وأحوالها الظاهرة والباطنة وبما يكتسب به كمالها ونقصها وأسباب دوام ذالك وزواله على وجه من العلم والتجربة لا ينقص ولا يختل في أصوله وغالب فروعه.
الثاني: معرفة الوجود وتقلباته وحكم الشرع والعادة فيما يجريان فيه نصا وتجربة ومشاهدة وتحقيقا وذوقا للأجسام الكثيفة والأرواح اللطيفة حتى يعامل كلا بما يليق به.
الثالث: معرفة التصريف في ذالك وتصريفه بأن يضع كل شيء في محله على قدر وجهه من غير هوى ولا ميل لحظة ولا يتم له ذالك إلا بورع صادق في تصريفه ينتجه عدم رضاه عن نفسه وزهد كامل نشأ عن حقيقة إيمانه يهديه لترك ما سوى الحق I وتأدب كامل بما يصح أدبه فقد قال أبو علي الثقفي t: ( لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس فلا يقتدى به حتى يأخذ به عن شيخ أو إمام ).
وأما شيخ الترقية فعلامته ثلاثة أشياء:
أولها: أن رؤيته تزيد في العمل.
الثاني: أن خطابه تنمية للحال.
الثالث: أن مخالطته محركة مثيرة للأنوار في بساط الكمال.
ومعظم الشيوخ في هذا الزمن شيوخ للتربية ولكن الشيخ المربي كما عرفه الشيخ الخديم يكاد يكون من النوادر التي تضن الحكمة الإلهية بالجود بها وقد حكى لنا الشيخ الخديم t صفات الشيوخ من السلف الصالح وقال:
كل من القوم شيخ عالم ورع منهم مرب بأذكار وحالات
منهم مرق بحال وحده أبدا منهم مرب مرق بالإشارات
كل خبير بأدواء القلوب معا يكفي المريدين أنواع الشقاوات
كل كريم ذو هدى وسخآ يمضي النصيحة في كل البريات
يمحو بالتقوى حظوظ النفس جملتها يعي علوما من المولى سنيات
يبدي طريقة أهل الله واضحة للمهتدين جميعا بالفيوضات
كل له همة يرقى بها أبدا إلى عزيز معز ذي فتوحات
فالشيخ الكامل هو الذي ينتهج نهج الرسول r ويقتدي بأفعاله وأقواله مهتديا بتعاليم القرآن عاملا بأحكام الشريعة والحقيقة متضلعا بعلوم الفقه والتصوف كما يقول الشيخ الخديم t:
ووجبت طاعة من يقفوا الرسول صلى عليه من به يحبوا بسول
من رؤساء الدين ذي الكمال من لم يرى منهم سوى الجمال
وأيضا:
ومن لفقه وتصوف جمع فهو الذي حق له أن يتبع
وإن وجدت مثل هذا الشيخ فيمكنك التربي على يديه وإلا فواصل البحث حتى تجده وإن توفي عنك فاستمد من شيخ آخر وإن انفصل عنك فاكتف به كما قال الشيخ الخديم t:{ فإن فهمت هذا فتيقن بأن من له شيخ جمع هذه الشروط فعليه أن يقتصر عليه ولا يتركه ويأخذ غيره لأنه إن فعل ذالك لا ينتفع بواحد منهما كما اتفق عليه القوم وأما إذا لم يكن الأول جامعا للشروط كما هو الغالب في كل زمان ولا سيما الآن فواجب عليه أن يتركه ويأخذ من غيره}.
{ وأما قولك وهل إن مات شيخه أو فصل عنه فاصل وأخذ من غيره ويتعلق به هل يترك الأول أم لا؟ فالجواب أنه يتعلق بالأول ويستمد من الثاني في الموت وأما في الفصل فإنه يكتفي به بشرط أن يكون كما وصف في شيخ التربية والترقية}.
وأما إذا لم نجد شيخا تتوفر فيه هذه الشروط فليكن شيخنا القرآن والسنة وآثار السلف الصالح كما يقول الشيخ الخديم t:
إن لم تلاق مصلحا فلتكتف بما به نص خيار السلف
فهو شريعة النبي المصطفى صلى مسلما عليه ذو الوفآ
ولا تكن مفرطا أو مفرطا بل استقم في سنة وأقسطا
فأخبروا بأن الاستقامه نهاية الصلاح والكرامه
وقال أيضا:
بان الهدى لي ولا أبغي به بدلا وسنة المصطفى البيضاء تكفيني
طاعة الشيخ
( أما بعد فجواب قولك هل للمريد أن يستغني بمربيه؟ إن المريد والشيخ كلاهما لا يستغني عن الله تبارك وتعالى أبدا كغيرهما من جميع العالمين { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }فكل من ادعى أنه غني عن الله تبارك وتعالى فهو مغرور ومستدرج والعياذ بالله تعالى ).
( وأما ما يقوله المشايخ في المريد من وجوب اتباع المريد أمر شيخه في كل شيء إلى غير ذالك مما في كتب القوم عليهم رضوان الله تعالى فإنما هو من باب التربية لأن الشيخ لا يدل مريده إلا على ربه كما قلت:
فمن على سوى الإله دلكا ففر منه إنه أضلكا
وإنما قاد الله I المريدين إلى المشايخ ليكونوا وسائط بينه تبارك وتعالى وبينهم لا يعبدونهم وإنما العبادة حيث حصلت لله تعالى وحده { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ِ }.
هذا ما قاله الشيخ الخديم t وهو في غاية الوضوح فإن الشيوخ مرشدون وهادون للمريدين إلى الله I فلا بد أن يكونوا أولا راشدين مهتدين إلى الله I وإن واجب المريد هو نفس واجب الشيخ عبادة الله I وحده فكون الشيخ واسطة المريد بينه بين الله U لا يعني أن الأخير يستغني بالأول عن الله فهو جل وعلا غني بنفسه ومستغن عن الجميع ولكن الجميع فقراء إليه والوساطة تعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصح والدلالة على الطريق القويم بالعلم النافع والعمل الصالح.
وإذا استبعدنا العبادة للشيخ والاستغناء به عن الله I وما يشبه ذالك في كل ما هو من قبيل الشرك فإن المريد الذي يجد شيخا تكتمل فيه صفات الشيخ الكامل وتتوافر فيه شروط المربي والمرقي فإنه يجب عليه أن يتمثل أمره وينتهي عن نهيه ويحترمه غاية الاحترام ويهدي إليه ما استطاع من كسب يده الحلال ونستمع إلى الشيخ t يقول:
وحيثما أمرك المربي فامتثل الأمر تصل للرب
وحيثما نهاك عن شيء فلا تمل له وعن رضي لا تغفل
ويقول أيضا:
وغاية التوقير وقر شيخكا واجعله سيدا له هب خيركا
واقض الحوائج له ما عشت بالبذل والخدمة ما استطعت
واجتنبن ضحكا ومزحا وصخب أمام شيخك إذا رمت الأدب
ولا تكن لديه ذا التفات وذا تحرك إلى الجهات
ولا تكثر الكلام عنده بل كن صموتا لتحوز رشده
ولا تصاحبه بلا تبجيل في زمن كدأب هذا الجيل
لا تجعلنه مثل صاحب حضر إلا الذي لا بد منه من ضرر
واستمع الذي عليك دلكا مبادرا ولو أبته نفسكا
وانظر إلى ما عنه قد نهاكا ومنه فر واجتنب هواكا
ولا تزل إليه ذاهتداء له بما استطعت من عطاء
ولو قليلا لامتثال ما ورد من انه تزيد حب من يود
وما رأيته له في أمر يميل كن لذاك ذا تحر
واجتهدن بعد في إيصاله فإن حسن الفعل في إكماله
ومكن لكل من به تعلقا أهلا عبيدا وسواهم مطلقا
محترما لعله لك يجود بنظرة بها تنال ما تريد
بنظرة يغنيك مولاك بها عن كثرة الكد فكن منتبها
فنظرة الحب من الشيخ إلى مريده هي المزايا والعلى
وكن لدى الشيخ كميت وضعا بين يدي غاسله تنتفعا
فهذا الانضباط والطاعة ضروريان في كل تنظيم سواء كان دينيا أو سياسيا أو عسكريا أو إداريا أو اجتماعيا ليهل تسيير أمور التنظيم كما ينبغي فالموظف الصغير يتبع أوامر الموظف الأعلى وهذا أيضا يعمل بتعاليم رئيسه في الإدارة وفي الجيش نجد هذا الانضباط صارما فالأوامر التي تصدر من القائد الأعلى يجب تنفيذها حرفيا بغض النظر عن المخاطر الناجمة عنها وفي التنظيمات السياسية نجد طاعة الرؤساء تكاد تكون عمياء بل كثيرا ما يتحول الزعماء السياسيون إلى آلهة يعبدون والأمر ليس كذالك في التنظيم الديني حيث ينبغي التأكد من أن الأوامر التي من الزعماء تتفق مع أوامر الله I وأنها تخدم مصالح الإسلام والمسلمين وخاصة المريد الذي ينفذ الأمر شخصيا وبعد هذا التأكد فعلى المريد أن يلتزم بأوامر شيخنا ولو خالفت رغبته أو ثقلت على نفسه فبهذا يستطيع الاستفادة منه.
وأما الهدية فتهدف إلى خلق محبة ومودة بين الشيخ والمريد وهذه المحبة القلبية والمودة الإسلامية لها أثر فعال في نفس الشيخ المرشد والمريد المسترشد وهي اعتراف بالجميل وعرفان لقاء ما يقوم به الشيخ تجاه المريد من التعليم والتربية والإفتاء والإرشاد وهي بالتالي ليست للكنز والتجميع لفائدة الشيخ الشخصية وإنما يردها الشيخ إلى المريدين المحتاجين والمحرومين الذين يتوافدون إليه كل وقت وساعة.
والهدية بهذه الصفة تطوع من المريد وتبرع يؤديه حسب قدرته المادية ووفق إرادته بدون إجبار ولا فرض أو تحديد من الشيخ وكان الشيخ الخديم t يمنع المريدين من أن يأتوا إليه بهدايا وعليهم ديون لم يفوا بها ناهيك عن التدين للإهداء.
وقد كلف أخاه إبراهيم t في رسالة إليه بأن يبلغ المريدين هذا الأمر الهام والعام وقال: { ثم إني آمرك بأن تعلم الناس أني نهيت من أن يأتيني أحد بشيء من المال وعليه دين لأني حاسبت نفسي ونويت أن لا أكون سببا لحساب أحد أو ضيقه فانتبه ونبه, والسلام}.
نعم إنه لم يكن أبدا سببا لحساب أحد أو لضيقه بل كان منقذا ومغيثا رفع الضيق عن الناس فقد حاسب نفسه بل عذبها ليستريح الناس ويهنأ لهم العيش وتطيب لهم الحياة هنا وتسعد آخرتهم إن التزموا بتعاليمه وساروا في طريقه دون تحريف لتلك أو انحراف عن هذا.
المتشيخ أو المدعي
في كل العصور ولا سيما في هذا العصر يوجد أناس يتصدرون للرئاسة دون أن يكونوا مؤهلين لهذا المنصب فيدعون الكمال وهم في أسفل السافلين يزعمون الولاية وهم من المغضوب عليهم فهناك شيوخ لا يميزون بين الفرائض والسنن وآخرون لا يعملون بالشريعة الإسلامية وإنما ينجرون وراء رغباتهم المريضة فيتفاضلون في اقتناء العمارات الشامخة والعربات الفاخرة والحسناوات الجميلات أو يجرون وراء الأمراء والسلاطين لاقتناص الأموال والجاه فهؤلاء جميعا ضالون مضلون لا يستحقون الطاعة ولا الإتباع ومع ذالك نراهم يتنازعون على امتلاك المريدين من أجل الحصول على هدايا ثمينة وهم لا يعرفون أن تعلق مريد بشيخ إنما هو مسئولية جسيمة يحملها الشيخ أمام الله I ورسوله r وخديمه t وهو أمانة ثقيلة يجب أداؤها بإخلاص وجدارة وإلا فالإباء عن حملها أسلم فهؤلاء الشيوخ أو المتشيخون هم الذين قال عنهم الشيخ الخديم t:
إذ بان جهرا أنما شيوخ هذا الزمان جلهم فخوخ
وبعضهم يركن للتصدر إلى رئاسة بلا تستر
ولم يميز بين فرض وسنن ويجذب الورى لموجب الفتن
ويدعي الكمال والولايه يدهى الورى بكثرة الروايه
وإن مدحت عنده شيخا سواه أغاظه لحسد وحب جاه
وحيثما تذكر بهجو غيره يفرح ولو درى الجميع خيره
ولا يسره سوى انفراد بالذكر والمدح لدى العباد
وحيثما يمل لغيره أبد مسترشدا يهج غرامه الحسد
تبا له فإنه لو قصدا صلاح أمره فقط مجردا
لسره حصوله حيث قصد ولا يبالي بارتحاله أبد
فكل شيخ هكذا فإنه من صائدي الحطام فاترك شأنه
وكل من رأيت يستعلوا العبيد من المشايخ فدعه يا مريد
فإن فضل الله ليس مختصر يعطيه من يشاؤه من البشر
وبعضهم يراه ذا تعمم متوج الرأس مع التلثم
تشبها بالرؤساء الصالحين من همهم رضي الجليل كل حين
ويذكر الله كثيرا بلسان وقلبه أدنس من كل جنان
ويظهر الزهد ولم يقصد به سوى اقتناص المال فلتنتبه
ويدعي بعض الشيوخ أنه لا يأكل الزرع ويخفي شأنه
تشبها بمن يجاهدونا نفوسهم والله يقصونا
وأنه لو جاع والنخاله خلية لرامها اترك حاله
وليس يدري أن أكل الزرع مع الملا مدح له في الشرع
وبعضهم تراه ذامتناع من نظر النسوان ذا قناع
تشبها بالعلماء الأورعين العاملين الخاشعين الأعدلين
وأنه لولا عيون الناس لرامهن بزني أو فاس
هؤلاء هم شيوخ هذا العصر يتسترون بأقنعة مختلفة ويتلونون بألوان متنوعة ويظهرون بمظاهر متباينة ولكن هدفهم واحد اقتناص المال واصطياد الجاه وتحقيق رغبات دنيئة وأهواء النفس وقد حذر الشيخ الخديم t المريدين منهم وقال:
ولا تكن مكتفيا لكل من رأيته يشبه شيخا في الزمن
وليس كل ما ترى مدورا كعكا وليس كل ضوء قمرا
كلا وليس كل ماء سلسبيل وليس شهد مثل صاب يا سبيل
وليس كل ما في الليل نائر نارا به اصطلاء من يسافر
وقد أنذر الشيخ الخديم t هؤلاء الشيوخ وغيرهم من المريدين من مغبة التمتع بنعم الله I وترك عبادته وقال:
فإن تكن آكل رزق الله وأنت في كل زمان لاه
ولم تتب لطلب الغفران مجتهدا فداخل النيران
لا تأكلن أبدا رزق الإله في كل حين ثم تعبد سواه
والانحراف عن جادة السبيل أمر خطير في الإسلام ينبغي معالجته بتقويم المنحرف بالنصح والإرشاد أو بالتأديب والعقاب ولكن انحراف الشيخ أخطر لأنه الأمر الذي لا يقتصر عليه وحده وإنما ينحرف معه أتباعه الذين يثقون فيه ثقة كاملة بحيث يعتقدون أن كل ما قاله حق وما عمله صواب بينما العكس هو الصحيح ولذالك قال الشيخ الخديم t عن مثل هذا الشيخ أنه ضال مضل لا يصل ولا يوصل.
المبايعة
إن المبايعة ليست بدعة في الإسلام بل هي ظهرت مع ظهور الإسلام كعملية مهيبة يتم عن طريقها إبرام عهد أبدي مع الرسول r في زمنه أو مع ممثلي السلطة الروحية والزعامة الإسلامية فيما بعد وهذا العهد يقطعه العبد على نفسه باتباع ما أتى به الرسول r والانتهاء عما نهى في العبادات والمعاملات وقد حث الله U على مبايعة الرسول r باعتبارها مبايعة لله I وقال { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }.
كلمة المبايعة
وكلمة المبايعة هي الإسلام أجمل كلمة يلفظ بها العبد وهو صادق في قوله مخلص في اعتقاده لمضمون الكلمة وقد كانت منذ الأزل كلمة العهد والتعاقد مع الله I قبل الإسلام وبعده فقد قال جل وعلا مخاطبا أبانا إبراهيم  الذي سمانا مسلمين { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }.
وهذا القول يجب أن يتبعه عمل صالح يصدقه وهو الإحسان في قوله تعالى: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }.
وإشهار الشهادة والمبايعة المعلنة أمر ضروري ليحكم الناس المبايع على ظاهره فهم لا قدرة لهم على معرفة خفايا القلب ولكي يحمل ذالك المسلم على احترام عهده الذي قطعه على نفسه في حضور إخوانه المسلمين وقال I: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } وحينما جاء أمر المبايعة فمحمد r نفسه هو الذي بادر أولا بالبيعة والإسلام لله I وقال: { وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }.
المبايعة عند المريدين
وفي الطريقة المريدية يستعمل المريد الذي يريد أن يسلك في الطريقة لأول مرة أو يرغب في تجديد سلوكه نفس الصيغة لفظا ومعنى وهي إسلام النفس إلى الله I والتعاهد أمام الشيخ الخديم t أو ممثل له بالأخذ بما أتى به الرسول والانتهاء عما نهى وبالعمل بتعاليم الشيخ الخديم t, وكان الشيخ الخديم بدوره أول المسلمين في الطريقة إذ قال:
أسلمت نفسي لرب لا معين له مع الذي دينه الإسلام منذ سما
أسلمت لله نفسي بالنبي سندي عبدا خديما بلا وقف ولا فند
أسلمت نفسي لرب لا شريك له مع الذي قفوه شغلي وحاجاتي
العمل
العمل ركن أساسي في المريدية لكونه وسيلة للعيس الكريم والكسب الشريف وللعبادة النزهة والإنفاق في سبيل الله U وكان الشيخ الخديم t يربي المريدين علي حب العمل والكدح وكان في المجتمع المريدي في زمنه المزارع والتاجر والنجار والبناء والإسكافي والحداد وغيرهم من أصحاب المهن والحرف اليدوية فكان مجتمعا متكاملا لا يعرف الحدود بين العبادة والعمل الذي يكون عبادة إذا قصد به وجه الله I وصرف نتاجه في سبيل الله وفي ضروريات الإنسان التي تساعده علي القيام بواجبات العبادة.
وقد شجب الشيخ الخديم t البطالة وتضييع الوقت الذي من أعز ممتلكات المرء و ينبغي إمضاءه فيما ينفع دينا أو دنيا وقال:
أما البطالة وتضييع العمر بغير ما يغني فداءه يضر
واعلم بأن وقت شخص من أعز أشيائه فأشغلنه بالأعز
فمن البطالة والفراغ تنشأ الأمراض الاجتماعية مثل السرقة والغش والابتزاز وكثير من الجرائم التي سببها الرغبة في العيش بلا عمل ولا كد والعمل في الإسلام فريضة علي كل مسلم ومسلمة وهو أيضا ضرورة إنسانية به يتحقق وجود الإنسان كخليفة لله في الأرض وقد أوصي عليه الشيخ الخد يم t وقال:
واعمل لذي الدنيا بما تكون تمكث فيها أيها ا لفطين
واعمل للأخرى قدر ما تبقي غدا فيها ومن خالف ذا لاقي ردى
وقد أوضح الشيخ الخد يم t أن الكسب لا ينافي التوكل وأن ترك العمل والتواكل بدعوي التوكل علي الله I مع الالتفات إلي ما في يد الناس من أرزاق والتسول منها فعل أحمق جاهل سيء الفهم فالتوكل بمعناه الحقيقي هو أن يعرف العبد أن ربه هو الرزاق وما علي العبد إلا ا لكسب والأخذ بالأسباب واثقا بأن الأرزاق بيد الله I وأنه خالق الأسباب إن شاء أعطاه وإن شاء حرمه ولكنه يجب عليه أن يعمل ويتسبب وفي هذا يقول الشيخ الخد يم t:
فترك كسب لادعاء التوكل مع التفا ت فعل غمر إن جلي
واعلم بأن الكسب لا ينافي توكلا لا تك ذا إتلاف
حسبك من توكل ألا ترى مجري رزقك سوي رب الورى
والأفضل الجمع لهذين معا وإن أتي فيه خلاف سمعا
فظاهرا تكسب امتثالا وباطنا استسلم اتكالا
فإنه مسبب الأسباب فثق به الدهر وقف بالباب
وقد شهدت الوقائع العملية التي تجري منذ إنشاء هذه الطريقة العملاقة أنها طريقة للعمل والإنتاج والحركة والنشاط والإبداع, طريقة للإنشاء والتعمير, والتوصيات التي تصدر دائما من خلفاء الشيخ الخد يم t الراشدين وأبنائه النجباء وكبار مريديه المخلصين ــ كل هذه التوصيات تؤكد أن المريدية طريقة للعبادة والعمل وهي بذالك تؤكد أصالتها الإسلامية والتزامها بتعاليم القرءان والسنة.
الآداب
الآداب عند المريدين تعني الأخلاق الكريمة والسلوك السوي والسيرة الحسنة والمعاملة الإنسانية للفرد في ذاته وللفرد في المجتمع وقد اعتنى الشيخ الخديم t بإصلاح الخلق وتهذيب السلوك وتطهير القلب وتنزيه الضمير ليكون المريد عضوا صالحا في المجتمع وليصبح المجتمع متحاببا متعاونا يتشاطر أفراده الفرح والترح ويعمل الجميع لإسعاد الكل ويخلوا من التحاسد والتباغض والتنازع ويتعافى من الرذائل والعيوب وتسود فيه قيم البر والتقوى والتراحم والاحترام المتبادل وتربط بين أعضائه علاقات المحبة والإخاء ويوحدهم صلات الإيمان وقرابة الإرادة لله U.
التوصية على الآداب
أوصيك بالآداب في الأقوال وجملة الأفعال والأحوال
وأيضا:
تأدبوا في علن وسر مع العلي وخلقه بالبر
وقال الشيخ الخديم t أيضا { إن الدنيا لم يكن فيها إلا اثنان الأدب والبركة وقدم الأدب من البركة لأن البركة لا تجيء إلا من الأدب }.
معنى الآداب
وقد عرف الشيخ الخديم الأدب وقال:
فعلك ما نظرت باستحسان وترك ما نظرت باستهجان
الأدب هو كل ما يستحسنه العقل السليم والضمير القي ويخالف الأدب كل ما يستهجنه هذا العقل وهذا الضمير, وقد أجمل لنا الشيخ أمهات الآداب في هذه الأبيات:
وجملة الآداب عند القوم انحصرت في خمسة يا قوم
حفظ لحرمة علو همة وحسن خدمة وشكر نعمة
خامسها النفوذ للعزيمه فمن يراعيها ينل غنيمه
وقال أيضا في تعريف الأدب:
طريقة الأدب رحمة الصغير كالأب والأم وتوقير الكبير
وجعل مثلك كنفسك سوآ لوجه خالق على العرش استوآ
وقال أيضا:
الأدب الأدب ثم الأدبا وهو أن تبر أما وأبا
والعم والعمة والأخ الكبير والشيخ إن الشيخ بالبر جدير
وكل من سما عليك تكرمه وكل من صغر عنك ترحمه
مكانة الأدب
اعلم حبانا الله في الدارين بفضله سبحانه النورين
بأن خير ما به ازدان الفتى تلازم الأدب حيثما أتى
لأنه به إلى الرحمان يصل عبد وإلى الجنان
فكل من بغيره رام الوصول لحضرة الله فغمر لا نبيل
ونطقوا بأنه كاد يكون ثلثي الدين ففضله مبين
وقال أيضا في شأن الأدب:
وصح أن الأولياء الواصلين ما وصلوا إلى إله العاملين
بكثرة الأعمال كالصلاة وحج بيت الله والزكاة
بل وصلوا إليه بالرعايه لجملة الآداب بالعنايه
وبالمراعاة لها سادوا الورى لا بإدامة الجدال والمرآ
وقال أيضا:
هذا وإني اليوم ذو إجابه بعض المريدين ذوي الإنابه
قد طلبوا نظما حوى تأدبا ليتأدبوا وذاك وجبا
إذ كل من بغيره رام ا تبا ع فإنه يحرم فوزا و ا تباع
وهو في الدارين خير كنز وخير ما اعتز به ذ وعز
لأنه منور الجنان كما يقرب إلي الجنان
ويوجب ا لمدح لدي الجيران كما يبعد عن النيران
ويقول أيضا في فضائل الأدب: ( البركة إذا دخلت في شيء قليل كثرته وأكثرته وإذا نزعت من كثير قللته وأقلته والأدب إذا دخل في قبيح حسنه وأحسنه وإذا نزع من جميل قبحه وأقبحه والبركة بيت والأدب بابها ولاتصل لما في البيت إلي من الباب قال تعالي: {واتوا البيوت من أبوابها}.
هذه مكانة الأدب وفضائلها وهو مبدأ أساسي من مبادئ المريدية فكل مريد صادق يجب أن يراعي الآداب الحسنة التي نتحدث عنها فيما يلي.
وهو قسمان أدب ظاهر وأدب باطن:
وهو قسمان لدى الديماني أدب ظاهر مع الإنسان
وأدب الباطن مع رب ا لوري ويتبع الباطن ما قد ظهرا
الأدب الظاهر
ومن الآداب ما يختص بالفرد نفسه وما يتعلق بعلاقته بالآخرين وتعامله مع الناس والأول يهد ف إلي تطهير الإنسان من العيوب والرذائل وتنقية قلبه من الأحقاد والعداوات وتحليته بالخصال الحميدة وتعويده علي التصرفات المشكورة والممارسات الخيرة وفي هذا يقول الشيخ t:
فعد من ظاهره حسن الخلق ومثله الحياء فاستحي تفق
وهكذا تيامن وتسميه أي في محل لكليهما ادريه
وأدب الأكل ومثله السواك مؤكدا عند صلاتك فهاك
كذا المصافحة والتلاوه إفشاؤك السلام والسخاوه
وقال أيضا:
ومن تأدبك أن لا تنظرا حقا لنفسك على شخص ترى
وأن ترى أنك لست مستحق شيئا من التعظيم فيمن قد يمق
بل اعتبر من نفسك الآدابا ولا تطالبن به الأصحابا
وكن مع الناس جميعا دهركا كما تحب أن يكونوا معكا
ولا تكن مكثر التفات من غير حاجة إلى الجهات
ولا تكثر حيث كنت اللهوا والضحك مع تحرك واللغوا
والاضطراب والتطاول إلى تطلع على خفي مسجلا
فإنه علامة الطيش بدا وخفة العقل لمن تعودا
وكن لدى المجلس ساكن الجسد ولازم الصمت بإعراض تفد
واصبر على السب ولا تجب أحد وكن كما قال الأديب ولقد
إذ التسابب مع التكاذب من أقبح الخصال كالتضارب
وكثرة الضحك تميت قلبا فقللن الضحك ترض الربا
وإن من المجلس حاولت قيام فقم على لباقة وقت القيام
ولا تكن من ثم ذاري التراب على وجوههم لخلف الصواب
وإن قدرت لا تكن ذا نوم بين ذوي يقظة في القوم
فإنه ليس من الآداب إذ فيه ما فيه من العتاب
وامش لأجل حاجة دون اختيال فالاختيال جالب إلى نكال
لا تضحكن الدهر من غير عجب ولا تمل للمشي من غير أرب
ولا تكن ملتفتا بلا طلب فكل ذي حماقة نافت أدب
وعن سراويلك لا تكشف أبد فإنه من ترك آداب يعد
وهو يرى من شيم الأشرار فساق حسان ذوي الإدبار
واحذر من الكشف عن البطن كذا ما بين سرة وركبة لذا
فإنه للحمق والجهل سمه وقلة المروءة المعظمه
إذ هي أخت الدين حيث فقدت لا يوجد الدين كما عنهم ثبت
هذه الآداب الرقيقة وهذه الأخلاق السامية ترمي إلى خلق إنسان متحضر واع بمسئوليته تجاه نفسه والآخرين وبواجبه نحو جسده وروحه إنسان صالح سليم التصرف كريم المعاملة نزيه الممارسة فهي تعلمنا كيف نأكل ونتناول الأشياء ونستخدم الأدوات بصورة صحيحة وكيف نكتسب ثقة الغير ونفرض عليه احترامنا وهي تعلمنا معاني الرصانة والحصافة والتعقل كما تعلمنا النظافة في روحنا وجسدنا وفي ثيابنا واللباقة في تصرفاته.
إن هذه الآداب التي ترمي إلى إيجاد شخصية نبيلة كريمة جديرة أن تدرس في مدارسنا وتلقن أبناءنا الصغار وقبل كل شيء خليقة بأن تطبع حياتنا اليومية وتهدي سيرتنا الذاتية فهي التي جعلت من أصحاب الشيخ الخديم t عظماء بكل المقاييس أناسا في الخلق وملائكة في الخلق فقد بلغوا بها الكمال الإنساني في أعلى صوره.
و لننتقل إلي الجانب الآخر من لأدب الظاهر وهو ما يتعلق بالتعامل مع الآخرين وفي هذا يقول الشيخ الخد يم t:
ولا تقل لأحد كذبتا أو قلت غير الحق أو أخطأتا
أو غيرها من كل شئ يسخط ولو صبيا كان فهو غلط
وإن تكلم بما لم تعلم ففيه صدقه تكن ذا كرم
فقل له لست كذا أو كنت معتقدا أو إنني جهلت
ونحو هذا من عبارات تسر مستحسنات لا تسيء ولا تضر
وسلمن علي الذي قد متا عليه إن تأدبا طلبتا
وإن يكن منه ابتدآ السلام فرده عليه بالكلام
وحيثما صافحته فمكن يمناك من يمناه بالمستحسن
ولاتكن نازعها حتى يكون هو الذي بدا بنزع قد يبين
إذ كرهوا اختطاف الأيدي في السلام بسرعة ومثله ترك الكلام
ثم المصافحة باليدين من جملة الآداب مثل ذ ين
وادع له عنك بخير يا لبيب فإنه مما يكفر الذنوب
وإن ترد دخول بيت الغير فأهله ا ستأذن تفز بخير
فإن هم قد أ ذ نوا في ذا ك فادخل وإلا فارجعن هنا ك
ولا تجل في بيت غيرك البصر خوف ا إطلاع عورت فيه ستر
ولا تصاحب إن أردت صحبه ذا سفه أ وحسد أ ورغبه
ولا تجالس غير من تزاد دينا وعقلا أبدا تنل مراد
فأخبروا بأنها المرء علي دين خليله حديثا نقلا
ولاتكن ملتمسا للعثرات ولا تباحث أبدا عن عورات
واعلم بأن خلف وعد وكذب من آفة الحديث عنهما اجتنب
فأي صيانة لحقوق الإنسان أحسن من هذه لا تلتمس العثرات من أخيك ولا تبحث عن عوراته ولا تدخل بيت أجنبي إلا بعد الاستئذان والإذن وإن د خلت لا تجل نظرك في البيت لكي لا تري ما يريد صاحب البيت أن يخفيه, ولا تنكر قول أحد احتراما للرأي الآخر وإن لم يتفق مع رأيك فهذه هي حرية التعبير التي ينبغي أن تتوفر للطرف الآخر حتى ولو كان أقل سنا أو أضعف قوة فأي مجتمع تسود فيه هذه الأخلاقيات العظيمة لابد أن يكون مجتمع سلم وأمن وتسامح وتصالح, مجتمعا متمدنا راقيا في سلم الحضارة فلنواصل الاستماع إلي الشيخ الخديم t يعلمنا مزيدا من آداب التعامل مع الناس:
وهكذا عيادة المريض وردك السلام خذ قريضي
وحمد عاطس وتشميت يرد وشد فم لتثاوب بيد
وهكذا الفطرة واستئذان قبل دخول أيها الإخوان
ومنه عفو المرء عمن ظلما ومثله إعطاءه من حرما
وصلة لكل شخص قطعا والبر أيضا فانتبه واتبعا
ويجبان يا أخي في الرحم ووالد ولو لشرك ينتمي
ومنه تربيتك الأولادا لكي ينالوا بعدها الرشادا
العفو عن الظالم وإعطاء المحروم ووصل القاطع وصلة الرحم والبر بالوالدين وتربية الأطفال تربية رشيدة آداب تغرس المحبة والتعاون والتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد وبين الشعوب والقبائل المتفارقة هذه هي تعاليم الشيخ الخديم t وفيما يلي نفصل بعض التفصيل هذه الآداب.
رحمة الصغير وتوقير الكبير:
قلت ومنه اللطف بالصغير ومثله التبجيل للكبير
وجعل مثلك كنفسك استوآ وغير ذي مما استقامة حوى
فارحم صغيرا لا تكن مدخرا عنه ليا د ا من نصيحة تري
فيها له رشدا ووقر الكبير ولو رأيته ضعيفا وحقير
إن واجبنا نحو الأطفال والشبان هو أن نربيهم تربية صالحة تساعدهم في إسعاد دنيا هم وأخراهم وذالك بتعليمهم واجباتهم الشرعية وحق إخوانهم عليهم وحق المجتمع الذي يعيشون فيه وكذالك تعليمهم مهنا تمكن من كسب العيش بصورة كريمة ويجب أيضا أن نعرفهم بواجباتهم نحونا كإخوة كبار وآباء ومعلمين وشيوخ فينبغي علي الصغيرة أن يحترم الكبير و لوكا ن حقيرا أو ضعيفا ورد الجميل إليهم وفي هذا يقول ا لشيخ الخديم t:
ولا يكون من يكون أكبرا منك بلا ضرورة كما ترى
مثل تعلم وسكنى أو معاش ولا تجالس معه فوق الفراش
فحيثما جالسته فبوقار جالسه ذا سكينة مع احتقار
وبرصانة ولا تجلس ملا صقا له أو عند وجهه ولا
تمد نحوه أخي رجلكا إن تجلسا وغض عنه طرفكا
وإن تجالس من يكون أعظما منك فلا تضحك عدا تبسما
وفي الكلام معه لا تكن ذ مسترسلا فإنه لم يحسن
كن ساكتا حتى يحاول كلام منك فخاطبه إذا قدر المرام
فإنه الأدب فاستعمل به في حقه حينئذ وانتبه
وإن جفاك فاحتمل جفوته وإن هفا فلتسترن هفوته
ولا تزل معتذرا إليه ولا تكن ذا غضب عليه
ولا تواجهنه بالنظر في كل وقت رامقا بالبصر
وإن سمعت من يكون أكبرا منك يحاول زمانا وطرا
كأن يروم مرسلا لحاجة فاقض له لله تلك الحاجة
ولا يرم منك ليادا أرم إلا فعلته بذاك تكرم
بر الوالدين
وبر والديك وارفق بهما وكن مبادرا إلى أمرهما
وانته عن جملة ما قد نهياك عنه لربك فيزداد علاك
تبجيل الشيخ
وقد سبق أن فصلنا القول في كيفية طاعة الشيخ واحترامه وهنا نشير فقط إلى بعض الآداب التي ينبغي أن يتبعها مع شيخه, مما قاله الشيخ الخديم t في هذا الخصوص ( من آداب المريد سرعة الإجابة بعد سمعه دعوة الشيخ وحسن امتثال الأوامر بعد خروج الإذن من الشيخ مع حسن الظن به بلا حرون ولا نفاق { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } { سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ }.
زيارة العلماء
وزر خيار العلمآ والصالحين واخدمهم لله جل كل حين
واطلب دعاءهم ومنهم أبدا كن ذا تبرك فتزداد الهدى
فإنما إجلال عالم عمل إجلال رب العرش فيما قد نقل
فالمريدية تحث على زيارة العلماء والأولياء وكل الصالحين وخدمتهم والتبرك بهم وإجلالهم سواء كانوا مريدين أو غير مريدين فتوثيق العلاقات الأخوية بين المسلمين يجب أن يكون عاما وعلى الأخص بين العلماء أنفسهم وبينهم وبين عامة الناس الذين يستفيدون من علمهم ويقتدون من عملهم الصالح.
احترام الجميع وحبهم
وكل من يكون منك أكبرا من الأقارب فكن موقرا
وغيرهم وكن مع الناس جميع بالخلق الحسن يحببك البديع
وحسن الخلق بالترحب وبالتودد إليهم تحبب
ولين القول لكل الناس فإنه من شيم الأكياس

حب جميع المؤمنين ناويا خيرا لهم تكن لخير حاويا

تحاببوا في الله ذي الجلال بلا تنازع ولا إضلال
إن التحابب هو الإيمان لأهله السرور والأمان
أما التحاسد فللشقاوه يقود أهله بلا حلاوه
ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وفي الذي ينمي الهدى تعاضدوا
ولا تنازعوا فإن الدنيا طالبها ليس يرم سعيا

وحيثما صاحبت قوما في سفر فكن معينهم على كل وطر
واخدمهم وارع رواحلهم وحاضن امتعتهم بعدهم
وانصر جميعهم بما استطعتا ولهم اعتذر إذا غفلتا
وأكرم الأضياف بالترحيب وبالقرى والبشر والتقريب
لا تستضق للضيف منك الكلكل فإنه عما قريب يرحل
هذا هو الأدب مع الإنسان أو الأدب الظاهر الذي عن طريقه يصلح المجتمع ويستقيم ويستتب الأمن والسلم ويسود فيه الحب والتعاون وتبادل الاحترام والمعونة وهو ضروري للفرد وللمجتمع للصغير وللكبير للعالم والعامل والشيخ والمريد فما أبلغ كلام الشيخ الخديم t في هذا الصدد: { واعلم أن الأدب زينة العالم والمتعلم وحلية العاقل والمتحلم وهو رأس الأخلاق ومن خلا منه فقد تعطل وتبطل وصار بغيضا إلى الخلق والخالق كلما رآه أحد مقته وأبغضه وكلما جالس أحدا مله وسئمه}.
الأدب الباطن أو الأدب مع الله
أما الأدب الباطن فقد أجمل فيه الشيخ الخديم t القول وأفصح إذ قال: { أما الأدب بينك وبين ربك فأن تمثل أمره وتجتنب نهيه وتشكر نعمته وتصبر على بلائه وعن معصيته }.
وإساءة الأدب مع الله I بعدم إطاعة أمره أو فعل ما نهى عنه أو جحود نعمته على العالمين أو عدم الصبر على بلائه وعن معصيته توجب الحجاب عن رحمته والطرد من باب مغفرته كما قال الشيخ الخديم t:
أما الذي بطن منه فمتى أسأته تطرد وتحجب يا فتى
والطرد عن باب الإله والحجاب أشد من كل غرام وعذاب
الشيخ الخديم بين أحبائه وأعدائه
المقصود من هذا الفصل هو إبراز شيئين : الأول الشعور الإنساني الراقي المرهف الصادر من قلب رقيق كبير للشيخ الخديم, والثاني : التفكير السامي الشمولي للشيخ ذالك التفكير الذي جاوز محيط الأسرة وإطار المجتمع ممتدا إلى عامة العالم الإسلامي المترامي الأطراف بل إلى الأمم والشعوب الإنسانية في كل مكان بغض النظر عن اللون أو اللغة أو العقيدة.
وقبل كل شيء ينبغي القول بأن الشيخ الخديم t يعتبر جميع المسلمين أحبائه يحب لهم ما يحب لنفسه ولمريديه المخلصين يدعوا للجميع بالخير ويرشدهم إلى الصراط المستقيم كما يعد الكافرين والمشركين والمنافقين أعداء الله U والرسول r أعداءه فهو يحب ويبغض في الله I ومع ذالك يمكن القول بحق أن قلبه النقي التقي لم يعرف الكراهية أو الحقد فقد كان يتمنى الهداية للنصارى وينصحهم إلى الإنابة واعتناق الإسلام والإيمان بالله الواحد وبخاتم النبيئين وأفضلهم r, ومع قسوة النصارى المستعمرين في معاملته كان يصرح دائما بأنه عفا عنهم وأنه لم يدع عليهم قط بالهلاك ونقرأ معا هذه الرسالة المفتوحة التي كتبها الشيخ الخديم t:
{ تنبيه: ليعلم كل من وقف على هذا الرسم أن كاتب هذه الورقة عفا عن كل من ظلمه وأنه لا يدعوا على ظالم وأنه يدعوا لكل مؤمن تعلق به وأنه يحب لكل مؤمن لم يتعلق بهما يحب لمن تعلقوا به }.
هذا القلب الصافي العطوف وهذا الضمير النابض بالحياة لا يعرف صاحبهما العداء لأحد بل يعفو ويصفح عن ظالميه ويحب الخير للجميع ويتمنى السعادة لعامة المسلمين هذه هي الإنسانية في أرقى معانيها وأعلى مراتبها وأكمل صفاتها.
الشيخ الخديم وأحباؤه
وعندك اجعلني حبيب المؤمنين والمسلمين وحبيب المحسنين
لقد أدرك الشيخ الخديم بوعي عميق أو بوحي قدسي مسئوليته الجسيمة كمجدد للشريعة الإسلامية والسنة النبوية فنذر نفسه عابدا لله I خادما للرسول r قائدا للمسلمين وأفنى كل حياته في خدمة الإسلام هداية للضالين وإصلاحا للفاسقين وتعليما للجاهلين وإغناء للمحرومين ماديا أو روحيا وبالمقابل تجاوب معه كل الأناس الذين كانوا يبحثون عن الخلاص والنجاة إذ وجدوا فيه ضالتهم المنشودة فسلموا له أزمتهم وتفانوا في حبه وتنفيذ أوامره وذاع صيته وطبقت شهرته الآفاق وتوافد عليه الناس من جميع الجهات وفي هذا يقول:
وهبتني في الأرض والسماء جبا وتأمينا مع النماء
وودني الصغار والكبار بكونك الجميل يا جبار
أنت الذي حببتني إلى الورى حتى يظنوني ندبا وزرا
وكان يتوسل إلى الله U ليجعل منه منارة شامخة تهدي السائرين إلى الله I ووزرا يحق الحق ويزهق الباطل ويحقق للمظلومين والمستضعفين وغوثا وغيثا لليتامى والثكالى والفقراء ومنجى وملجأ لكل المتضررين والمحتاجين وقد كان له ما أراد, وفي هذا يقول:
هديتني فاهد بي العيالا يا من نفى الأمير والأقيالا
ولي هب عدالة والطف بيا ولجميع المسلمين ربيا
وأن أكون البشر لليتامى والفقراء الدهر والأياما
ولتبشر بي اليتامى دواما أنسهم بي آباءهم كل حين
ولتبشر ذوي العلوم بعلمي وذوي الجهل ولترض بي حيني
ولتبشر ذوي التعلم طرا وبي انفع جميعهم من لحون
وبي انفع دنيا وأخرى عيالي منقذ كل سائل ومدين
عن والديه قال
كانت معاملته لوالديه الكريمين حسنة يلين لهما الجانب ويلبي طلباتهما ويحسن إليهما وبعد وفاتهما كان يديم لهما الدعوة بالمغفرة والرحمة وبالنجاة من الحساب والعذاب وبالفوز والسعادة الأبدية.
ويجب على الشباب المريد أن يحذوا حذو الشيخ الخديم t فيطيعوا آباءهم وأولياء أمورهم إن كانوا أحياء وأن يكونوا أوفياء لهم بعد موتهم يحققون أمانيهم الخيرة ويدبرون شئونهم خير تدبير مع المواظبة على الدعاء لهم وهذا ما وصانا به الشيخ الخديم وهذا ما فعل ولنا فيه أسوة حسنة.
البر بهما
واجعل بروري والدي واصلا إليهما خير برور حاصلا
وأيضا
واجعل جميع ما جعلته البرور لوالدي خير سعي وسرور
الاستغفار لهما
واغفر لوالدي ولترحمهما لوجهك الكريم ولتكرمهما
يا من حباني بالمنى فلتعف عن أبي وأمي بالذي التقديم عن
أنت الغفور لي اغفرن ولهما ولذوي الإسلام ولترحمهما
ارحمهما رب كما قد ربيا ني صغيرا بإمام الأنبيآ
ارحمهما في القبر والقيام والنشر والحشر وزد قيامي
نجاتهما من العذاب
نجهما من العذاب والحساب بالمصطفى ومن إليه ذو انتساب
نجهما يا قابل المتاب في القبر والقيام من عتاب
سلمهما معا من الأوجال في النشر والحشر ومن أخجال
فوزهما بالجنة
لك توجهت أروم منك فوزهما وقد رضيت عنك
اكتب لكل منهما السعاده دائمة يا من له الإعاده
وجه لوالدي خير مغفره وخير إسعاد وخير تبشره
وعن المريدين قال
كان الشيخ الخديم t يقدر مسئوليته المباشرة إزاء المريدين المتعلقين به وكانت هدايتهم وإنقاذهم من ويلات الدنيا والآخرة يحتلان جانبا كبيرا من اهتماماته اليومية فكان لهم في أفعاله قدوة وفي أقواله مرشدا وفي كتاباته معلما وفي مناجاته مستغيثا بالله ومستنجدا للمريدين, وإليك أمثلة قليلة من كثير لا حصر له.
هدايتهم
هب لي وللذين قد تعلقوا بي هدى به لخير نطلق
عصمتهم من الشيطان ومن كل المفاسد
نجيت من بي تعلقوا معا من الشياطين فشكري اسمعا
احفظ جميع من تعلقوا بيا من كل ما يفسد شأنا ربيا
إلى غيرنا تنحوا المفاسد كلها وتنحوا لنا الخيرات من غير منجد
وجه ربي لغير من بي تعلقوا أذى يلاقي الأغبيآ
إصلاح أمورهم الدنيوية والدينية
أصلح أموري وأمور صحبي ثم أمور المسلمين ربي
بنا اسلكن ربي أنفع الطريق وكن لنا الرفيق يا خير الرفيق
نفعهم دنيا وأخرى النافع بما به تأتيهم المنافع
يا رب اجعل المريدين معا في حصنك الحصين والشمل اجمعا
ملك نفوسهم جميعهم بلا شيء يضر والمساعي اقبلا
اغفر لكل من إلي مالا وعن يديه لا تزحزح مالا
إنجاؤهم من النار
لكل من بي تعلق نجاه من كدر الدنيا وفي يوم النجاه
نجاهم الباقي من النيران دنيا وأخرى ومن الخسران
إسعادهم في الآخرة
أكرمهم ربي بأنهم معا ينجون من نقم باق قمعا
وجه ربي لهم بلا انتهآ بعد الممات كل خير يشتهى
كل مريد بي يلوذ يسعد وإنه من الأذى مبعد
وعن المسلمين قال
المسلمون في كل مكان وزمان هم أحباب الشيخ الخديم t وإخوانه في الله U وقد جعل مهمته الأولى والأخيرة طوال حياته إنقاذ المسلمين من براثن الجهالة والضلال وانتشالهم من درك العصيان الهالك إلى نور العلم والهدى وإلى الخلاص الأبدي في كنف الله I وقد كانت تحركاته في كل شيء تأتي بوحي من روح الإسلام المنفتحة التي لا تعرف حدود الطوائف المصطنعة وموانع الطرق والحواجز الإقليمية المبتدعة ولم يكن يعتبر المريدية طريقة فقط من بين طرق أخرى في الإسلام وإنما كان يعتبرها الإسلام بأسره مطهرا من كل الشوائب ولهذا عرف المريدين بأنهم المؤمنون المسلمون المحسنون من لدن محمد r إلى يومنا هذا وهو الذي قال:
من آمنوا وأسلموا وأحسنوا أحبتي في خير رب يحسن
وكان الشيخ الخديم t متيقنا بأن المحبة الصادقة المتبادلة بين المسلمين هي التي تجعل منهم مسلمين حقيقيين ومؤمنين صادقين ومحسنين مخلصين وكان دائم التوجه إلى الله I ليثبت في قلوب المسلمين المحبة وفي هذا يقول:
واجعل قلوبنا على التوادد بلا تنازع ولا تحاسد
ولا تخاصم ولا تدابر ولا تباغض ولا تنافر
حتى نصير مسلمين خاشعين ومؤمنين مخلصين صالحين
وأغرنا بحب كل مسلم ونجنا من شر كل مجرم
واجعل جميع المسلمين طرا لنا أخلاء فنكفى ضرا
وهب لنا مكارم الأخلاق مع التحابب بلا شقاق
وأغرنا بحبهم لوجهكا وأغرهم بحبنا فنسلكا
هدايتهم:
وقد كان في الليل وفي النهار يتضرع إلى العلي القدير ليهدي المسلمين ويوفقهم لما فيه مرضاته ومما قاله في هذا الخصوص:
واجعل جميع المؤمنين في الهدى والمؤمنات ثم عافهم غدا
واجعل لهم فينا هدى وخيرا وكفهم عنا أذى وخيرا
واشغل عبادك بفعل الأمر لا باقتحام النهي يا ذا الأمر


الاستغفار لهم
كان الشيخ الخديم t يدرك الضعف المتأصل في الإنسان وقوة الأعداء المحيطين به من نفس وهوى ومن الشيطان والدنيا فكان يستغفر لهم من ربهم الغفور الرحيم Y ويستشفع الله I بالرسول r للمسلمين فنجده يقول:
ولتغنهم بك عن المعاصي ولتكفهم ضرر كل عاص
ونجهم وعافهم والطف بهم ولا تاخذهم بكثر ذنبهم
فإنهم وإن عصوك يا أحد لغفلة لم يشركوا بك أحد
وإنهم أبدانهم لا تقدر على بلائك لضعف يظهر
قلوبهم ليست تميل أبدا إلى سواك من هنا ثم غدا
لكنما تلصص الجوارح أفضاهم لأقبح القبائح
فلا تواخذهم بما لا ينقصك ولهم هب الذي لا ينفعك
وقال أيضا:
للمسلمين ولكل المسلمات والمسلمات اغفر بغير نقمات
نصرتهم على الأعداء
كان الشيخ الخديم t حريصا على عزة الإسلام ونصرة المسلمين على أعدائهم المعروفين والمتسترين وعلى مؤامراتهم الخبيثة التي تهدف إلى إضعاف قوة المسلمين بتفريق كلمتهم وتخريب وحدتهم ليصبحوا تابعين لهم يتطفلون على موائدهم ويستجدون لهم العطاء وفي هذا يقول:
أعن ذوي الإسلام عن ركون إلى عداك وعن السكون
وقال أيضا:
أنت ولي المؤمنين فانصري للمؤمنين كلهم في العصر
أوصل لأمة النبي أحمدا مصليا عليه فيمن حمدا
نصرا عزيزا يشمل الكبارا مع الصغار رض لهم من بارى
قد لهم النصر العزيز عاجلا وبشرنهم عاجلا وآجلا
إصلاح أمورهم الدينية والدنيوية
كان الشيخ الخديم t خادم المسلمين وحامي حماهم كان اهتمامه يشمل كل مسلم ومسلمة صغيرا أو كبيرا غنيا أو فقيرا عالما أو متعلما صالحا أو طالحا كان في اهتمامه المرضى والجوعى والفقراء وكان يفكر في العابدين والعاملين في الأقارب والأجانب وكان يعمل لصلاح أمرهم في الدنيا والآخرة فلنتأمل معا هذه الطائفة من الأبيات التي اقتطفناها من قصائده وهي مجرد أمثلة محدودة:
حط أمة المصطفى عما يجر لهم سوى العبادات واعصمهم من الشرر
واصرف لغيرهم الشيطان في أبد ولتفهم كل ما يسطوا من البشر
ولتصرف الداء عن مرضى الجميع به واصرف لهم موجبات الأمن والبشر
واجعل قلوب ذوي الإسلام في أمن ولتفهم كل ما يفضي إلى الضرر
وأيضا:
حط أمة المصفى عن كل مفسدة ولترحم الخلق يا من جدهم بدئا
يا مالك الملك يا من جل عن قود ارحم جميع الورى يا هادئا ردئا
أيضا:
واشف جميع المسلمين عاجلا ثم قهم خوفا وحزنا آجلا
أذهب لغير المسلمين كل من ليس يكون مسلما كل زمن
نفعتهم بأنفع الإيمان فلتنفع الجميع بالأمان
حفظتهم به وبالإسلام فلتحفظ الكل عن الملام
أوصل لكل مسلم ومسلمه ما لسوى الكل يكف الظلمه
لكل مؤمن وكل مؤمنه أوصل بشارات لصفو مدمنه
مد لكل محسن ومحسنه أعلى بشارات ترى مستحسنه
حفيظ صن أمة خير مرسل عن الذين كفروا بالرسل
وارحم جميع الأوليآ والأمه ولتكشف الذي اعترى من غمه
واجعل جميع المسلمين في ارتقآ والمسلمات بازدياتهم تقى
واجعل جميع العلماء عاملين واجعل جميع العاملين مخلصين
واجعل جميع المخلصين زاهدين واجعل جميع الزاهدين ناصحين
واجعل جميع الناصحين صادقين واجعل جميع الصادقين فائزين
وانصر ذوي العلم على التعليم يا خير هاد نافع عليم
ويسر العلم لمن أرادوا تعلما يا من له المراد
ولتخرق العدة في هذا الدعآ يا خير مغن قد دعاه من دعا
واصرف قلوب العلمآ والطلبه لما ييسر الهدى والمطلبه
هذا الزعيم العظيم كان يعمل من أجل مصلحة المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها وكان يعتبر المسلمين أسرة واحدة متماسكة فلا تكتمل سعادة فرد فيها إلا بسعادة بقية الأفراد عموما وكان يعلم أتباعه معاني الوحدة والتعاون والتكافل والتوادد بينهم خاصة وبينهم وبين المسلمين عامة كان يتضرع إلى الله I ليحمي مجتمع الإسلام من كل المفاسد والمضرات والنكبات وليهديهم إلى الصراط المستقيم وليعفو عنهم ذنوبهم ومعاصيهم وهفواتهم وليرحمهم ويدخلهم جنات عدن وكان يتفقد المرضى ويعطي الفقراء والمساكين ويعطف على اليتامى والثكالى ولم يكن يفرق في ذالك بين مريد وغيره أو بين أسود وأبيض أو بين صديق وعدو بل كان يحسن إلى أعدائه ويسالم خصومه ما لم يكن الأمر في حق شرعي فهذا دونه النفس والنفيس.
الشيخ الخديم وأعداؤه
يتلخص موقف الشيخ الخديم من أعداء الله والرسول والمسلمين النصارى على الأخص واليهود وكل الكافرين والمشركين والمنافقين يتلخص في خمس نقاط:
1ــ ثباته أمام الأعداء
2ــ إبطال عقيدة المسيحيين التثليثية
3ــ دعوتهم إلى اعتناق الإسلام
4ــ انتصاره عليهم للإسلام
5ــ عفوه العام عن أعدائه

صموده أمام الأعداء:
إن موقف الشيخ الخديم t المبدئي من رفض التصالح والتهادن مع المستعمرين النصارى كان ثابتا في كل الظروف ولم يعرف التردد ولا التحول حتى في أحرج اللحظات وأحلك الأيام لأن ثقته بالله U غير محدودة وإيمانه به لم يتزحزح قط وإيقانه بنصره كامل ولم يكن أيضا يستثقل أي عبئ من أجل الإسلام أو يستعظم أية تضحية في سبيل عقيدته الغالية ولكل ذالك لم يعتره خوف من تهديدات الاستعمار ولا رغبة مما في يده من الأرزاق وقد قال:
ومن تكن في رسول الله خدمته مصاحب الصدق والإخلاص والحسن
فلا يخاف ولا يرجوا الورى زمنا إذ الوقاية تغنيه عن الكنن
كانت وقاية الله I تغنيه عن حمل السلاح ضد أعدائه ومع ذالك انتصرت إرادته على إرادة المستعمرين الشريرة وانتشرت مبادئه القيمة على حساب البعثات التبشيرية فقد كان الحق في جانبه والله في مساعدته وكان يتضرع إلى الله I شاكرا ومقرا قائلا:
يا بر يا رقيب يا حسيب يا عدل يا جليل يا مجيب
أنت وليي هاهنا ثم غدا فأنت مؤمولي وكن لي سرمدا
لك صلاتي أبدا ونسكي لك حياتي ومماتي ملكي
لك فؤادي ولساني يا جليل لك أمامي وورائي يا جميل
أنت مناخ وفد حاجي يا كريم وأنت منتهى شكائي يا عليم
هيئ لي الدهر من امري رشدا وكن وليي ونصيري أبدا
كان الله I وليه ونصيره وكان مبدأ سفره ومنتهى سيره ولذالك لم يكن يشعر بالغربة ولا الوحدة فقد كان يؤنسه الرسول r ويرافقه القرآن والسنة وأهل الخير كلهم قلبا وقالبا وفي هذا يقول:
من قال لي أنت في ذا اليوم مغترب عند النصارى ذوي الأسياف والسمر
جوابه حسبي الله الحسيب هنا وهو الحفيظ الذي يغني عن الزمر
إن الإله وليي سرمدا وله أنحوا وإني من خوفي عداي بري
والمصطفى المنتقى المختار واسطتي ورفقتي الدهر أهل الخير والخير
هكذا كان صامدا أمام إرهاب المستعمر الغاشم لا يخاف إلا الله I ولا يعبد إلا إياه ولم يتخل أبدا عن إيمانه القوي وتصميمه الثابت على خدمة الإسلام بنشر تعاليمه الحقة علما وعملا وبنفس العزم والحزم كان مترفعا أمام كل المغريات ومحاولات الهدنة معه من قبل الاستعمار الذي كان يحتكر مصادر الرزق ويملك طرق الكسب غصبا ولكنه لم يكن يؤمن أن الإنسان يستطيع أن ينفع أو يضر نفسه أو غيره وفي هذا يقول:
من ظن غير الله يغني أو يضر فذاك في الدارين ذو كد وضر
الضر والنفع من الرحمن ليسا من البيضان والسودان
الضر والنفع من الجبار ليسا من الفجار والأبرار
الضر والنفع من الوهاب ليسا من الأعداء والأحباب
كان هذا الموقف كما قلنا ثابتا وقفه بشرف مع محاولات السلاطين والأمراء المحليين لاستمالته وخطب وده, وقفه بكرامة مع المستعمرين الغزاة الذين أباحوا لأنفسهم حرمة هذا البلد فلنتأمل هذه الأبيات التي قالها الشيخ الخديم t والتي تستحق أن تكتب بماء الذهب:
أنى أفوض أحوالي لمن عجزوا عن حال أنفسهم عجز المساكين
أو كيف يبعثني حب الحطام على جوار من دورهم روض الشياطين
إن كنت ذا حزن أو كنت ذا وطر دعوت ذا العين قبل الراء والشين
هو المعين الذي لا شيء يعجزه هو المكون ما شآ أي تكوين
يا من يلوم فلا تكثر ودع عذلي إذ لست من فقدتي الدنيا بمحزون
إن كان عيبي زهد في حطامهم فذاك عيب نفيس ليس يخزين
هذا الموقف المبدئي حدى بالاستعمار إلى نفيه وقد سبق الحديث عن هذا النفي الذي خلده التاريخ ببطولاته وتضحياته الجسيمة.
إلى هذا الحد البالغ العمق والاتساع كان إيمانه بالله I وتوكله على قدرته وثقته في رحمته وعدله فقد تعجب كيف يمكن لمؤمن بالله U أن يفوض أمره إلى الأنام العاجزين عن تدبير أمورهم الشخصية ناهيك عن أمور غيرهم كما رفض بتاتا مجاورة السلاطين المتسلطين على خلق الله I والذين ديارهم مرتع للشيطان وبؤرة للفساد وإنما فوض كل أموره إلى الله واختار جواره الأبدي المأمون الميمون.
إبطال عقيدتهم التثليثية
أوضح الشيخ الخديم t لليهود والنصارى أن كتبهم الذي جاء القرآن لتصديقها أخبرتهم بمجيء محمد r كخاتم الأنبياء وبأن دينه الإسلام هو الذي ينسخ الأديان السابقة له وأن الدين عند الله الإسلام وأن من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وقال:
أتتكم التوراة والإنجيل وفيهما التكريم والتفضيل
لستم على شيء إذا لم تعملوا بما به وصاكم المفضل
بما به منه أتاكم موسى والمصطفى وما به جآ عيسى
أرسل بالقرآن خير مرسل هدى ورحمة وخير منزل
لجملة الخلق مصدقا لما من كتب قد انزلت تقدما
ثم فضح زعمهم بالإيمان وادعاءهم بعبادة الله I بينما ينكرون رسالة محمد r ويكذبون بكتابه الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ وقال:
إن اليهود فرطوا في موسى وأنتم أفرطتم في عيسى
ساءكم كون النبي المصطفى خير الورى فما لدائكم شفآ
قلت وقصدي الشكر عن جهاد مخاطبا لجملة الأعادي
انصرفوا للغير يا نصارى إن لم تكونوا للنبي أنصارا
برأت منكم عابدا لله ومن سواكم من ذوي الملاهي
رجاء جنة بلا طاعات بسنة الماحي غرور يأتي
رجاء حب الله مع بغض الرسول سفاهة مع غرور وغفول
إن محبة الإله لا تنال إلا بقفو المصطفى باب النوال
نبيه صلى عليه بسلام بآله وصحبه على الدوام
هكذا دحض حجج النصارى واليهود والمشركين بالتثليث ونسبة الأولاد إلى الله تعالى عما يشركون وبنفس الشدة والصرامة أنكر على الكافرين والملحدين كفرهم وإلحادهم وقد حذرهم من مغبة ذالك وقال:
من لم يكن بالله ذا إيمان مستسلما ذا إحسان
غاب به إن لم يتب زبانية في النار بعد أخذهم بالناصية
خاب الذين كفروا بالله ويومه الأخير ذي الدواهي
وقد نهى المسلمين وخاصة المريدين عن موالاة هؤلاء الكفرة والمشركين أو الميل إليهم ومصالحتهم وقال:
ويل لمن مال إليكم مدبرا عن ربه ومنكم لن يصبرا
وهكذا تذكرة لهم بقوله تعالى في سورة النساء: { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا }.
دعوتهم إلى اعتناق الإسلام
بعد أن أبطل الشيخ الخديم t عقيدة النصارى التثليثية نصحهم إلى اعتناق الإسلام دين محمد خير الخلق ودعاهم إلى التوبة قبل الفوت وقال:
توبوا إلى الغفار مسلمين قبل مجيء الموت محسنين
إن لم تتوبوا وتعينوا الدينا وتتبعوا المشفع الأمينا
انصرفوا للغير في الدارين وراقبوا العارين والنارين
كما أوضح لهم وحدانية الله Y وتعاليه عن الوالد أو الوالد كما يدعي النصارى واليهود وقال:
الله جل أحد وهو الصمد ليس له من والد ولا ولد
ولم يكن جل له كفؤا أحد وسرمدا بالملك والحمد انفرد
أشهد أنه الإله الواحد وأن أحمد الرسول العابد
وقد أنذرهم بالعاقبة الوخيمة التي تنتظر المثلثين والمكذبين برسالة محمد خير المرسلين r وقال:
شد عقابه على من ثلثوا وفي هدى آياته ما بحثوا
رقابهم تقودها السلاسل مصطرخين ولهم بلابل
قلوبهم تكوى وتشوى أبدا ذوي ندامة وويل وردى
وجههم مسودة بالنار بقتر وذلة وعار
قال أيضا:
ران على قلوب من قد كذبوا وثلثوا إلههم ما كسبوا
باؤوا بقصد هدم ما بنى الإله وكلهم للنفس عبد وهواه
ويل لهم ويل لهم ويل لهم ويل لهم ويل لهم تبا لهم
لهم عذاب ونكال ونقم ووجل وحيرة مع ألم
قال أيضا:
إن الذين ثلثوا وماتوا ولم يتوبوا ولهم غمات
كنوزهم تكوى بها جباههم كذا جنوبهم كذا ظهورهم
نكالهم ينسيهم الأموالا إذ واجهوا النيران والأهوالا
أغلال ذي الجلال في الأعناق بلا إراحة ولا إطلاق
لهم طعامهم من الزقوم شرابهم يأتي من الحميم
قلت ورفتي رجال البدر أخاطب الأعداء أهل الغدر
روموا إمالة القلوب للأحد أهل الكتاب ولتفارقوا العدد
ويل لكم إن لم تكونوا مسلمين فبادروا له وفارقوا اللعين
من لم يتب لله يا نصارى مثلثا فسيلاقي النارا
توبوا له بقل هو الله أحد لآخر السورة من ذاك العدد
توبوا له بدينه الإسلام دين النبي المصطفى الإمام
وأيضا:
زكوا الذين من فضة وذهب كنزتم قبل العنا والعطب
زكوا بإيمان وبالإسلام نفوسكم لله ذي الأنام
وأيضا:
كونوا إلى الإله تائبينا من شرر النيران هاربينا
من تاب للرحمن بالإسلام تاب عليه فهو ذو إكرام
قلت لكم هذا فإن أسلمتم لربكم من ناره سلمتم
به أعادي وبه أوالي فهو القدير المتعالي الوالي
لكم بإسلامكم النعيم وعنده لمن أبى الجحيم
وأيضا:
توبوا له وسارعوا إلى الهدى فما لنا إلا اتباع أحمدا
وصية التقوى لكلنا خطاب في سورة النساء في خير كتاب
ليس لنا ولا لكم إلا اقتفآ أمر إلهنا بحب المصطفى
لأنه مصدق لموسى فيما به قد جاءكم وعيسى
وجهه الله إلينا وختم مصدقا للكل والأمر أتم
إذا أتى روح الإله بعده كنسله المهدي يقفوا رشده
هكذا بشر الشيخ الخديم t النصارى واليهود بالإسلام وأنذرهم بالتثليث والتكذيب برسالة محمد r كل ذالك بأسلوب الحكمة البالغة والموعظة الحسنة والمجادلة المقنعة وكانت هذه النصائح تصادف في بعض الأحيان عقولا مفكرة وقلوبا بصيرة وآذانا واعية فقد تاب على يده بعض النصارى فأسلموا مريدين مخلصين وحتى يومنا هذا فهناك بعض النصارى الذين يعتنقون الإسلام ويسلكون طريقة الإرادة لله الواحد الأحد الصمد I وذالك بفضل نصيحته المباركة ومواجهته لهم بالحق في حسم وقوة في حجته وسلامة في منطقه وإخلاص في دعوته وفي هذا يقول:
واجهتكم بالحق ذا نصيحه من رد حقا باء بالفضيحه
جذبتكم بهذه الأبيات وإنما الأعمال بالنيات
ويل ونقمة وضيق وبلآ لكافر ومشرك لم يقبلا
هدى ورحمة وبشرى أبدا لمؤمن أحسن حين عبدا
كتبت ذا النظم نصيحة فمن قبله كفي العذاب والمحن
أنتم جميعا خشب مسنده حقت لكم موعدة مشدده
واجهتكم بالحق ذا تبرإ منكم فسارعوا بلا تجرإ
توبوا وآمنوا وأسلموا معا وأحسنوا واتبعوا المشفعا
النصر العزيز
انتصرت إرادة الله U العليا على إرادة أعدائه السفلى فعاد الشيخ الخديم t من منفاه في جزيرة مايومبا بغابون أقوى تصميما من ذي قبل وأشد تمسكا بمبادئه السامية وقد وجد أتباعه المريدين باقين على العهد أكثر إخلاصا له وأتم ولاء لعقيدتهم الإسلامية فتقاطرت عليه مرة أخرى وبصورة أشد هولا الجماهير الوفية لتعاليمه وخرج الشعب السنغالي على بكرة أبيه لاستقباله وتجديد البيعة له الأمر الذي أرعب الاستعمار من جديد فلجأ إلى نفيه ثانية إلى صحراء موريتانيا القاحلة لمدة أربع سنوات أخرى ولكن المستعمرين في كل الحالات فشلوا في تحقيق أغراضهم الخبيثة وهي الحيلولة بينه وبين الجماهير وتشتيت الجماعة المؤمنة المريدة التي تكونت حوله وتتكاثر بسرعة وبالتالي فرض إرادتهم الشيطانية على المسلمين أجمعين ومما زاد من حيرة المستعمرين أن المريدين كانوا يخاطرون بحياتهم ويقطعون المسافات البعيدة إلى موريتانيا للقاء الشيخ وزيارته سيرا على الأقدام وركوبا على الإبل والخيل وغيرها من وسائل السفر المتاحة في ذالك العصر بل إن أهل موريتانيا أنفسهم تحولوا إلى مريدين له وأخذوا يبايعونه فرادى وأفواجا وفي هذا قال:
حمدي وشكري لمن كلي به صارا له رضى دون سخط عند صرصارا
له ثنائي ورضواني بلا سخط مذ قاد لي من بني ديمان أنصارا
لله كلي لدى آبار مكرمة منها ارتحلنا وفيها جم من زارا
إن الذين إلى صرصار قد قصدوا زيارتي فارقوا الدارين أوزارا
وقد حارب الإستعمار بأمضى سلاح وأقوى سطوة وهو الإيمان بالله I والعزم على خدمة الرسول r وفي هذا يقول:
ذببت العدى بالله والمصطفى النبي فرادى ومثنى أدبروا لازموا الجريا

وأيضا:
رددت أعداء الإله والنبي ولا يزال مبغضي بمذهب
وأيضا:
رددت بالله وبالرسول من خالفوا الحق ونلت سؤلي
وقد أيده الله I على أعدائه الذين تسلحوا حتى الأسنان وكانوا يحاولون الفتك به وسفك دمه الطاهر فنصبوا له الفخوخ وحاكوا ضده المكائد ولكن وقاية الله I أغنته عن الدروع والتروس وقد أشار إلى ذالك وقال:
كفيتني قتلا أراد سفكا دمي وقبله أفكت أفكا

أيدتنا على العدى فغلبوا ولسوانا صاغرين انقلبوا
وأيضا:
قهرت لي الأعداء يا قهار يا من له الأمور يا جبار
وأيضا:
خدمة خير العالمين أسكتت من نازعوني وعداي سكتت
كانت خيبة الأمل لأعدائه كبيرة فالمكائد انقلبت عليهم والحيل ارتدت إليهم وافتضح الوشاة وفي هذا يقول:
خاب عدى الله تعالى مع من أعانهم بكبت مالك الزمن
سقت لهم نيتهم ومكرهم دوني أدم يا قدير قهرهم
هكذا كان جهاده في سبيل الله ضد أعداء الإسلام بنشر تعاليم القرآن ووصايا الحديث وتبصير الناس بواجباتهم الدينية والدنيوية تجاه الخالق والخلق فكان مع عناد أعدائه وشراستهم ثابت الجأش أبيا مرفوع الرأس شامخ الأنف لم يذعن إلا لإرادة الله I ولم يخضع قط لرغبة حاكم جائر ولم يرضخ لسلطة غاز غاشم ولم يسكت على باطل ولم يسكن لفاسد وهذه هي صفات المسلم الحق الذي لا يعترف بسلطة على سوى سلطة الله I ولا يرضى إلا بحكم القرآن شديدا على الكافر رحيما للمؤمن.
أجاهد الكفار بالآيات وبالأحاديث بلا التفات
واجهت أعدائي بالآيات مجاهدا بها بلا التفات
عفوه عن الأعداء
إن عداء الشيخ الخديم t للنصارى واليهود والمنافقين وجميع الكفرة يرجع إلى عداوتهم لله I وللرسول r ورفضهم الإسلام ومحاربتهم المسلمين ولم يعادهم بسبب ما قاساه منهم من ألوان التعذيب والتغريب ومن أنواع الظلم والاضطهاد فكل هذا هين بالنسبة له بل يعفو ويغفر لظالميه وناكليه بقلب صاف وصدر رحب ولذالك قال بيته الشهير هذا:
عفوت عن الأعداء طرا لوجه من نفاهم لغيري سرمدا لست أدفع
فلم يكن يعادي الفرنسيين بسبب جنسيتهم أو لغتهم أو لونهم وإنما كان يعاديهم لأنهم أشركوا بالله وكذبوا برسالة محمد r وكان يبغضهم لأنهم ظلمة وغزاة واعتدوا على الأبرياء والمستضعفين وكل من اتصف بهذه الصفات الكريهة وعادى الله I ورسوله r فإنه عدو للشيخ الخديم t سواء كان أسود أو أبيض سنغاليا أو غيره.
خاتمة الفريقين
لقد بين الشيخ الخديم t مصير المسلمين الأحباب والكافرين الأعداء وقال:
فاز الذين سعدوا بالخير وباء من لم يسعدوا بالضير
أكرمت الأبرار بالنعيم وكبت الفجار في الجحيم
سيق الذين تركوا العباده لنار من من لم يطع أباده
تعب من أراد أن ينقض ما أبرمه من ضيفه لم يضما
جزاء من بارز ذا العرش بكآ فكل من أبكاه ذو الكرسي بكى
إن الذين كفروا وامتنعوا من توبة رأووا جزآ ما صنعوا
بطونهم سكنها العقارب والكل منهم من شديد شارب
للمسلمين ولكل المسلمات نور الذي أذهب أهل الظلمات
هم الذين في الجنان يخلدون وهو بما يسرهم مخلدون
مناهم احتووا بلا استلاب والكل بالبشر ذو انقلاب
رجاؤهم محقق وملكوا في أبد ما لا يراه ملك
بناؤهم يعلوا وليس ينسفل أما مبارز العلي فمنسفل
بالله أمنوا وأسلموا معا ولتحسنوا لوجه باق قمعا
هو الإله وهو الرحمان وهو الرحيم وله الأزمان
الواقع
واقع المريدية اليوم
إن القسم الأول يمثل حقيقة الإرادة لله I أو جوهر المريدية ولبها كما حددها الشيخ الخديم نظريا وعمليا في أقواله المأثورة بالتواتر وفي أفعاله المشهودة كذالك وفي مؤلفاته النثرية والنظمية الخالدة .
وهذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس لا يمكن تبديلها أو تزويرها أو تحريفها، ولكن المريدين اليوم انحرفوا عنها وحاولوا التهرب منها بتأويلات تعسفية وتفسيرات جائرة تلبي أهوائهم وترضي نفوسهم الأمارة بالسوء وتتفق مع أمزجتهم العليلة وهذا هو سبب الوضع المشوه الذي تعيش فيه المريدية في الوقت الحاضر فقد أصبحنا في واد والمريدية الحقة في واد آخر وبيننا بون شاسع, الأمر الذي حملنا على الكتابة بإخلاص عن هذا الواقع تشخيصا للداء ووصفا للدواء .
واقع المريدية الآن مؤلم ومدعاة للأسف الشديد, وينبغي أن نسأل أنفسنا : هل لبينا دعوة الشيخ الخديم t إلى التعلم والتعليم ؟ وهل نطبق أوامره بالبر والتقوى وعبادة الله وحده على هدى القرآن والسنة ؟ وأين نحن من العمل الصالح الشريف كما أوصانا به خديم رسول الله r وكما كان يفعل هو وأتباعه الأولون ؟ وما موقفنا من الآداب العامة التي تعتبر ركنا أساسيا من أركان المريدية ؟ وما هو مفهومنا الحالي للتصوف ؟ وما هي ممارساتنا التي نزعم أنها صوفية ؟ وهل هي مطابقة لمفهوم التصوف الصحيح كما عرفه خديم الرسول r ؟ وما مدى تقيدنا بتعاليم الشيخ الخديم t بصفة عامة ؟ وهل نحن نقتفي أثره ونقتدي بأفعاله سائرين وراءه متتبعين خطواته ؟.
إن التشخيص الدقيق والتحليل الأمين لواقعنا المعاش وممارساتنا اليومية باسم المريدية كفيلان بإعطاء الأجوبة الفاصلة على هذه التساؤلات وغيرها من أسئلة تطرح نفسها اليوم في الساحة المريدية أو بعبارة أخرى يطرحها المخلصون الحريصون على الحركة المريدية .
فسيرة الشيخ الخديم t الطاهرة ظاهرة للعيان ماثلة الآثار وأحاديثه المتواترة من الثقات الأحياء منهم والأموات محفوظة عند الكثير ، وبعضها مدون لدى قلة من المجتهدين وإن احتاج بغض رواياتها إلى تنقية وتنقيح، وأفعاله المثالية التي استندت كلها إلى القرآن والسنة معروفة لدى الجميع، وقد نالت إعجاب الأصدقاء والأعداء على السواء ، وكتاباته الفائضة منتشرة في كل مكان في السنغال وفي متناول الكل.
كان الواجب أن نضع هذه الشخصية الفذة الني لنا فيها أسوة حسنة نصب أعيننا دائما ونتخذها مثلا أعلى، وكان الواجب أن نقفوا آثار الشيخ الخديم t ونسير على الصراط المستقيم الذي اختطه وصار عليه إلى أن التحق بالرفيق الأعلى, ولكننا في الواقع بعيدون كل البعد عن تتبع خطواته الهادية إلى الله I كما كان يفعل السابقون من أتباعه الأجلاء، ولم نعد نهتدي في أعمالنا بتعاليمه المرشدة أو نتقيد بأوامره ولم ننبذ مناهيه بل انقلب الأمر رأسا على عقب لدى البعض الذي استباح لنفسه الخوض في كل المحظورات متعلل بأن شفاعة الشيخ الخديم t سوف تناله في الآخرة !! فيا لها من علة واهنة وغرور بين ! وفهم سيء ! فالشيخ الخديم t أتى ليخلص الإنسان ذالك المخلوق الضعيف فطريا من قهر نفسه وسيطرة هواه وإغواء شيطانه الرجيم ليهديه بالتالي إلى سبيل النجاة وشاطئ الأمان بعبادة الله I وحده وعمل الصالحات وفعل الخيرات التي تنفعه إياه ومجتمعه في الدنيا والآخرة.
جاء الشيخ الخديم لينقذ الناس من ويلات الكفر ويطهرهم من دنس العصيان وذالك بإرشادهم إلى طريق الحق طريق القرآن والسنة كما قال موصيا أتباعه :
ولازموا سنة خير المرسل عليه خير صلوات المرسل
وقال أيضا :
من لم يكن برسول الله مقتديا في دينه فهو مغرور يرى النقما
وقال أيضا :
يأيها الناس اعبدوا ربكم بما به خير الورى جاءكم
هو الذي من اقتفى به وصل لربه ومن غني عنه انفصل
وقال أيضا :
دوموا على السنة والإجماع بعد كتاب الله باجتماع


وقال أيضا :
ولا تكن منتبذ الشريعة فنبذها إلى الردى ذريعة
هذه الأبيات وغيرها شاهدة على أن كل من يخالف سنة الرسول r أو يتخلى عن الشريعة فلا يحق له أن يدعي شرف الانتماء إلى طريقة خديم رسول الله r الذي أحيى الإسلام وبعث السنة وأعاد المريدين إلى أصول الشريعة وتعاليم القرآن.
وإذا فحصنا موقفنا من العلم والتعلم يتبين لنا أن معظم المريدين الآن عازفون عن التعلم متخبطون في الجهل المطبق فهم يعتقدون باطلا أن العلم ترف وفخفخة لا حاجة للمريد إليها وبعضهم يرى أن التعلم يجب أن يقتصر على فئة قليلة من الناس هم الشيوخ وأبناؤهم، حقا قالوا فهؤلاء ينبغي أن يتوسعوا في المعرفة ويتوغلوا إلى أعماق العلم ليقتنصوا دقائقه ذالك أن مسؤوليتهم جسيمة لأنهم مرشدون ومربون ومعلمون أو هكذا يجب أن يكونوا، ولكن معرفة أحكام الشريعة من إيمان وإسلام وإحسان أو الاعتقاد والصلاة والصيام والزكاة والحج والمعاملات والتمييز بين الفرائض والسنن والمندوبات والمحرمات والمكروهات والمبطلات عن كل ذالك ـ معرفة تلك الأحكام واجبة على كل مسلم ومسلمة وجوب عين لا كفاية ، وقد شدد الشيخ الخديم t أوامره على كل مريد ومريدة بتحصيل العلم واكتساب المعرفة الضرورية بالشريعة الإسلامية وقد كفل لهم بتواليف موجزة وموفية بالغرض في التوحيد والفقه والتصوف والآداب الحسنة وغيرها فهذه التواليف تقرب علوم الدين وتلخص معارف السلف وتضيف كل جديد نافع لهداية المريد إلى الصراط المستقيم وإرشاده إلى ما فيه خلاصه الدنيوي والأخروي وفي هذا يقول الشيخ الخديم t:
يبث علوم الدين خطي مجددا لنهج النبي بالخط إذ رسمه عفا
يقرب تأليفي العلوم التي نأت إلى الناس مذ عنهم فؤادي به عفا
ويقول أيضا :
يقود خطي المريد للقادر الباقي المريد
مزحزحا كل مريد إلى سوى المعلم
ويقول أيضا :
إن قلامي بالنبي هاديه إلى جنان من علاه باديه
وقد كان الشيخ الخديم t يربي أتباعه على العلم والعبادة والعمل وقد حبب إليهم العلم والتزود منه كل يوم والعمل به وقد كان هو نفسه يعلم تلاميذه ويكثر الوعظ ويديم الإرشاد ويحترف الهداية كما كان يختار من بين تلاميذه المبرزين معلمين وأساتذة كانوا يغدون ويروحون في الإقراء والتعليم والإفتاء.
والشيء المنذر بالخطر الآن هو أن القلة الخاصة التي يضعها القدر في موضع الزعامة والقيادة للمريدين لم تعد تهتم بالتضلع بالعلم كما ينبغي فأصبحت الاهتمامات مادية وهي التنافس والتكالب على الثروة وجمع الأموال بكل وسيلة للتنعم بحياة مترفة تبعدنا عن تحصيل العلم وعن القيام بواجباتنا الشرعية وقد نهانا الشيخ الخديم t عنى أن يلهينا الرزق عن العلم والعبادة إذ قال :
لا تشتغل بالرزق دون طاعه فتحرم الراحة والشفاعة
لأنه وعد بالرزق كما ضمنه لنا معا وقسما
فلا تكن لفقده مضطربا ولا تزل لله تولي القربا
ولا يستقيم أمر المريدين إلا إذا تسلحوا بالعلم وحافظوا على العبادة وواظبوا على العمل ى الصالح فبهذا تأسست الطريقة ونمت حتى اشتهرت بعلمائها الأجلاء وكتابها النوابغ وشعرائها المفلقين وشجعانها العمالقة ولا يصلح آخر هذه الطريقة إلا بما صلح به أولها وهو العمل بتعاليم مؤسسها العظيم التي منها قوله:
ولتعلمن بأن علما وعمل هما وسيلتا السعادة أجل
ففيهما اجتهد وفي التصفية من كل آفة وفي التنقية
وصححن بالصدق والإخلاص كليهما تظفر بالاختلاص
وبالتباع سنة المختار صلى وسلم عليه الباري
وءاله وصحبه ومن تبع آثارهم من مقتد ومتبع
وكن ملازما لما قد ثقلا عليك منهما وناء الكسلا
وإذا نظرنا إلى حالة العبادة لدى المريدين اليوم نجد أن الكثيرين منهم يستهينون بها ويستخفون بشعائر الدين وهو خروج صارخ على تعاليم الشيخ الخديم t ناتج عن الجهل لصدودنا عن التعلم ، فبالرغم مما كتبه السيخ الخديم t عن العبادة وضروريتها على المريد كقيام بالمهمة الأساسية التي من أجلها خلق الإنسان، وبالرغم من أقواله وأفعاله الملتزمة والملزمة بالشريعة فإن الجهلة والمنافقين من المريدين يتعللون بشفاعة الشيخ الخديم t كمبرر للتخلي عن العبادة والعمل بأحكام الشريعة!! وهذه بدعة شنيعة تخالف تماما أوامر الشيخ الخديم t وتتنافى مع أفعال أتباعه الذين تلقوا منه التربية والتعليم فالأمل في الشفاعة يجب أن يرتكز على صحة التعلق بالشيخ الخديم t وهي تستوجب الالتزام بتعاليمه واحترام أوامره ونواهيه أخذا وتركا فتجرأ المريد على المعصية ومجاهرته بارتكاب المنهيات إساءة إلى الشيخ الخديم t الذي يدعي التعلق به، وتنكر على مبادئ المريدية القائمة على أسس من القرآن والسنة.
كما أن المريدين الصادقين الذين تخرجوا من مدرسة الشيخ الخديم وتربوا تحت توجيهه لم يكونوا يقتربون من أية شبهة ناهيك عن منهي بل كانوا علماء عاملين صالحين خاشعين، ولا نبالغ إذا قلنا إنهم ملائكة في الطهر والعفة وفي كونهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنهم كانوا يتقيدون بتعاليم القرآن والحديث ويحافظون علو أحكام الشريعة بأصولها وفروعها، وقد كانت أفعالهم وأقوالهم خير تفسير عملي لنصوص القرآن وأمثل تطبيق لوصايا السنة وهم في كل ذالك كانوا ينفذون أوامر السيخ الخديم t ويتبعون إرشاداته كقوله على سبيل المثال:
من وحد الله ومأمورا فعل جعله عبدا سعيدا فانجعل
روموا العبادة مع استعانة به فمن مال له أعانه
من فعل المأمور تاركا لما عنه نهى قدمه وعلما
ومن توجه له موحدا وجده بلا انتها ملتحدا
والعمل الذي يعتبر دعامة أساسية في المريدية كاد أن يفقد معناه الحقيقي كشق مكمل للعبادة في الشريعة الإسلامية بل كعبادة عظيمة الأثر عاجلا وآجلا إذ هو وسيلة شريفة للعيش الكريم وسبيل قويم ومشروع للامتلاك ولتمليك الآخرين إعانة لهم وإقراضا حسنا لله، والعمل المنتج النافع هو الذي يمكننا من القيام بمتطلبات الشريعة بصورة أكمل، فقد أصبح العمل مراباة وغشا ووقوعا في المشبوهات والمنهيات وأكل الحرام والاستيلاء على أموال الغير بالباطل فلم يعد الإخلاص والعمل أس العمل ولم يعد هدفه إيجاد العيش الكريم والإنفاق في سبيل الله I بل الثراء الفاحش بالتحايل والابتزاز ثم إنفاق هذه الثروة في سبيل الشيطان بغيا وعدوانا وتعسفا وتعاليا على الأقران.
ومما يدعوى للأسف أيضا أن كثيرين من الشبان القادرين على العمل يميلون اليوم إلى التبطل والدعة ويؤثرون الفراغ وترتيبا على ذالك يلجئون إلى وسائل رخيصة وقد تكون خسيسة للعيش، الأمر الذي حاربه زعيم المريدية لأنه ابتعاد عن تعاليمه وتجاف عن أسس طريقته.
وما يسمى بالصوفية اليوم لا يمت بصلة إلى التصوف الأصيل والصافي كما أوضحه الشيخ الخديم وخلاصته أنه التزام صارم بتعاليم القرآن والسنة، وتقيد دقيق بواجبات الشريعة، وإخلاص في العبادة وتفان عي العمل ولكن بعض المريدين يحسبه تبتلا مفرطا وتقشفا مغالى فيه ويظنه آخرون تعطلا وتهربا من واجبات الفرد تجاه ذاته وأسرته ومجتمعه وتحللا من العبادة وتنصلا من العمل بدعوى التوكل والإيمان والثقة في الله I ويعتقد فريق ثالث أن التصوف ليس إلا مجرد طقوس في اللباس والسلوك العام.
وجميع هؤلاء مخطئون في فهمهم للتصوف فهو صفاء من أكدار المعصية بطاعة الله والانقياد له والتسليم إليه رغبة ورهبة مع التمسك بالأسباب، فلنختم هذه الفقرة بالتأمل في هذه الأبيات للشيخ الخديم t:
من سره الصفا بلا أكدار فليك لائذا بذي الأقدار
من سره الأمن بلا تخويف فليك منقادا بلا تسويف
من سره أن لا يلاقي الضررا فلا يحب من يساق للشرر
من مال عنه لسواه طردا من بابه وسرمدا لن يردا
من أم بابه الذي لن يرتجا أكرمه بكل خير يرتجى
وحالة الآداب العامة والأخلاق الكريمة اليوم عند المريدين يرثى لها فالتأدب والتهذيب والتربي على السلوك الحسن من توقير الكبير والعطف على الصغير وإجلال الشيخ واحترام الزميل هذه القيم الأخلاقية وغيرها أصدرت عليها شهادة الضياع والمطلوب العثور عليها والسبب في ذالك هو إهمال التربية الصالحة للصغار و الاستخفاف بالتعلم وانعدام القدوة الحسنة من الكبار وتفشي الفساد في المجتمع وتزداد الحالة سوء لدى الحواشي المحيطة بالشيوخ فالأطفال والشبان الذين يتربون في ديور الشيوخ تربية سيئة يعانون من الجهل والتبطل مع أن الآباء الأوائل الذين تربوا على يد الشيخ الخديم t وأتباعه الأقدمين كانوا صلحاء أتقياء أنقياء يضرب بهم المثل في حسن الخلق وجمال الآداب وطيبة السلوك.
ويحق لنا أن نتساءل عن موقفنا من التعاون والتكافل ونكران الذات والتضحية بالمصلحة الشخصية من أجل الصالح العام ؟ فهذه القيم الإنسانية الرفيعة قد أوصى عليها الشيخ الخديم t وضرب لنا مثلا رائعا بنفسه وكذالك الرعي الأول المتخرج من مدرسته ومع ذالك يسود اليوم التنافس والتفاخر والتباهي بالثروة المادية وأصبحت مكانة الفرد الاجتماعية تتحدد بم يملك من المال أو الجاه لا بما يتصف به من خصال حميدة وصفات أخلاقية أو بما يقوم به من أعمال نافعة للمجتمع ولا ينظر الناس إلا إلى الظواهر والقوالب دون القلوب والبواطن وحقائق الأمور وقد أشار الشيخ الخديم إلى هذه النظرة الخاطئة للأشياء وهذا التقييم السطحي لأقدار الناس وقال :
وربما استقبحت شأن العبد وإنه قد حاز كل مجد
لا تزدري العبد لقبح الملبس مع تخدد وكثر الدنس
ورب عبد قد علا عند العيون كأنه قطب الرحى حيث يمين
وصيته انتشر في البلدان وهو كالقرد لدى الرحمان
إن الإنسان المعتبر كعظيم وذي قدر هو الإنسان الذي يلتزم بتعاليم القرآن والسنة ويعمل بهدى العلم بأحكام الشريعة والسنة ويؤدي واجباته تجاه إخوانه في الدين و في الطين بإسداء النصح أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وبتقديم المعونة على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
آفاق المستقبل
مستقبل الحركة المريدية
مستقبل المريدية يرتبط تصاعديا أو تنازليا بمدى تمسك المريدين بتعاليم الشيخ الخديم t التي ليست إلا تأكيدا لتعاليم القرآن وتقوية لوصايا السنة وتنقية لممارسات الشريعة والضمان الوحيد لنمو الحركة المريدية وترسخها بصورة طبيعية وازدهارها وتوسعها رأسيا وأفقيا ــ هو العودة إلى الأصول والأسس التي وضعها الشيخ الخديم وذالك بالإقتداء بأفعاله واقتفاء آثاره الشفاهية والكتابية واتباع أوامره والابتعاد عن مناهيه في التعلم واكتساب المعارف النافعة وفي العبادة المخلصة لوجه الله U والعمل الصالح والتخلق بالأخلاق الكريمة وفي التحابب والتعاون والتماسك والتسامح وفي تربية النشء تربية إسلامية صالحة كما كان يفعل الشيخ الخديم t, وتعليم النساء وتنشئتهن على التمسك بالشريعة والآداب الحسنة ومعرفة واجباتهن الدينية والأسرية, وبأن يقدم الكبار للصغار قدوة حسنة في السلوك والتعامل مع الآخرين وقبل كل شيء في المحافظة على أداء شعائر الدين بكيفية صحيحة وبإصلاح المجتمع وتصفية بؤر الفساد فيه ليصبح مجتمعا إسلاميا سليما معافى كما كان مجتمع المريدين في عهد الشيخ الخديم t, وهذا هو الدواء لدائنا كما قال الشيخ الخديم t:
ثم الدواء جملة هو الرجوع إلى إلهنا تعالى بالخشوع
كما رجوعك لرب الكلب يكون أولى من عناء الضرب
وهذا الرجوع إلى الإله I بعد اغتراب روحي وتيه في مهالك المادة هو التمسك بالكتاب والسنة ففيهما الأمن من الضلال والسلامة من الابتداع وفيهما السعادة في هذه الدنيا وتلك الآخرة والويل كل الويل في التفريط فيهما أو كما قال الشيخ الخديم t:
وقى النبي الهاشمي أمته وسلموا حين أطاعوا سنته
ويل لمن بدا له انحراف عن سنة الماحي أو انصراف
ويل لمن زهد في الذكر وفي الفقه والحديث والتصوف
وهذا الرجوع عن الممارسات العادية الخاطئة إلى الحقيقة التي كانت معتادة هو الارتداد إلى الأمام أو التقدم في صورة التأخر إن أجيزت هذه التعبيرات, وهو شبيه بما تحدث عنه الشيخ الخديم t في هذين البيتين :
حد الإرادة بقول السادة ترك المريد ما عليه العادة
ثم رجوعه إلى المعتاد قبل وصوله كالارتداد
وهناك بوارق الأمل تلوح وسط الظلام في كل أفق ذالك أن ى أبناء الشيخ الخديم t البررة الذين يسيرون في سبيله القويم يبذلون قصارى جهدهم لتعريف الناس بحقيقة المردية وردهم إلى جادة الحق فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا ينسون أنفسهم بل يتقدمون الصفوف ويقدمون المثل الأعلى والقدوة الحسنة.
كما أن زمرة أخرى ممن تلقوا التربية على يد الشيخ الخديم t أو على أيدي مريديه الأوائل وبعض أبناء هذا الرعيل الأول هؤلاء كلهم يعملون في نفس الحقل ويسيرون في نفس الاتجاه متتبعين خطوات الشيخ الخديم t.
ويوجد أيضا مريدون مخلصون لله أوفياء لتعاليم الشيخ الخديم t وهم جماعة منتشرة في كل الأمكنة ينفذون أوامر خديم الرسول r روحا ونصا في العلم والعبادة والعمل ويهدون الآخرين إلى الصراط المستقيم.
ومما يقوي هذا الأمل كذالك أن عديدا من الشباب المتعلم وبعض المثقفين الذين اهتدوا إلى حقيقة المريدية حديثا واكتشفوا شخصية مؤسسها الفريدة كغوث للبرية منفذ للمشرفين على الهلاك وهاد للضالين والتائهين الذين يبحثون عن الخلاص والنجاة في كنف الله هؤلاء الشبان والمثقفين يبذلون مجهودا مقدرا لمعرفة تعاليم الشيخ الخديم الأصيلة والتعرف على جوهر المريدية المصون وقد حملهم ذالك على تعلم اللغة العربية التي كانت لغة الكتابة للشيخ الخديم t وبالإضافة إلى هذا يجرون دراسات متعمقة حول حياة الشيخ الخديم t الخصبة لكشف بعض الأسرار والغوامض التي أحاطت بسيرته في فترات من حياته وخاصة في فترات الإبعاد عن الوطن وللوصول أيضا إلى التفسير الصحيح لبعض أقواله وأفعاله التي لا تخرج عن الكتاب والسنة, وقد نجحوا في تحصيل علوم ومعارف قيمة في ذالك وإن لم يبلغوا بعد الهدف المنشود وإلى جانب ذالك يجتهدون في تعلم أحكام الشريعة والإلمام بمبادئ القرآن والحديث لأنهما المنبعان الأصيلان لتعاليم الشيخ الخديم t.
والأمل أيضا معقود على معاهد الأزهر التي أنشأها الشيخ محمد المرتضى ابن الشيخ الخديم y والتي أخذت تنتشر في طول البلاد وعرضها وهذا يبعثنا على التفاؤل بأن التعليم سوف يسترد مكانته والعلم قداسته في الطريقة المريدية كما كانا في عهد الشيخ الخديم t عهد الازدهار العلمي والأدبي والإبتعاث الإسلامي والإنتهاض الصوفي عهد العزة والكرامة والشرف والمنعة للإسلام والمسلمين.
والجدير بالذكر أن شبكات أخرى من المدارس العربية قامت في أرجاء مختلفة من البلاد بمبادرات طيبة من أشخاص حريصين على مستقبل المريدية حادبين على تعاليم الشيخ الخديم t ــ قامت لتشارك معاهد الأزهر في إنجاز مهمة نشر العلم وإشاعة المعرفة الصحيحة بين المريدين خاصة والمسلمين عامة ذالك أن الشيخ الخديم t علمنا أن عبادة الله I المبنية على العلم هي السبيل للفوز برضوان الله والنجاة من نقمته :
وبعد فاعلم أن خير ما استغل فتى به علم ودين الله جل
من فاته هذان في دنياه مستغلا بالمال عن سواه
فما له غدا سوى العذاب ونقمة الله بلا ارتياب
ولا بد هنا أن نشيد بالشباب الذي هاجر إلى البلدان العربية للتزود بالعلم ومعرفة الشريعة الإسلامية ليقوم فيا بعد بخدمة الأهداف الإسلامية النبيلة التي ترمي المريدية الحق إلى تحقيقها والمساهمة في دفع عجلة التعلم.
هذا الرصيد الضخمة من الإمكانيات الروحية والمادية الهائلة تجعلنا نقتنع بأن المستقبل سوف يشهد انتشارا واسعا كما وكيفا للحركة المريدية في عموم السنغال وفي خارجها ما دامت محافظة على تعاليم الشيخ الخديم t الذي كان يبتهل إلى الله I ليهب له أنصارا في جميع البلدان ويرض له الأمصار إذ قال :
وهب لي النصرة في البلدان جميعها يا خالق الأزمان

وصير الجميع لي أنصارا بجاهه ورض لي الأمصارا
لا بد أن الله القريب المجيب الدعوات Y استجاب لهذه الدعوة الكريمة ويبقى إما أن نكون نحن أنصاره نحمل الأمانة ونوفي بالعهد سائرين في الصراط المستقيم بالعمل الصالح والعبادة المخلصة القائمة على العلم وإما أن نأبى أن نحملها بالانحراف عن هذا الصراط فيحملها آخرون يصدقون الله I ما يعاهدون ويصدقون في إرادتهم الله وفي تمسكهم بتعاليم الشيخ الخديم t.
فتيار المريدية الجارف لا يمكن وقفه وقد فشل الاستعمار وعملائه في الماضي وفي الحاضر في تعويق انتشار الحركة المريدية وعرقلة اندفاع الجماهير إلى صفوفها وإعلان الولاء لزعيمها البطل فلم يتورع الاستعمار وأذياله والحاقدون الحاسدون من نشر أكاذيب عن المريدية وإلصاق اتهامات زائفة بها والافتراء على مؤسسها وقد منيت محاولاتهم الخبيثة بالفشل وواصلت الجماهير الوفية زحفها وتأييدها للمريدية.
ولا يمنعنا ذالك من الإقرار بأن الاختلافات والشكوك التي أثيرت حول المريدية لصد المسلمين عنها ولتشويه حقيقتها الناصعة ــ استطاعت أن تضلل حينا من الدهر طائفة من الناس السذج وحالت بينهم وبين اكتشاف جوهر المريدية ومبادئها المنتقاة من القرآن والسنة ولكن الحق دائما يعلوا ولا يعلى عليه والباطل زهوق, فالشباب اليوم بدأ يكشف تضليلات الاستعمار وتزويقات عملائه ضد عقيدة إرادة الله I وحده والتوجه إليه بكليتنا فهذا الشباب الذي أزيلت الغشاوة عن عيونه يرفع راية المريدية عالية خفاقة فوق الأعلام الوطنية ويعبرون بها الحدود الجغرافية المصطنعة من قبل الإدارة الاستعمارية البائدة.
وغدا سوف يكتشف بعض إخواننا العرب انطوت عليهم الحيلة وانخدعوا بكتابات المستعمرين الحاقدة وادعاءات الحاسدين المعادية ــ سوف يكتشفون أن المريدية ليست إلا تأصيلا للإسلام في القارة السوداء وترسيخا لجذور الحضارة الإسلامية في بقلع شهدت وتشهد غزوا ضروسا من الحضارة الأوروبية, وأنها ليست إلا ترجمة أمينة لتعاليم القرآن بصورة عملية وصياغة جديدة لوصايا السنة بشكل تطبيقي, فالعرب الموريتانيون الذين اكتشفوا هذه الحقيقة حينما سنحت لهم فرصة الاتصال المباشر بالشيخ الخديم t أثناء نفيه إلى صحراء موريتانيا ــ هؤلاء العرب انضموا إلى الحركة المريدية وأصبحوا من أتباعه المخلصين . فمعظم المسلمين في الدول العربية لا يلمون بتواليف الشيخ الخديم t التي كتبها باللغة العربية الفصيحة وشملت جميع فروع الشريعة من التوحيد والفقه والتصوف وبعض العلوم العربية مثل النحو, وقد خصص جل كتاباته لمدح الرسول r والصلاة عليه نثرا ونظما كما اعتنى بالوعظ والإرشاد والهداية والتهذيب الخلقي للمريدين.
وقد جاوز الشيخ الخديم t في مجال التأليف والكتابة كل المقاييس المعروفة من قبل بين العرب وغيرهم, وبالرغم من توافر هذه المؤلفات بلغة العرب فإنهم يتلقون معلوماتهم عن المريدية من مصادر معادية للإسلام أو حاقدة على الحركة المريدية المتصاعدة مثل كتابات الأوروبيين أو الخونة الذين باعوا ضمائرهم للشيطان, وفي إمكان إخواننا العرب أن يحصلوا على معلومات صحيحة عن المريدية وعن مؤسسها من مصادرها الأصيلة.
ومهما يكن من أمر ف‘ن الحق هو الذي ينتصر والباطل ينهزم والحقيقة هي التي تسود والكذب سافل.
ولا بد أيضا أن نوضح أن المريدية لا تمت بصلة إلى مذهب الزنجية ونظرية الفلسفة الإفريقية التي يروجها بعض المفكرين والفلاسفة الأفارقة, فالمريدية دعوة عالمية ليست لها جنسية إلا جنسية الإسلام ولا تعترف بأي لون أو عنصر غير ألوان وعناصر البشر المؤمنين المسلمين المحسنين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم, فالمريدية فلسفة إسلامية إنسانية تحتوي على مفاتح الحل لمشكلات البشرية الفكرية وعلى أدوية لأدوائه المادية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية بروح التسامح دون التساهل والعمل المنتج دون السخرة والاستغلال, والمريدية حضارة كونية تحمل العدل والعزة وأسباب القوة للهنود الحمر المضطهدين والسود المستعبدين في أمريكا والزنوج المستضعفين في أفريقيا كما تحمل الإيمان والروح للمادية الملحدة لدى الشيوعيين من الصين إلى كوبا عبر الإتحاد السوفيتي وشرق أوربا وتمنحهم قناعة بأن للعالم خالقا وبداية ووارثا ونهاية وهو الله الأزلي الأبدي المحيي والمميت Y, دون أن تمنعهم من إعادة توزيع الثروة بصورة عادلة ليعيش الفرد والمجتمع في توافق طبيعي تتسالم فيه حقوق الفرد وواجبات المجتمع, كما تعلم أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية المساواة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الشعوب والأمم الضعيفة في الاستقلال والتحرر وامتلاك ثرواتها الطبيعية والبشرية, ولا تحرم هؤلاء الأوروبيين والأمريكان من حرية التعبير والتفكير والاجتماع والتحرك الحر في المجال الاقتصادي ما دام كل شيء يعتمد على تعاليم القرآن الرشيدة التي تخدم الفرد والمجتمع وتنصف للضعيف والقوي.
فمحاولة التوفيق بين المريدية وبين الزنجية أو المذاهب الفلسفة الضيقة النظر إجحاف في حق المريدية وحط من قدرها ونيل من نزعتها العالمية واتجاهها الإنساني وشمولها الكوني, فتفسير قول الشيخ الخديم t هذا:
وليس يوجب سواد الجسم سفاهة الفتى وسوء الفهم
بأنه دعوة إلى الزنجية خطأ في الفهم وقصور في الإدراك وتحميل للمعنى أكثر مما يستطيع أن يحمل , فقد كان الشيخ الخديم يصوب اعتقادا فاسدا بأن بياض الجسم سبب قي التفوق ورجحان العقل, وكان بعض البيض العرب وغير العرب المغرورين وكذالك بعض السود المضللين يشتركون معا في هذا الزعم الباطل وأراد الشيخ الخديم t أن يعلمهم بأن لون البشرة لا يؤثر سلبا أو إيجابا في مستوى فهم الإنسان وذكائه أو في كرامته وشرفه وأن الأفضلية ليست في اللون أو العنصر أو الجنس فالناس سواسية كأسنان المشط في طبيعتهم الإنسانية ولا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا لمتقدم على متأخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وبعد فالمريدية اتجاه كلي إلى الله I وإرضاؤه بفعل ما أمر وترك ما نهى فالمريد الصادق لا يفعل إلا ما يرضي الله U ولو أغضب الناس ولا يطيع إلا الله I ولو عصى الأنام وفي هذا يقول الشيخ الخديم t:
قلت ومن طلب رضوان الورى بسخط ربه فغمر ذو كرى
فليس يغنيك رضى الخلق إذا لم ترض مولاك فحد عن ذا لذا
ولا يضرك إذا أرضيتا مولاك سخط من له عصيتا
فهذه هي المريدية الحق إسلام النفس لله I بعبادته وحده والاعتماد عليه وحده وإرضاؤه وحده والمحافظة على أوامره ونبذ نواهيه ومراعاة حقوق الآخرين في تعاملنا مع الناس وإفشاء المحبة وتدعيم التعاون بين البشر وإيجاد حوار بناء مثمر بين الطرق والفئات الإسلامية لتسوية خلافاتها سلميا وتقريب وجهات نظرها حول القضايا الدينية والدنيوية, والمواصلة على العمل المنتج, هذا ما كان عليه الشيخ الخديم t وأتباعه الأوائل الذين نشروا المريدية بسلوكهم القويم وأخلاقهم الكريمة وأعمالهم الصالحة التي جذبت الناس إلى الإقتداء بهم والعمل على تعاليم السيخ الخديم t التي منها:
وأرغب الأشياء للأموات رد إلى الدنيا مع الحيات
ولو سويعة فقط ليعملوا صالحة تنفعهم إن قفلوا
فاغتنمن باقي عمر قد مضى بغير طاعة وللخير انهضا
قيل فواته ولا تغفل أبد عن المراعاة لباطن الجسد
وكن أخي ضابط الحواس في كل وقت حافظ الأنفاس
لأن كل نفس من رجل جوهرة نفيسة لم تنجل
يمكن أن يشتري الكنز بها لا يتناهى خيره فانتبها
إخلاء عبد نفسا من طاعة يوجب حسرة له في الساعة
أما إذا أخليتها في المعصيه فذاك خسران مبين فادريه
وأعمر الأوقات بالنوافل بعد الفرائض بلا تغافل
وهكذا بالصوم والأوراد والذكر والفكرة في التمادي
وبتصدق وجذب المال إلى ذوى الحاج لوجه الله
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وخير خديمه وسلم تسليما
الناسخ : أحمد بن محمد المرتضى
دار المعطي ‏10‏/06‏/2007م الموافق ‏25‏/05‏/1428هـ






المريدية
الحقيقة, والواقع, وآفاق المستقبل,
التأليف: الشيخ محمد المرتضى بن الشيخ فاط فال مبكي
دار المعطي




BubbleShare: Share photos - Powered by BubbleShare
BubbleShare: Share photos - Powered by BubbleShare