الخميس، 10 مايو 2007

mariage album







































































































































































































القصيدة الصوفية والحب الإلهي




قائمة المواقع حسب الاقسام





ابن الفارض شاعر القصيدة الصوفية والحب الإلهي

لا تزال أشعار الشاعر العباسي عمر بن الفارض موضع اختلاف في تفسير ماهية الحب الذي قصده، فمن قراء ديوان شعره من فهموا معانيه على ظاهر لفظه، وادعوا أن حب ابن الفارض أرضي مادي، وأن غزله كغزل أبي نواس وغيره، ومنهم من تفهموا معاني غزله الحقيقية، ووقفوا على أسرار نفس صاحبه المتجردة، ففسروه، تفسيراً صوفياً. حتى دعي ابن الفارض “سلطان العاشقين”، إلا أن حبه هو ذلك الحب الرفيع الذي يسمو على المادة وينفلت من قيودها للحاق بمبدع الجمال، وينبوع كل بهاء، ولابن الفارض مذهب خاص في الحب كما له فيه انصراف شديد الوطأة على نفسه، وهو أن يستسلم الإنسان للحب الإلهي استسلاماً كاملاً، وأن يتلاشى فيه، فإن الموت فيه حياة، والتلاشي نعيم وسعادة
فإن شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا وإلا فالغرام له أهل
وابن الفارض يريد أيضا أن يخلع المرء الحياة في اتباع ذلك الحب السامي، فهو لا يخفي أنه قتال وأن “أوله سقم وآخره قتل”. هذا القتل هو أن تحلل إرادة المحب في إرادة المحبوب، وأن ينوب المحب في حقيقة المحبوب. وأما تصرف الشاعر فكان انطلاقا شديدا في طريق حب أسقمه وقتله:
وقد علموا أني قتيل لحاظها
فإن لها في كل جارحة نصل
وحبه ليس له مثل، كما أنه ليس لمحبوبه مثل، وليس له بعد، ولا قبل، وهو حب سخي، مندفع يجود حتى بالروح:
ما لي سوى روحي وباذل نفسه
في حب من يهواه ليس بمسرف
وقد استولى على كل جوارح روح صاحبه، فأسعده من حيث أشقاه وعذبه:
وتعذيبكم عذب لدي وجوركم
علي بما يقضي الهوى لكم عدل
وفي ديوان ابن الفارض مقطوعات كثيرة تصلح للغناء، قد يكون الشاعر نظمها للتغني بها وأشهر شعره الصوفي قصيدتان:
الخمرية ومطلعها:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة
سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
وقد تغنى فيها الشاعر بخمرة الوحدة الإلهية، وبالسكر الروحي، وبين صفات تلك الخمرة:
صفاء ولا ماء، ولطف ولا هوا
ونور لا نار، وروح لا جسم
ثم هناك التائية الكبرى: وهي قصيدة تقع في 760 بيتاً وتسمى “نظم السلوك” لأنها تشبه طريقا روحيا للارتقاء إلى الله. وقد سميت ب”التائية الكبرى” تمييزا لها من قصيدة تائية أخرى، أما مطلعها فهو:
سقتني حميا الحب راحة مقلتي وكأسي محيا من عن الحسن جلت
وقد ضمنها الشاعر تجاربه الصوفية فكانت نشيدا من أناشيد الوجد الصوفي، وتمثيلا للعراك المستمر بين الثنائية الضدية الصلاح والشر، والفوز النهائي بمشاهدة الجمال المطلق، جمال الخالق الذي يتجلى في كل ما هو جميل في الطبيعة وكذا في الإنسان. وقد اهتم المتصوفون والعلماء لهذه التائية اهتماما كبيرا فأكثروا من تفسيرها والتعليق عليها. ومن شارحيها الفرغاني(1876م/ 1293ه) والكاشاني (1892م/ 1310ه).
أما الذي شرح ديوان ابن الفارض على ظاهر معناه فهو الشيخ حسن البوريني سنة (1615/1024ه)، واشهر شروح الصوفية شرح الشيخ عبد الغني النابلسي سنة (1730م/ 1143ه).
والمعروف عن ابن الفارض أنه حموي الأصل، ولد في القاهرة سنة (1181م/ 576ه)، نشأ في كنف والديه في عفاف وصيانة وتزهد، واشتغل بالفقه الشافعي، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم انحاز إلى التصوف، فاعتزل الناس عدة سنوات، وانفرد للعبادة والتأمل والتجرد، وأوى أولاً إلى مكان خاص في جبل المقطم يعرف بوادي المستضعفين، كان المتجردون يختلفون إليه، ثم انقطع عنه ولزم أباه، ولما توفي والده عاد ابن الفارض إلى التجريد والسياحة الروحية، أو سلوك طريق الحقيقة، فلم يفتح عليه بشيء، ولم يبلغ الكشف، فقصد مكة، وأقام فيها مجاورا نحوا من خمس عشرة سنة، فنضجت شاعريته وكملت مواهب الروحية.
ولما عاد إلى مصر استقبل كرجل بار، وكان الأيوبيون هناك شديدي العناية بفتح المدارس وبعث الروح الدينية، كما كان للصوفية مكانة فريدة بسبب عنايتها الكبرى برياضة الروح. فاحتفل الناس بابن الفارض احتفالا عظيما، وأكرموه على اختلاف طبقاتهم إكراما جزيلا، حتى روي أن الملك الكامل نفسه كان ينزل لزيارته بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر.وقد توفي في القاهرة سنة 1237م/ 632ه، ودفن في حضيض جبل المقطم.
وفن ابن الفارض في الحب فن الشاعر الذي اضطرم فيه الحب اضطراما حتى أذهله أحيانا، وقد أراد التعبير عن ذلك الحب والإفصاح عما يجول في نفسه منه، فكان كلامه شعرا تضيق بحوره، وقوافيه عن اندفاع الحب وثورته، وتقصر الألفاظ عن تصوير حقيقته، لذا يحس القارئ أن الشاعر في ضيقة فيبطل القصائد، ويعمد إلى التكرار اللفظي والمعنوي، ويحاول أن يحمل اللفظ مثل ما يحمل المعنى، فيحشر فيه وجوه البديع من جناس وطباق، ويغالي في ذلك مغالاة قلما وصل إليها شاعر، ويعمد إلى التصغير فيكثر منه كما يعمد إلى أساليب الوجدان من مناجاة ومناداة:
ابن الفارض لا يغفل عن الموسيقا الشعرية إلا نادرا، فهو يتغنى بشعره تغنيا، وينظمه موقعا على أوتار نفسه، فتتصاعد أنغام عذبة من الصور اللينة، وتآلف الألفاظ والحروف، وتتكرر بعضها تكرارا موسيقيا، ومن القوافي التي تردد صدى ألحان الحب الداخلية:
خفف السير واتئد يا حادي
إنما أنت سائق بفؤادي
قف بالديار وحي الأربع الدرسا
ونادها فعساها أن تجيب عسى
قصارى القول إذن ان ابن الفارض شاعر سامي الروح، صادق العاطفة،متدفق المعاني، جمع من الموسيقا الشعرية، وعذوبة الكلام الشيء الكثير، وإن لم يخل شعره من ثقل وغموض بسبب الصنعة التي انتشرت في عصره انتشارا شديدا فتسربت إلى الشعر بنزعة من التقليد.
وفي هذا الجو المضطرب سياسيا واجتماعيا، والذي دوت فيه أصوات الثائرين، والخارجين وأصحاب النحل، وفي هذه البيئة التي كان السلطان فيها للظاهرين من القواد والكبراء، وكانت “الدنيا لمن غلب” والدين وسيلة إلى الغايات، في هذا الجو الذي دعا كل ذي طموح إلى التشبه بالقادة، ودعاة البدع الجديدة، وفي هذا العهد الذي شهد معايب وقبائح لم تكن مألوفة في المجتمع العربي الصافي، وإنما هي صدى لجانب منحرف من الخلق الفارسي، إذ انتشرت الزندقة والشعوبية والإسراف في
كراهية العرب.

قلبي يحدثني *

سلطــان العاشقين ابن الفارض رضي الله عنه

قلبــي يحـدثـنـي بأنـك متلفــي

روحي فداك , عرفت أم لم تعرف

لم أقض حق هواك إن كنت الذي

لم أقض فيه أسى , ومثلي من يفي

مالي سوى روحي , وباذل نفسه

في حب من يهواه , ليس بمسرف

فلئـن رضيـت بها , أسعفتنـي

ياخيبة المسعى , إذا لم تسعف

يا مانعي طيب المنام , ومانحـي

ثوب السقام به ووجدي المتلف

عطفاًعلى رمقي وما أبقيت ليٌ

من جسمي المضنى, وقلبي المدنف

فالوجد باق , والوصال مماطليٌ

والصبر فانٍ , واللقاء مسوفي

لم أخل من حسد عليك , فلا تضع

سهري بتشنيع الحيال المرجف

واسأل نجوم الليل : هل زارالكرى

جفني, وكيف يزورمن لم يعرف؟

لا غرو إن شحت بغمض جفونها

عيني , وسحت بالدموع الذرف

و بما جرى في موقف التوديع من

ألم النوى , شاهدت هول الموقف

إن لم يكن وصل لديك ,فعد به

أملي وما طل إن وعدت ولا تفني

فالمطل منك إلي إن عز الوفا

يحلو كوصل من حبيب مسعف

أهفو لأ نفاس النعيم . تعلة

ولوجه من نقلت شذاه تشوفي

فلعل نار جوانحي بهبوبهاٌ

أن تنطفي , وأود أن لا تنطفي

يا أهل ودي أنتم أملي , ومن

ناداكم يا أهل ودي قد كفي

عودوا لما كنتم عليه من الوفا

كرما فإني ذلك الخل الوفي

وحياتكم وحياتكم قسماً, وفي

عمري , بغير حياتكم لم أحلف

لو أن روحي في يدي وهبتها

لمبشري بقدومكم , لم أنصف

لا تحسبوني في الهوى متصنعا

كلفي بكم خلق بغير تكلف


أخفيت حبكم, فأخفاني أسى

حتى, لعمري, كدت عني أختفي

وكتمته عني , فلو أبديته


لوجدته أخفى من اللطف الخفي

ولقد أقول لمن تحرش بالهوى

عرضت نفسك للبلا , فاستهدف

أنت القتيل بأي من أحببته فاختر

لنفسك , في الهوى من تصطفي

قل للعذول : أطلت لومي , طامعا

أن الملام عن الهوى مستوقفي


دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى

فإذا عشقت , فبعد ذلك عنف

برح الخفاء بحب من لو في الدجى

سفر اللثام لقلت يا بدر إختفي

وإن اكتفى غيري بطيف خياله

فأنا الذي , بوصاله , لا أكتفي

وقفا عليه محبتي , ولمحنتي

بأقل متن تلفي به , لا أشتفي

وهواه , وهو أليتي وكفى به

قسماً , أكادُ أُجله كالمصحف

لو قال تيهاً: قف على جمر الغضا

لوقفت ممتثلاً ولم أتوقف

أو كان من يرضى بخدي موطئاً

لو ضعته أرضاً ولم أستنكف

لا تنكروا شغفي بما يرضى,وإن

هو بالوصال , علي لم يتعطف

غلب الهوى,فأطعت أمرصبابتي

من حيث فيه عصيت نهي معنف

مني له ذل الخضوع , ومنه لي

عز المنوع , وقوة الستضعف

ألف الصدود , ولي فؤاد لم يزل

مذ كنت , غير وداده لم يألف

- أضرب لكم موعدا مع نفات أخرى -

جميل محبتي لك