الثلاثاء، 25 مارس 2008

سيرة الشيخ الخد يم


هذه محاولة متواضعة ومساهمة حقيرة في سبيل إبراز المفاهيم السامية والشريفة للطريقة الإرادية, وإجلاء السيرة الطاهرة للشيخ خديم رسول الله مؤسس هذه الطريقة التي في حقيقتها إحياء للشريعة الإسلامية النقية وبعث للسنة المحمدية الغراء.
كما أن حياة مؤسسها وأفعاله وأقواله ترجمة أمينة لتعاليم القرآن الكريم وتجسيد حي لأحاديث الرسول .
وقد دفعني إلى الكتابة عن الإرادية الخديمية شعوري بأن الواجب يحتم على المثقفين ثقافة إسلامية عربية أن يسلطوا الضوء على الأسس النظرية والمبادئ العملية التي انبنت عليها الطريقة الإرادية للشيخ الخد يم وأن ينشروا أعماله القيمة قي العالم الإسلامي فقد قدم للإسلام والمسلمين تراثا ثقافيا وعلميا ثمينا لا يقدر بثمن.
والواقع أن معظم ما كتب عن المريدية كان يقتصر على جوانب من سيرة الشيخ الخد يم وقلما تعرض كتاب لجوهر المريدية كما حدده بوضوح الشيخ الخد يم في مختلف كتاباته وأقواله وأفعاله وهذا البحث بعيد عن الإحاطة ولكنه يطرح لأول مرة موضوعات في غاية من الأهمية كانت مهملة وشبه محظورة من التناول, والرجاء معلق على بقية المثقفين المؤهلين لكي يقدموا إسهامات أكثر كمالا في هذا المجال.
ولم يغب عن بالى وأنا أكتب عن المريدية أنها ميدان شائك ومسئولية جسيمة فهناك من يفسر ويؤول تفسيرات وتأويلات خاطئة بقصد أو بغيره ومن يسيء الفهم بحسن نية أو بسيئها كما أن هنالك قاصري الإدراك وأنصاف المتعلمين وأصحاب الجهل الذين قد يعوزهم إدراك مقاصدنا النزيهة, وكل من يتصدى للكتابة الموضوعية عن المريدية وزعيمها العظيم لا بد أن يتعرض لانتقادات قد تكون بناءة أو هدامة من هؤلاء ويصير مرمي لأسهم أولئك الطائشة لكن الأمر الذين يطمئن المرء ويطيب خاطره أن هذه الطريقة غنية بالعلماء الأجلاء وثرية بالمخلصين الأمناء كما أنها تملك نخبة ممتازة من المثقفين المستنيرين وكثيرا من الموهوبين بالفطرة فهم جميعا لا محالة يقدرون كل محاولة هادفة في هذا الميدان حق قدرها ويشجعون أصحابها على المضي في الطريق الطويل والشاق.
ومع ذالك فالذي يرضي ضميرنا قبل كل شيء أنه تحدونا نية خالصة وقصد صادق إلى خدمة الخديم t ونصرة دعوته التجديدية في الإسلام, فالمأمول أن تكون هذه الخدمة مقبولة لديه ولدى مخدومه ولدى الله الذي لا يضيع أجر المحسنين, مع إقرارنا بأن الإنسان في طبيعته ناقص وبالتالي في عمله, ومن هنا نرجو التسامح مما قد يظهر فيه من أخطاء غير مقصودة, فهذه بداية والبقية تأتي إن شاء الله.
محمد المرتضى امباكي شيخ فاط فال
5/7/1980م 20 شعبان 1400 هـ

عبد الله وخديم رسول الله
في مدينة امباكي باول عام 1270هـ 1850م أو 1852 بزغ نجمه الثاقب الذي أصبح مصدر إشعاع إسلامي ومنبع إنارة صوفية طبقت الآفاق وامتدت لأجيال المستقبل إنه: أحمد بن محمد بن حبيب الله!
حفظ القرآن في سن مبكرة وتعلم العلوم الإسلامية والعربية على أيدي أعاظم الأساتذة وأكابر العلماء في ذالك العصر.
كان منذ صغره متفانيا في حب الله ورسوله مواظبا على عبادة ربه وطاعة الرسول , يضرب به المثل في التقوى والورع والعدل وكان دائم الزهد جم التواضع والتقشف يهدي الناس ويرشد الأتباع إلى جادة السبيل يسهر على تعليم الصغار وتربية الكبار من المريدين وترقية العلماء والشيوخ وقد كان نافرا من حطام الدنيا قانعا عزيز النفس موفور الكرامة شريف المحتد صابرا صارما كما كان نشطا دائم الحركة لا يتكلم إلا بما يفيد كريما وسقيا يغدق الأموال على السائلين ويعين المحتاجين ويثري المحرومين حليما يعفوا عن ظالميه بل يحسن إلى أعدائه ويسالم خصومه إلا في ما يمس عقيدته حيث يكون عنيدا صلب العزيمة قوي الإرادة لا يلين ولا يتقهقر فقد كان حبه في الله وبغضه فيه لا يحيد عن سواء السبيل لرغبة أو رهبة لا يخاف من ءات ولا يحزن على فائت لا يشتكي إلا لله وقد عجزت الشدائد مهما عظمت عن حمله على التنازل عن جزء من عباداته اليومية الباهظة.
وهو الذي نذر نفسه لعبادة الله الواحد الأحد وخدمة رسوله المختار وقد توزعت كل حركاته وسكناته بين هذين المجالين ولذالك حرص على أن يكون عبد الله وخديم رسول الله اسما وحقيقة قولا وعملا وكان يبتهل إلى الله ليخصصه بهذا الشرف في الملأ الأعلى والعالم السفلي وفي هذا يقول:
دعوت ربي ودعائي يجيب
كوني عبد الله خادم الحبيب
واشهد لي اليوم بكوني عبدكا
خديمه عند جميع جندكا
هب لي يا رب بجاهه العظيم
كوني له هنا وفي غد خديم
ولم يكن يطمح إلى أي شيء في الدنيا سوى تحقيق عبوديته لله وتأكيد خادميته للرسول وفي ذالك تنافس وتفانى وحاز قصب السبق وبلغ شأوا لم ولن يبلغه أحد ونستمع إليه يقول:
هب لي كوني فانيا فيك به
عبدا خديما سرمدا كصحبه
فليس هناك شرف أعظم من أن يقر الله لعبده بالعبودية وبالاصطفاء لخدمة مصطفاه في الخلق ولذالك كان جميع الصالحين الأوائل يتسابقون إلى هذا الشرف البعيد المنال ففضل شيخنا الخديم أن يكون خير عبد وخير خديم عتيقا في العبودية سيدا في الخدمة وبهذا يتضرع إلى الله قائلا:
وجه لي اللهم فوق ما أريد
في البر والبحر جنبني المريد
حتى أكون خير عبد وخديم
لك لديك ذا اقتراب يا كريم
وهذا هو الفتح المبين في الخيور وخير البرور الذي طلبه من ربه:
فتاح هب لي الفتح في الخيور
عبدا خديما لك في ديوري
يا رب جد لي بخير بر
عبدا خديما ماكثا في البر
فقد عبد الله وخدم رسوله في البر والبحر في وطنه ومنفاه في الديور وبطون السفن وفي الصحاري ولم يكن جريان السفن التي كانت تمخر عباب الماء يمنعه من الصلاة والذكر والترتيل والمدح متجولا عبر البلدان الساحلية في أفريقيا الغربية حتى استقر مؤخرا في بر السنغال وطنه الأصلي الذي نفاه منه ظلما وعدوانا المستعمرون ومكث في مدينة جربل يغدو ويروح في العبادة والخدمة.
دعوته مستجابة
وإني عبد لربي وخديم
للمنتقي الذي السيادة تدوم
وقد كانت دعوته مستجابة فأعطت السماء مباركته تفضلا وتكرما فابتهجت الأرض وتغنت بأمجاد عبد الله وخديم رسوله وما كان للشيخ الخديم إلا أن يحدث بهذه النعمة الإلهية فقال:
أقول ذا تحدث بنعم
والله أسأل قبول خدمي
الحمد لله الذي قد كان لي
ثم بخدمة النبي جاد لي
خدمة أفضل البرايا نسبا
وخلقا ومنصبا وحسبا
وجاءت التسمية من الله مرفوقة بالبشارات الدائمة:
سميتني قطعا بعبدك الخديم
يا من يقود لي بشارات تدوم
وكان هذا التبشير مصدر فرح متواصل ورضي عن المبشر:
فرّحني الأكرم تفريحا يدوم
بأني خل وحب وخديم
رضيت عمن جاد لي بكوني
عبدا له خديم خير الكون
وقد صدر الحكم الأزلي بذالك فثبت الأمر في العالمين الأعلى والأسفل:
جعلتني عبد الإله وخديم
رسولك الذي السيادة تدوم
سعاتي بغير محو كتبت
وكوني العبد الخديم قد ثبت
وفي كل يوم يشهد به الملكان الموكلان بكتابة أفعاله وأقواله رقيب وعتيد فلا يجدان ما يكتبانه سوى العبادة والخدمة فليست له في غيرهما همة:
إني عبد الله جل وخديم
للمصطفي الذي اعتلاءه يدوم
يشهد لي بذا رقيب وعتيد
في كل يوم عند ذي العرش المجيد
وقد علم يقينا أعدائه الذين نفوه إلي جزيرة مايومبا وإن ضنوا بالشهادة أنه عبد لله وخديم لرسوله لا غير، وهم الذين رافقوه عدة سنوات خالصة للعبادة والخدمة يعبر البحار ويجوب الصحارى غريبا معذبا محروما من كل شيء حتى من أبسط حقوق الإنسان وضرورات الحياة التي حاولوا مستحيلا سلبها منه فأبى القدر والقضاء:
علمت الأعداء عند المغرقات
بأنني عبد منيل الخارقات
بان لهم كوني خديم المنتقى
عليه تسليماك يا من انتقى
بهده النعمة الإلهية التي تحدت عنها أخذ الشيخ الخديم يحمد ربه ويشكره ومما قال:
حمدت إلهي الذي جرني
إلى خدمة المقتدى ذي السموح
حمدت إلهي الذي جرني
إلى خدمة المجتبى ذي الفتوح

عبادته لله
وجهت وجهي وأشكر لك
بالمصطفى جدلي بكوني عبدكا
واجعل حياتي عبادة تدوم
له بشارات تقدم الخديم
العبودية
وقد أقر بالعبودية وعمل عبدا لله خاضعا لإرادته راضيا بقضائه حلوه ومره لا يريد إلا ما يريده الله ولا يحب ولا يبغض إلا فيه وفي هذا قوله:
شهدت أن الله رب الخلق
وأن أحمد رسول الحق
سبحانه ربا لمسلك سديد
هدى بالاختيار صفوة العبيد
المالك الديان ذي العرش المجيد
المبدئ المعيد ذي البطش الشديد
الخالق الإنسان والجن معا
ليعبدوه مخلصين أجمعا
بعد أن شهد بالألوهية المطلقة والربوبية الشاملة خصص القول لنفسه
وأبدى ارتضاءه وامتنانه بكونه من صفوة عبيد الله المخلصين وقال:
يا ربنا يا ربنا يا ربنا
يا ربنا يا ربنا لي اشهد هنا
أني رضيت بك ربا حالا
بيني وبين ماكر قد حالا
الله ربي ووليي أبدا
يعصمني من كل من تمردا
رضيت بالله تعالى ربا
وبمحمد رسول أربا
الله ربي ووليي أبدا
عبدته وغيره لن أعبدا
الله ربي ظاهرا وباطنا
حيث أكون راحلا وقاطنا

كلي لربي في سر وفي علن
ولست أسأل غير النافع الله

بك اعتصمت فاكفني كل ضرر
بجاهه ولي يسر البشر
حتى أكون عابدا شكورا
رضا حبيبا مفلحا مشكورا
ثم أكد إفراده له بالعبادة والتضرع والخضوع قائلا:
إني نويت أن أكون عبدا
لك وأن أشكر ربا جدا
مد إلي فضله العظيما
ولم أزل أعبده تعظيما
ولست أعبد دواما غيركا
وأرتجي حيث أكون خيركا
أعبده إن شاء جل لوفاة
بذكره الحكيم من غير التفات
أعبد ربي بخير السنن
بعد الفرائض ويعلي منني
نعم كان يعبد الله في السفر والحضر في الموطن والمنفى كان يعبده وحده إلى آخر رمق من حياته المباركة أداء للفرائض والنوافل قياما في الليل وصياما في النهار وعملا بتعاليم القرآن ووصايا السنة يعبد الله رغبة ورهبة بل محبة وهو الذي أودع نفسه لله معطيا القوس لباريها:
لي اشهد بأني قد جعلت نفسي
لك وديعة فككت حبسي
معتصما بالله والرسول
صلى عليه ولتسق مأمولي

الإيمان والتوحيد:
وكان إيمانه بالله فوق الحد والوصف وثقته فيه غير متناهية وكذالك إيمانه بالرسول وبالقرآن وقد ترجم هذا الإيمان إلى أعمال ملموسة ومشهودة في الإسلام الذي ضحى بكل غال ونفيس من أجله ونستمع إليه يؤكد بقلمه بعد قلبه وقالبه هذا الإيمان:
بالله آمنت ووجهي أسلم
عبدا له وللنبي أخدم
بالله آمنت وبالقرآن
وبرسول الله بدء شأني
بالله أومن ووجهي أسلم
له وبالإحسان ذين أختم
وكان يحرص كل الحرص على توحيد الله ونفي الشرك عنه بكل أنواعه الظاهرة والخفية الشديدة والخفيفة وفي هذا قال:
شهدت أن الله رب واحد
ولجنابي لا يميل جاحد
الله جل أحد الله
الصمد الذي بدت علاه
ليس بوالد ولم يولد ولم
يحتج لشيء من هداه لم يلم
ثم بعد التعميم يخصص كعادته معترفا أن له ربا واحدا ومالكا واحدا له كل صفات الجلال والجمال والكمال قائلا:
الله ربي أحد والله
الصمد الذي بدت علاه
لم يلد الله وليس بولد
خلق كل والد وما ولد
لا لوجوده ابتدآ ولا انتهآ
مخالف وذو غنى عن اشتهآ
الملك والحمد لربي وحده
كما له جل وعز الوحده
وهذا الإله هو وحده الذي يستحق الذل والركوع والسجود أو كما قال:
ذلي للفرد الذي لم يلد
وليس مولودا أطاب خلدي
هكذا كان الشيخ الخديم شامخا كالجبل لا يرتفع إلا لله ولا يركع إلا له لم يعترف بأي ملك غير ملك الله الأزلي الأبدي ولا بأي سلطة غير سلطته على الكون ولم يقر بحكم الكافرين الظالمين الذين رفضوا الحكم بما أنزل الله.
التوكل والتفويض:
على هذا الإله الواحد الفرد القادر على كل شيء كان يتوكل ويعتمد في كل أمر في كل زمان ومكان به يوالي أو يعادي وفيه يحب أو يكره وهذا ما كان يفعل ويقول ويوصي به:
أنت الوكيل الذي قد اكتفيت به
في الدفع والجلب يا ذا الخلق يا الله
وأيضا
أنت وكيلي فعليك أتكل
ولا يضيع من عليك يتكل
وأيضا
هو الذي لم أر غيره ولا
أراه في شيء هدى ونولا
وأيضا
به أعادي وبه أوالي
وهو تعالى المتعالي الوالي
وأيضا
وثقت بالله تعالى عبدا
له ولي خير خيور أبدى
أبدى لي الخبير ما لي أبدى
فصرت للخبير جل عبدا
وقال أيضا
حبي في الله وبغضي فيه
لي أوصلا ما كنت أصطفيه
له ارتحالي وإليه سكني
وكان لي في موضعي ومسكني
وكان الله ملجأه جلبا ودفعا وملتحده في حالة الخوف والأمان وكان حصنه المنيع ضد أعدائه وفي هذا يقول:
من علي بالدخول ساكنا
في حصنك الحصين منهم آمنا
وقال أيضا
إني جعلتك في الدارين يا ثقتي
حصنا حصينا فكن ملجاي يا الله
وأيضا
أنت الذي تعصم من بك اعتصم
من كل ما يؤمه من النقم
لك أموري أبدا أفوض
وكل من بك التجا لا يرفض
وقال أيضا:
لا شك أن كل ما أدخلتني
فيه فخير لي يا ذا المنن
وكل ما أخرجتني منه فذاك
علي ضر قد توجه هناك
كما كان الله قبلته الوحيدة عندما يمد يده للسؤال وكان بالله غنيا وإليه فقيرا وقد رد بصورة مفحمة على الذين كانوا ينصحونه بالركون إلى السلاطين والأمراء للاستجداء والاسترزاق قائلا:
قالوا لي اركن لأبواب السلاطين
تحز جوائز تغني كلما حين
فقلت حسبي ربي واكتفيت به
ولست راضي غير العلم والدين
وأيضا
غنيت به ربا وليا يقود لي
مرامي وإني شاكر وفقير
وأيضا
يا رب إن أعطيتني فشكر
وإن منعت فرضى وصبر
وأيضا
إني إلى النافع الوهاب مفتقر
ولم أكن لسوى المغني بمفتقر
أأشتكي الضر للمخلوق مجتديا
من بعد كوني عبد الله بالفقر
إليك يا خير وهاب أمد يدي
في البر والبحر سخر لي ذوي الأشر
أني أمد يدي للخلق مجتديا
لدى عدى قلب كل صار كالحجر
وأيضا
مد يدي لغير ذي الجلال
عندي من الضلال والإضلال
وأيضا
مد يدي إلى سوى المغني اجتدآ
في السر والعلن عندي اعتدآ
يا رب إني مددت اليوما
يدي إليك وأروم صوما
عن مدها إلى سواك أبدا
فلي سق ضعف مناي عددا
نويت أني لا أمد لأحد
سواك سرمدا يدي يا أحد
هكذا كان توكله على الله واكتفاءه به فالله وحده الذي ينفع أو يضر يعطي أو يحرم وهو الغني والناس إليه فقراء واستجداء غيره ضلال من المستجدي الذي يتوهم أن غير الله يجدي وإضلال للمستجدى الذي قد يظن أنه يملك النفع أو الضر لنفسه أو لغيره واستجداء غير الله اعتداء على حدود الله الذي لا يملك غيره حق الإعطاء أو المنع فذالك منه وحده:
فالمنع والإعطاء قطعا منكا
لا من سواكا ورضيت عنكا
إن العطآ من الورى حرمان
والمنع من ربهم إحسان
وإن أردت نيل عز لا يريم
فلتطلب اتقاء ربك الكريم
كن متعززا بربك الجميل
ومن تعزز بخلق فذليل
وحينما كان المستعمرون الفرنسيون يهددون رجال الدين ويوعدونهم بالسجن والنفي والتغريب والإعدام ويرهبون الشعب السنغالي بأسره بالإبادة كان الشيخ الخديم t يردد:
لست أخاف ضر خلق بعد ما
فوضت أمري إلى رب السمآ
لست أميل لسوى ما يرضي
رب السماوات ورب الأرض
وأيضا
ولست أخشى ولا أرجو سوى ملكي
لأنه جل يغنيني وينجيني
إن كنت ذا وطر أو كنت ذا وجل
ناجيته وهو يغنيني وينجيني
وقد كان كثير من رجال الدين وغيرهم يلجئون إلى المستعمرين خوفا أو طمعا طالبين الإنجاء أو الإغناء متسابقين إلى حطام الدنيا وفتات الموائد بينما كان شيخنا الخديم t يتساءل قائلا:
أو كيف أركن للدنيا مجردة
من بعد ما بعتها في العسر واليسر
أو كيف أشكو لمن غرو ببهجتها
ذوى التنازع والتثليث والخسر
كان الشيخ الخديم t مترفعا فوق كل التحديات والصعاب التي وضعها الاستعمار في طريقه حرا طليقا من أسر الدنيا والمال والجاه صامدا أمام إغراءات الاستعمار وتخويفاته لا يشكو إلا إلى الله الذي يشكيه ولا يفتقر إلا إليه فهو يغنيه لا يعبد إلا إياه حينما عصاه غيره بالتثليث أو الإشراك أو النفاق وفي هذا يقول:
ناديته جل لدى أناس
طاعتهم عصيان رب الناس
فقد نصر الله ونصره فغلب أعداءه وانتصرت إرادته على إرادة المستعمر الخبيثة وقد توجه إلى الله U يحمده ويعترف له بالجميل قائلا:
يا الله يا حي الذي ليس يموت
مالي عن الثنآ عليك من سكوت
فكيف أسكت عن الثناء
عليك يا ذا الأرض والسماء
أم كيف أسكت عن الرضاء
عنك ولي كنت بلا إعداء
أم كيف أمسك عن الشكر وقد
أنعمت بالخير الكثير يا أحد
أم كيف أمسك عن الأذكار
وقد عصمتني من الأشرار
له علي الشكر بالأقلام
والقلب والجسد والكلام
أديم شكر الله للجنان
بلا تغرر ولا عدوان
يشكره كلي بغير ددن
ولي يسرت ما يرقي ديدني
يشكره كلي بعد قطني
على الذي اختلى ومن لم يبطن
أشكره شكرا يزيل شكا
ولي راض من أراض الفتكا
هكذا كانت عبادته لله U إيمانا صلبا لم يتزعزع لحظة واحدة رغم المصائب المتعاقبة والمصاعب المتضاعفة وتوكلا وتفويضا لله الأمور فهو المدبر والمقدر وهو المعطي والمانع وهو الذي يملك النفع والضر وهو الذي يغني وينجي وليس للإنسان تدخل في هذه المجالات إذن فلم الخوف من غير الله ولم الرجاء من غير الله ؟ ولماذا الاعتماد على الإنسان العاجز الضعيف ؟ فالمؤمن الحق بالله لا يرهب إلا الله U ولا يرغب إلا فيه ولا يلجأ إلا إليه ولا يتوكل إلا عليه فهذا ما كان عليه الشيخ الخديم t.
عبادته وخدمته
وهبت لي كوني عبدا مخلصا
في السر والجهر خديما مخلصا
عبادة لك وخدمة له
لوجه من على الورى فضله

عبادتي بخدمتي للموت
ولي جد بدرك كل فوت
إن نهاية العبادة هي بداية الخدمة فالعبادة خدمة والعكس صحيح ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله وكانت حياته محصورة بين هذين القطبين الذين يمثلان صفاه ومروته حيث كان يتردد ذهابا وإيابا وقد قال:
دلني الله على محمد
وقادني محمد للصمد
وتتخلص هاتان الكلمتان في تجديد الإسلام أو بعث تعاليم القرآن وإحياء السنة ونجد الشيخ الخديم يركز اهتمامه في المقام الأول على أن الدين عند الله الإسلام وأن من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ويقول:
يا سائلي عن أي دين يصطفى
عند الإله هاك دين المصطفى
أيقن بأن الدين عند الله
إسلامنا لا دين ذي ملاه
إذ كل من دان بلاه طردا
وللجنان أبدا لن يردا
وقد ارتضى الشيخ الخديم لنفسه وللمريدين الإسلام دينا ومحمدا نبيا والقرآن دليلا والكعبة قبلة بعد أن ارتضى بالله ربا وقال:
الله ربي وهدى الإسلام
ديني وأفضل الورى إمامي
وإنني رضيت بالإسلام
دينا به أدين في دوام
وبهدى الإسلام دينا وسبيل
وبمحمد نبيا ورسول
وبكتابه وبالبيت دليل
وقبلة لغيرها لست أميل
وأيضا
رضيت بالإسلام دينا لا يزول
وبمحمد نبيا ورسول
رضيت بالقرآن إنسا ودليل
أعبده جل به إلى الرحيل
وأيضا
آمنت بالكتب الذي أنزلتا
جميعها وتوبتي قبلتا
ثم أخذ على نفسه مهمة تجديد هذا الدين ونفخ روح جديدة في تعاليم القرآن ووصايا السنة بعد أن انحرف الكثير عن جادة السبيل وابتدعوا وضلوا وقد وقف حياته لهذا العمل الجليل وفي هذا يقول:
بقية المكث لربي الكريم
ذكرا وشكرا وثناء لا يريم
بقية المكث له وللكتاب
وللحديث دون زجر والعتاب
وهذا العمل الجديد هو تجديد الإسلام بعد أن عاد غريبا وهجره الناس أو ابتعدوا عن جوهره متمسكين بالقشور وقال:
دين سوى إسلامه لا يحمد
عند الإله وبه نجدد
وأيضا
للمصطفى نويت ما يجدد
سنته الغرآ وإني أحمد
وأيضا
يبث علوم الدين خطي مجددا
لنهج النبي بالخط إذ رسمه عفا
وهذا التجديد يتم بتطبيق أحكام الشريعة المطهرة كما حددها القران وبينتها السنة المشرفة وأجمعت عليها الأمة المسلمة التي لا تجمع على ضلال وإليك جملة من أقواله في هذا الخصوص:
بنيت طاعتي باتباع
بالذكر والحديث والإجماع
وأيضا
منك أروم اليوم أن أكونا
ممن أبو لغيرك الركونا
وأن أطيعك بنهج المصطفى
سنته البيضاء يا من اصطفى
ويؤكد على إحياء السنة المحمدية واتباع طريقته بالإقتداء بأفعاله وأقواله المروية عن الثقات وفي هذا يقول:
أسلمت نفسي لرب لا شريك له
مع الذي قفوه شغلي وحاجاتي
وسيلتي عبده المختار سيدنا
وهو الذي من أبى تقديمه خفضا
صراطه هو الصراط المستقيم
صراط من لهم لدى الله النعيم
وأيضا
نويت كوني عبد الله ممتثلا
للأمر تارك نهي حيثما حتما
مستمسكا برسول الله سيدنا
محمد من محا الأحزان والوجما
وأيضا
وبالنبي هب لي التخلقا
بالخلق العظيم دأبا مشفقا
ولي هب بجاهه المتابعه
قولا وفعلا رب والمسارعه
هب لي متابعته في القول
والفعل والخلق يا ذا الطول
ويمكن القول بأن البعث الإسلامي الجديد الذي قام به الشيخ يتلخص في ثلاث نقاط رئيسية بصورة إجمالية:
أولا: تقوية الإيمان
فلم تأخذه في الله لومة لائم ولم يعرف التردد أو التراجع حينما يعني الأمر تنفيذ أوامر الله امتثالا أو اجتنابا ولهذا لم يهادن المستعمرين ولم يداهن الملوك ولم يصالح أعداء الله أيا كانوا وكل ذالك في وقت كان فيه المستعمر يقوم بقمع معارضيه بشكل وحشي ويرهب مناهضيه بقطع مصادر الرزق التي كانت تبدو في ظاهر الأمور أنها في أيديهم ومع ذالك رفض شيخنا الخديم رفضا باتا الخضوع لرغباتهم وقد كلفه ذالك الكثير ولكنه كان على أتم الاستعداد لتحمل عواقب هذا الموقف المجازف ومن هنا رحب بالنفي والتغريب والتعذيب وكان ينتظر الاستشهاد أو الانتصار فكان الأخير
ثانيا: إخلاص الأعمال لوجه الله
لي قدت كوني صادقا في قولي
وعملي يا قوتي يا حولي
فقد كان كثير من المسلمين - ولم يزالوا - يراءون وينافقون في كثير من أعمالهم فكانت الشهرة أو المنفعة المادية الدافع المحرك في معظم الأفعال فتسمع من حين لآخر نزاعات وخصومات قد تكون حادة أو دموية حول من يؤم في المسجد أومن يؤذن أو من الذي يعين شيخا للقرية أو مفتيا للمدينة ولم تكن الخلافات لأسباب علمية ودينية وإنما لاعتبارات المكانة الاجتماعية والمصالح المادية.
وقد نجح الشيخ الخديم t في غرس روح المبادرة الإيجابية في المريدين دون المنافسة وإحساس الغبطة دون الحسد فهم يتعاونون ويتحاببون بدل التعادي والتحاقد فلم يقع قط نزاع بين المريدين من أجل المراتب الاجتماعية والمكانات الدينية ولا خصومات من أجل مكاسب مادية فالمريدون معروفون بالبذل والسخاء والكرم والإيثار والتضحية بالنفس والنفيس لصالح إخوانهم في الإرادة أوفي الإسلام والإنسانية مع نكران الذات والتواضع.
ثالثا: تحبيب العمل إلى المريدين
رفع الشيخ الخديم t مكانة العمل إلى صف العبادة فعود المريدين على العمل اليدوي والكدح والكسب المشروع ليعيشوا أعزاء شرفاء يأكلون من عرق أجبنتهم وينفقون من كسب أيديهم الحلال وقد اعتبر العمل الصالح شقا للعبادة مكملا لها كان هذا العمل زراعة أم تجارة وصناعة وغيرها مادامت تجري على أحكام الإسلام وتتقيد بحدوده.
وكان الشيوخ ورجال الدين وغيرهم من المتواكلين يعيشون على فتات موائد الملوك والسلاطين أو على صدقات الأغنياء المتجبرين وكانت أحكامهم وفتاواهم تبعا لذلك مرتبطة بأهواء هؤلاء المعيلين كما كانوا يرتلون القرءان لقاء الأجر حتى الصلاة كانوا يقومون بها لا لعبادة الله وأداء الواجب وإنما لإرضاء الأمراء والابتهال إلى الله ليديم حكمهم الجائر.
والمؤسف حقا أن هذه الانحرافات والممارسات الخاطئة لا تزال حية في مجتمعنا السنغالي.
ويجدر القول بأن الشيخ الخديم t فجر ثورة عارمة في الإسلام وقلب الأوضاع الفاسدة رأسا على عقب رافضا بذالك التقاليد السيئة الموروثة منقيا الإسلام من شوائب والرواسب العالقة به عبر السنين بسب الجهل و المطامع الشخصية وفعل المفسدين المضلين والمنافقين والوثنيين والمشركين ونجده يقول:
هدمت باطلا بحق فزهق
ولي إلهي كأس سقيه دهق
ملكت ربي مالكي كليتي
حالي له كعملي ونيتي
رددت بالله وبالرسول
من خالفوا الحق ونلت سؤلي
برأني الإله من شرك ومن
كل نفاق وسعادتي ضمن
ومهمتنا اليوم نحن المريدين المحافظة على هذه الثورة الإسلامية وتجديد شبابها ودفعها إلى الأمام بالعمل بتعاليم الشيخ الخديم t والسير على الصراط المستقيم الذي رسمه وسار عليه هو وأصحابه الأخيار الذين رباهم ورقاهم بنفسه ويسير عليه الآن أنجاله الغر ونخبة أخرى من صفوة رجال الدين المريدين وبعض الأتباع المخلصين.
وهذه التعاليم مسطورة بقلمه في كتاباته النظمية والنثرية ومروية لنا من الثقات الذين شاهدوه يفعل واستمعوا إليه يقول وكانت أفعاله وأقواله تجسم القرآن وتفسر نصوصه تفسيرا عمليا حيا.
وخير ما نختم به هذه الفقرة هو هذه الأبيات:
لي قدت كوني مرشد ومرشدا
وبقلامي تبين الرشدا
واجعل جميع ما به لفظت
فيك وفيه رب أو كتبت
عبادة مقبولة مرضيه
عندك ثم عنده زكيـه
وارزقني اليوم بجاهه العظيم
ترك التفات عابدا هنا خديم
وارزقني الفناء فيك ثم فيه
واجعلني الدهر بجاهه نبيه
خدمته للرسول
قد انصرفت لله حاجي بخدمة
لغير الورى من قاد لي أفضل العتق
هوانا انتحى للحق والحق ديننا
بإخدام ذي رشد هدى كل مرشد

أبايع اليوم الرسول المصطفى
بخدمة وأسأل الله الوفآ
أعاهد الله على أخذ الكتاب
بخدمة للمصطفى باب الصواب
بهذه المبايعة المهيبة أمام الله اختار الشيخ الخديم t طريق خدمة الرسول r بالمدح نظما ونثرا وبإحياء سنته هداية للناس إلى الصراط المستقيم وهذا الالتزام أبدي يبقى ما بقيت حياته كما قال:
يفنى الذي من عمري قد بقيا
في الشكر والخدمة إن شآ ربيا
ذالك أنه يعتبر خدمة الرسول أجمل زينة وأغلى حلية لرجل الشريعة والحقيقة مثله:
زينة ظاهري وباطني معا
كوني خادما له متبعا
وهو يرى أن أي إنسان لا يستحق خدمته إلا الرسول r .
أحق جملة الورى بخدمة
بالنظم والنثر رسول الرحمة
وقد كرس كل حياته لهذه الخدمة النبيلة حتى حقق فيها المعجزات فهو الوحيد في تاريخ الإنسانية عموما وتاريخ الإسلامية خصوصا الذي كتب آلافا مؤلفة من القصائد والكتب في مدح الرسول وإظهار فضائله وأفضاله وصفاته الخلقية وتبيين سنته والدعوة لرسالته فاهتدى بسببه إلى حظيرة الإسلام ملايين من الناس واكتشفوا الحقيقة الإلهية الخالدة المتفردة وتحت راية الشيخ الخديم t نجد آلافا من الغلمان يحفظون القرءان الكريم وينسخونه بأيديهم وشبابا لا يعرف عددهم إلا الله لا يهتمون إلا بالعلم وتحصيل المعرفة والاسترشاد إلى سواء السبيل بنينا وبنات في ديار الشيخ الخديم t فقط نجد اليوم نساء يحفظن القرءان وينسخونه وليست لهن أية اهتمامات دنيوية إلا ما لا بد منها من الضروريات الحيوية وفيها نجد رجالا أحاديثهم وسمارهم التغني بفضائل المصطفى r وقراءة قصائد المدح فيه وفي ديار الشيخ الخديم t نجد أناسا يحترفون الإنفاق في سبيل الله وإطعام الجائعين لوجه الله لا يريدون منهم جزاء ولا شكورا وفيها نجد علماء ينذرون أنفسهم للتعليم والإقراء كذالك وهل هناك خدمة للرسول أجل من تلك ؟ كلا ! وإذن حق للشيخ الخديم أن يقول:
فرحته بخدمة لا ثانيه
لها من الخدم ليست فانيه
من ظن أنه يكون أبدا
يرضيه بالذي كخدمتي بدا
نفيت ظنه بأنني الخديم
بما ونى عن مثله كل خديم
وهذه الخدمة لاشك كانت مصدر سرور وفرح وبشر للرسول r ولكل المسلمين المخلصين الذين تهمهم رفعة الإسلام وإعلاء كلمة الله U في الأرض وهداية الخلق إلى المحجة البيضاء:
على الذي قد سره إخدامي
له مقدما على الخدام
وقد له من خدمي سرورا
يا واهبا وهب لي برورا
واكتب له في كل ما مني صدر
من خدم حلاوة بلا كدر

دعا مدادي قضا حاجي لخدمة من
تبشيره ضرر الأعداء أنسانا
وقد بينا كيف كانت خدمته في تجديد السنة وبعث روح الإسلام الأصيلة وهنا نبين كيف خدم الرسول r في المدح والصلاة والمحبة.
المدح
وفي ميدان المدح قد التزم كل سنة للنبي بأبيات يتيمات وقصائد فريدات:
من ذا التزمت له في كل ما سنة
دين امتداح بأبيات غريبات
قد التزمت له في كل ما سنة
ما دام عقلي يعي دين الهديات

للمصطفى الكريم في كل سنة
علي أمداح ترى مستحسنة
لك علي المدح كل عام
من يومنا هذا إلى حمامي
لك علي دين مدح وصلاه
وبهما أرجو رضى معطي النجاه

يا أكرم الخلق إني خادم لك ما
أحيا بمدح وذب بالقصيدات
ولم يكن يتصور إمكانية التخلي عن مدح النبي عاما كاملا في حين أن مواهبه عليه وعلى الإنسانية جمعاء لا تنقطع ولا لحظة واحدة:
فكيف أترك عاما شكر واسطة
أثنى الوسائط طرا والوسيلات
وكل عام توافينا مواهبه
بل كل وقت يواسيني بمنات
ومن هذا الوعي بالواجب وهذا الالتزام برد الجميل وأداء الدين جاءت أمداحه خالصة لوجه الله نزيهة من الشوائب التي كانت تخالج أمداح الشعراء من الاستجداء وابتزاز الأموال الطائلة:
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت
يدا زهير بما أثنى من أبيات
بل امتدحتك يا مولاي مبتغيا
منك الرضى بعد ما تمحو خطيئات
وقد وبخ الشعراء والمداحين على توجيه أمداحهم إلى غير المصطفى r وتملقهم للملوك والأغنياء وأصحاب الجاه:
ضاع ثناء لم يكن مدح النبي
إذ لم يكن لغيره من منقب

فلا ينبغي أن يفوح ذكي
بمدح عجيب لغير سموح
فالذخائر النفيسة والعطايا الجزيلة تكمن في مدح الرسول r .
خير ذخيرة لذي تعبد
مدح النبي المصطفى محمد
وقد أعطى في شخصيته مثالا أعلى للإقتداء في هذا المجال كما في غيره ونستمع إليه يقول:
أمداحه بالنثر والنظام
ما دمت قادرا على الكلام
لحبه لأنه أولى بيا
من نفسي التي بها عذابيا
وقد نزه أمداحه من كل زخارف الشعر الزائفة التي دأب عليها الشعراء الأقدمون في أشعارهم وتبعهم فيها المحدثون الذين استسلموا للتقليد الأعمى فيبدءون قصائدهم بالغزل والبكاء على الأطلال وفي هذا يقول الشيخ الخديم t :
غيبت أنظامي عن التغزل
بدمن لمدح خير مرسل
وقد قسم العام إلى قسمين للمدح والصلاة وقال:
صلاة سته
بمدح سته
تأتيه بته
مع ائتساء
ستة أشهر للمدح نظما ونثرا وأخرى للصلاة كذالك وقد خصص الشهور الستة الأولى من السنة للمدح والأخيرة للصلاة وفي هذا يقول:
على الذي مدحت من رأس الحرم
لسادس الشهور وهو من كرم
مدحت خير الخلق من محرم
إلى انتصاف العام ذا التكرم
كان يبدأ المدح من أول محرم إلى آخر جمادى الثانية ثم ينتقل مع فاتحة رجب إلى الصلاة حتى خاتمة ذي الحجة وهكذا دواليك:
له امتداحي في جمادى الثانية
منه وقاد لي قطوفا دانية
له صلاتي وسلامي من رجب
لختم ذي الحجة نعم المنتجب
هذا وقد أعجز المداحين مدح محمد وحير الشعراء ففضائله بحر لا ساحل له وأخلاقه العظيمة تفوق الوصف وأفضاله لا تعرف العد ولا تقبل الإحصاء:
لكن ونى الدهر عن أمداحه الشعرآ
وني الأصابع عن مس لجرم سمآ

وهو الذي لا أزال الدهر مادحه
حرصا على ذكر ما قد حاز من سير
لا قصد عد الذي قد حاز من شرف
لأن ذالك أعيا كل مفتكر
فكيف يمدحه خلق وخالقه
أجرى امتداحا له في محكم السور
وقد كان مدح الرسول جنته وجنته! نعم جنته عن الأهوال والنكبات وحوادث الزمن وقد كان يلهيه عن أذى الأعداء وعذاب المنفى وينسيه المعانات والمقاسات من الأعداء:
فمدح النبي الكريم العلي
يكف العنا والردى والفضوح

تزيين مدحه إلى حمامي
ترسي عن الأهوال في القيام
وهو جنته لأنه يصفي القلب وينير السبيل ويزيل الظلام والضلال وبالتالي يعصم من النيران ويؤدي إلى دخول الجنة:
يصفي فؤادا عراه الأذى
ويجلوا الصدى والظلام الطموح

مديحه زادي إلى الجنان
وجنتي عن جملة النيران
سوق المدائح إلى الكريم
محمد زادي إلى النعيم
الصلاة على النبي
وقد بين الشيخ الخديم t في كتاباته الشعرية والنظمية أن الصلاة على النبي r فريضة على كل مسلم ومسلمة فالله U وملائكته u صلوا عليه وأمر المؤمنين بالصلاة والتسليم عليه:
الحمد لله الذي يصلي
علي النبي المنتقى المصلي
صلى وسلم عليه الله
في الآل والصحب ومن والاه
وأمر الأملاك أيضا بالصلاه
عليه زائدا بذالك علاه
ثم إلينا وجه الخطابا
تكرما وأنفسا أطابا
وامتثالا لهذه الأوامر الإلهية أوجب الشيخ الخديم t على نفسه الصلاة على النبي r بالدوام والاستمرار وإن خصص الشهور الستة الأخيرة في السنة للتأليف في الصلوات:
فقلت قائلا مع امتثال
أمر جميل جل عن مثال
يا آمرا بأن نصلي على
نبينا محمد باب العلى
إليك مني بشرا مقدمه
في خدمة الذي القديم قدمه
على الذي أعبد ربي المعين
بأن أصلي عليه كل حين
وقد أوضح فضل الصلاة على النبي r وقال:
يا من يقود لمصل مره
عليه عشرا قد تنير بره
يا من يوصل لذي عشر مائه
بجاهه يا من حمى عن سيئه
نعم شفيع من عليه مائتا
صلى احتوى ألفا تفوق فئتا
وهو الذي لمن عليه ألفا
صلى المنى وفي الجنان يلفى
وهذه هي الصلاة على النبي r وأجورها المتضاعفة إلى نعيم الجنة وهو الجزاء الأوفى.
والشيخ الخديم t الذي أوصانا بالصلاة على النبي r خلف لنا مؤلفات خالدة فريدة من نوعها في الصلاة والتسليم نظما ونثرا مثل مقدمة الخدمة ومفاتح البشر ونور الدارين وآلاف غيرها.
المحبة
تفانى في حب محمد وأفنى نفسه فيه وقد ظهرت هذه المحبة اللهيبة في أقواله وأفعاله في أمداحه وصلواته في بعثه لسنة محمد r واقتفاء آثاره وهداية البشر إلى دعوته الإسلامية:
حب نبي المنتقى نور مضر
كرمنا بشرا لبدو وحضر
ثبتني الله على محبته
بجاهه مع دوام خدمته
كان في محمد r سلواه عن الأحزان وعزاءه عند النكبات كان أسوته الحسنة وضالته التي يبحث عنها في كل شيء فلنستمع إليه يصف لنا ببلاغة فائقة الهيام إلى النبي r :
شفاء جسمي وشفاء قلبي
محمد صلى عليه ربي
شفاء قالبي وقلبي من نكال
محمد صلى عليه ذو الحلال
وسيلتي ومطلبي ومنيتي
وجنتي وجنتي وبغيتي
سيدنا محمد أفضل من
مضى ومن يأتي ومن في ذا الزمن

أسلمت نفسي لرب لا شبيه له
مع الذي في فؤادي حبه انكتما

لك يا نبي منازلي ومواطني
ومواضعي لك بالعلي متعوذا

بإمامي وملجإي ورئيسي
وبه سرمدا تول مؤني
كله للرسول فداء وحب محمد r احتل قلبه تماما ولم يترك فيه مكانا لمحبة الغواني أو الأهل والأولاد فهؤلاء جميعا فداء له:
دمي وأهلي وأولادي الفداء له
عبدا خديما له مذ كان لي سندا
ونظن مع الشيخ الخديم t أن محمد أيضا في نفس الدرجة من المحبة واللهفة لخديمه الذي تفانى فيه وفي خدمته فكيف لا وهو الذي استأنف السير من حيث وقف محمد r كخليفة له ووريث:
ظننت وهو عند ظن عبده
أني خله وخل عبده
وأنني حب له وحب
رسوله وحب من يحب
وإن كان الأمر مجرد ظن في بادئ الأمر فإن حق اليقين جاءه من عالم الغيب والشهادة فكتب قائلا:
كتبت موقنا بأن المصطفى
صلى عليه ربه كما اصطفى
خلي وحبي وأبى مضرتي
ورام من رب الورى مسرتي
أفضال الخدمة
إن خدمة الرسول r هي أجل الأعمال وأشرف الأفعال ولها فضل عظيم وجزاء جسيم وقد أفشى الشيخ الخديم t جانبا من هذا الفضل:
قلت وقصدي تحدث بما
لي قاد ولا يريني نقما
دل على كوني خديم المجتبى
صلى عليه ربه كما اجتبى
فوزي بشيء غاب عن سواه
وأن ذاك في الذي يهواه
وأيضا
وهو الكريم الذي لي قاد خدمته
وقاد لي منه سرا يفحم العلمآ
من خدمة الرسول r حاز السر الأعظم الذي أفحم العلمآ وأعجز الخاصة قبل العامة ولا غرو إذن إذا رأينا تأثير الشيخ الخديم t على الجماهير المؤمنة وخاصة الشباب يفوق كل التقديرات وطريقته تستقطب إلى صفوفها كل يوم جماعات وأفرادا فصارت بقية الطرق حولها أقزاما والشيوخ بالنسبة له أطفالا أو عجائز:
فكل من خصه الباري بخدمته
فلا يلاقي سوى البشرى ولم يهن
نعم فكل من خصه الله U بخدمة المصطفىr يحيط به البشر من كل جهة ويفر منه الشر وإن كان الأعداء يتربصون به من كل جانب وإبليس يترصده في الجهات الأربع:
على الذي كوني خديمه ظهر
في البر والبحر ولي قتلي قهر
على الذي خدمته قد صرفت
لغيري العدى معا فانصرفت

الحمد لله الذي أخرجني
من يد إبليس الكثير الفتن
إلى الهدى بخدمة الكتاب
وخدمة المختار ذي الصواب

خدمة خير العالمين جاليه
قاليني فالدور منه خاليه
كما أن خدمة الرسول مطهرة من العيوب ومصفية للقلوب:
خدمته عني العيوب أذهبت
ولي استقامة وصفوا وهبت
وقال أيضا:
صفى بقائي كونيا
خديم مبق عونيا
بمن أدام صونيا
به عن المكدر
وقال أيضا:
خدمة خير العالمين أحمدا
عليه تسليما كريم حمدا
فرحت القلب ونفسي طيبت
وبمكارهي لغيري ذهبت
خدمة الرسول تمنع الشقاوة وتمنح السعادة كما قال:
على الذي خدمته قد زحزحت
لغيرنا شقا وفوزا منحت

بخدمتي أفوز عند موتي
كما به أدرك عند فوتي
خدمة الرسول ميسرة لكل عسير وموجبة للعطايا:
يسر لي الله بخدمة المكين
كل عسير راضه كن فيكون

فمن يدم قصد وجه الله خدمته
فإنه سوف يحظى بالعطيات
ومع ذالك يبقى السر العظيم الذي قادته الخدمة للخديم غائبا عن الخلق يفحم العلماء ويحير الجهلاء إلى يوم الحشر:
خبأت كوني عبد الله خادمه
وكونه لي يوم الحشر والدين


الشيخ الخديم والاستعمار
حين اقتحم الاستعمار الفرنسي وطننا غازيا واجتاح أقاليمنا غاصبا وسحب وراءه الإرساليات الكاثوليكية مبيتا القضاء على الإسلام هب مجموع الشعب السنغالي بملوكه الأشراف وأبنائه الأباة لمقاومته باستماتة مدافعين عن وطنهم العزيز وذابين عن الأهل والممتلكات والأراضي الغالية وبذلوا النفس والنفيس في سبيل الحرية التي تعتبر عند السنغاليين خاصة والإفريقيين عامة أعلى قيمة إنسانية بل هي الإنسانية ذاتها.
وقد كان عدم التوازن العسكري فاضحا حيث كان الاستعمار الغادر يتسلح بأسلحة حديثة نسبيا تسيرها علوم عسكرية متقدمة كذالك بينما كان مواطنونا الباسلون يردون على هجمات المستعمر الشرسة بأسلحة تقليدية متخلفة صنعت في معظمها محليا كما كانوا جاهلين تماما بالتكتيكات والإستراتيجيات الحربية التي كان يضطلع بها خصومهم وبالرغم من ذالك استطاعوا تكبيد المستعمرين خسائر فادحة في الأرواح والأموال وكتبوا بدمائهم الزكية في سجل التاريخ أمجادا وبطولات رائعة وانتصارات عظيمة على الأعداء بعد أن خلفوا في أرض المعركة شهداء ضحوا بحياتهم في سبيل المثل العليا للإنسانية مثل الحرية والشرف والكرامة والاستقلال.
وكانت للمستعمرين الغرباء الغلبة المؤقتة فاستولوا على البلاد لينهبوا ثرواتها ويستغلوا بنهم مواردها البشرية والطبيعية ولينتهكوا حرمات المواطنين بفظاعة وليفرضوا على الشعب حكم الحديد والنار ولم يكن الدين بالطبيعة في مأمن من هذه الهجمة الاستعمارية التي كانت من أهدافها قلع جذور الثقافة العربية الإسلامية المتأصلة في البلاد أو على الأقل الإبقاء على شكلها واستئصال نواتها وأساسها الحقيقي الذي يشكل مصدر إلهام وإشعاع للمواطنين الذين يستمدون الشجاعة والشهامة من الدين وقد استخدم الاستعمار كل أنواع الأسلحة ضد المسلمين من إرهابهم وتهديد الزعماء ونفي الشيوخ الأمر الذي أدى إلى أن يقف بعض الشيوخ ورجال الدين موقف المهادن من الاستعمار ليسلموا من شروره المباشرة ويستطيعوا ممارسة شعائرهم الدينية بحرية ولو تطلب ذالك المراوغة والممالاة والموالاة والإدلاء بشهادات الزور وبتصريحات تحبذ الاستعمار وتمدحه بغض النظر عن تنافي هذا الموقف مع مبادئ الإسلام ولم يكونوا يدركون أن السيطرة الاستعمارية على البلاد وتمكن البعثات التبشيرية على بث نفوذها وسمومها في أوساط الشعب إنما هي إعلان حرب صليبية على الإسلام والمسلمين ومصادرة لحقهم في الدعوة للإسلام ونشر تعاليم القرآن الحقيقية.
ولكن الشيخ الخديم t بإيمانه الذي لا يتزحزح بالله واقتناعه المطلق برسالته الإسلامية التي يجب عليه أن يؤديها أو يستشهد في سبيلها وهو الذي وقف متحديا الاستعمار بمضيه قدما في سبيل نشر الإسلام وإشاعة تعاليمه بالتعليم والتربية والتهذيب والإرشاد رافضا مداهنة الاستعمار وفي هذا يقول:
ولا أداهن ذوي التنصر
إن شاء من يمن بالتبصر

لي اشهد بأني لا أداهن مشركا
خليلا حبيبا للذي كرم الجنبا
وكانت عداوته المتأججة للاستعمار مستلهمة من وحي هذه الآية وأمثالها )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ( .
ولم يضل شيخنا الخديم t سواء السبيل ولم يحد عن جادة الحق وقد أبى إلا أن يصدع بما يؤمر وكان رد الفعل الغاضب من الاستعمار أن قرر نفيه.
أسباب نفي الشيخ الخديم
إن أسباب نفيه متعددة ومتداخلة وهناك أسباب مختلفة تشبث بها الاستعمار كذريعة لتحقيق أغراض خفية وذالك باتهامه بالإعداد لشن حرب على المستعمرين وإقامة سلطة دينية في البلاد. والحقيقة أن الشيخ الخديم t وإن أراد تحقيق حكم الإسلام في البلاد وإنزال عدالة السماء محل اضطهادات سلاطين الأرض فإنه لم يكن يرى في ذالك الوقت أن الحرب وسيلة ملائمة لإنجاح هذه العملية وقد أعلن بدلا من ذالك الحرب على النفوس والأهواء والانحرافات والمعتقدات الباطلة والتقاليد الفاسدة وبعبارة أخرى أراد خلق مناخ إسلامي سليم وتكوين رجال يؤمنون بربهم ويعون واجباتهم تجاه ربهم وإخوانهم المسلمين وتجاه الوطن وفي تربية الشباب المسلم على القيم الإسلامية الصحيحة والمثل العليا وتبصير الناس بخطر الاستعمار والتبشير الذي يهدد كيانهم ولذالك عرف ببغضه الشديد للفرنسيين المستعمرين وكل ما يمت إليهم بصلة من قريب أو بعيد وكان ضد نشر الثقافة الفرنسية والحضارة الأوروبية في حساب الثقافة العربية والحضارة الإسلامية ومن هنا نفهم كراهيته الشديدة للغة الفرنسية ومعارضته لتبديل اللغات الوطنية بها وخاصة الولوفية التي يتكلمها جل السنغاليين.
وكان المستعمر يعرف أن سيطرته على البلاد لا يمكن إحكامها وجمع زمام الأمر في يده دون التخلص من هذا الشيخ الذي يحظى بشعبية متعاظمة ويحاط بحب وتقدير منقطعي النظير من أتباعه المتزايدين المتوافدين عليه من كل حدب وصوب وفي كل مكان يتواجد فيه في داخل السنغال. كما كان الاستعمار يعرف أن تمسكه الشديد بتعاليم الإسلام وهدايته للناس إلى الصراط المستقيم سيحولان دون انتشار الدعوة المسيحية في البلاد وبالتالي ستحدث مراكز قوى حصينة ومنيعة في البلاد لا يقتدر المستعمر على النفوذ إليها وفرض إرادته عليها تلك المراكز هي الطريقة المريدية الناشئة التي تجذب إلى صفوفها جماهير غفيرة كل يوم أعجبت بزعيمها ووطدت ثقتها فيه.
وكان بعض المواطنين الذين باعوا شرفهم للاستعمار وفقدوا ضمائرهم يقومون بالوشاية ضد الشيخ الخديم t لدى الحكام المستعمرين زاعمين أنه يجمع السلاح ويجند المحاربين لمباغتة الفرنسيين وقد جرت في هذا الشأن مكاتبات متبادلة بين الشيخ والحاكم العام في مدينة *اندر* وهذه رسالة للشيخ إليه : { بسم الله إنه من محمد بنب، السلام على من اتبع الهدى إلى أمير *اندر* أما بعد فاعلم أني لا أكتب ولا أقول بلساني ما لم يكن في قلبي فاليوم لا تسمع كلام من يطلب الدنيا بالنميمة والافتراء والكذب والخيانة في، وأما عدم مجيئي إلى *اندر* فما أوجبه شيء يوجب سوء ظنك بي وأحسن ظنك بي وإني لا أطلب من الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد إلا السلامة والعافية وعبادته تبارك وتعالى بسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه بآله وصحبه وسلم وبارك ، فمتى رأيت كتابي هذا الذي كتبته بيميني فطب نفسا وقر عينا ولا تلتفت إلى من يفسد بيننا فمن قال لك إني مخالف لسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه بآله وصحبه وسلم وبارك في كل ما يليق بي, فليكن في كريم علمك أيها الأمير أني لا يخالف قولي فعلي وأني عفوت عنك وعن جميع من والاك فلا تلتفت بعد هذا الكتاب إلى واش ولا إلى حاسد والسلام على من اتبع الهدى }.
يمكن أن نستخلص من هذه الرسالة :
1ـ أن هناك ساعين بالوشاية والنميمة ضد الشيخ الخديم t لدى السلطات الاستعمارية ومروجين لأخبار كاذبة بدافع الحسد والحقد أو بغرض الحصول على جوائز مالية ضخمة وقد فضح الشيخ الخديم t في هذه الرسالة أمرهم بما من شأنه أن يجعل المستعمر يقتنع لو لم يكن هناك غرض آخر مخفي.
2ـ بين الشيخ الخديم t للمستعمرين وللتاريخ أن شغله الشاغل هو عبادة ربه والإقتداء بنبيه متبعا سنته التي لا يخالفه داحضا بذالك حجج خصومه الواهية الذين حملتهم الغيرة على مكاناتهم الاجتماعية على اتهام الشيخ بمخالفة السنة النبوية وليس أدل على نفاقهم وبطلان افتراءاتهم من توجههم إلى النصارى المستعمرين باتهاماتهم هذه ! وهم لا يرضيهم إلا هدم الإسلام من أساسه.
3 ـ أن الشيخ الخديم t لصفاء قلبه وحسن نيته ووثوقه بالنصر عفا عن الاستعمار والموالين له وهم الخونة السماعون للكذب الأكالون للسحت راجيا ببراءته أن تنتهي المهزلة إلى هنا ولكن المستعمر العنيد تمسك بمزاعمه الباطلة مردفا اتهامه بالجهاد اتهاما آخر للشيخ الخديم t بأنه يطمع إلى السلطة والملك وليس هناك أبعد عن الحقيقة من هذا الاتهام المجرد من الأساس وقد رد عليه الشيخ ردا مفحما بهذه الرسالة : { بسم الله الرحمن الرحيم إنه مني إلى أمير *اندر* ومن جرى مجراه السلام على من اتبع الهدى. هذا وإني حامد لله تعالى وشاكر له I على ما عاملتني به من الإكرام في اندر وبعد خروجي منها فبذالك أعلمك ما في قلبي:
اعلموا بأن الذي تطلبونه من الدنيا لا حاجة لي فيها وأن الذي أطلبه من الآخرة لا حاجة لكم إليها واعلموا جميعا بأني تركت دنياكم معكم متوجها إلى الله تبارك وتعالى فلتطب نفوسكم ولتقر أعينكم بأني لا أنازع أحدا في شيء من الدنيا وكل من أتاكم بغير هذا الكلام في شأني فاعلموا أنه كاذب ومفتر ولا تلتفتوا إليه أبدا. والسلام على من اتبع الهدى }.
إنه إصرار على اختلاف الأهداف والأغراض التي يسعى إليها كل من الشيخ الخديم t والمستعمر وأذنابه فجهته الله ومقصده الآخرة بالعبادة والخدمة ونشر تعاليم القرءان والسنة وهداية الناس, وغرض المستعمر وأذياله الدنيا والمال والسلطة و هو لا هم له بهذه التفاهات الدنيئة وهم لا صلة لهم بتلك الأهداف السامية فعلى الاستعمار أن يرفع يده عن الشعب و يعود إلى حيث أتى مخليا سبيل الشيخ للعبادة والتربية والإرشاد ولكن مطامح الاستعمار الجائرة أبت إلى أن تصطدم بعزيمة الشيخ الخديم t الصلبة في الوصول إلى مرامه العالي ولا يمكن أن يتنازل عنه أو يتراجع قيد أنملة لصالح الاستعمار بل سار قدما في سبيله القويم المؤدي إلى الله والرسول وقد وقف الاستعمار أمامه يضع العقبات في طريقه ويفرشه بالأشواك وكان لابد من التصادم.
ومع استمرار الوشايات والمساعي الخائنة ضده أخذت ظنون الاستعمار تقوى وتزايدت تخوفاته من الشيخ الخديم t ومن شبح الحرب التي تهدف وجوده في وقت يتكاثر فيه أتباع الشيخ الخديم t المخلصون له والمستعدون للتضحية في سبيل الله I إذا تطلب الأمر ذلك.
والاستعمار الغادر بطبيعته بعد كل هذا أعد كتيبة حربية لمباغتة منزل الشيخ الخديم t الذي أحاط به جنوده المدججون بالسلاح فأجروا عليه تفتيشا دقيقا وقحا ولم يعثروا إلا على مصاحف وكتب للفقه والتوحيد والتصوف والمدح لخير البرية ومعدات العبادة وباءوا بخفي حنين وفي هذا يقول الشيخ الخديم:
نجيتني من الذين ثلثوا
وفي متاعي وديوري بحثوا
وبالرغم من هذه الحقيقة المرة التي خيبت آمال المستعمر فإنه لم يزل يتشبث بحججه الواهية ولم يرجع عن خططه الرامية إلى نفي الشيخ الخديم t وإبعاده عن البلاد ليخلو له الجو وينفرد في الميدان ليحكم سيطرته على الوطن زاعما أن إخراج الشيخ الخديم t من البلاد كفيل بتشتيت الجماعة التي تجمعت حوله وتقويض البناء المر يدي الذي كان يعمل في بنائه والذي لابد أن يرتفع شامخا وقد رد الشيخ الخديم t على هذه الاتهامات قائلا:
يا جملة قد ثلثوا بضلالهم
من لم يكن ولد له و أو والد
أخرجتموني ناطقين بأنني
عبد الإله وإنني لمجاهد
وظننتم أن المدافع عندنا
والكل منكم ذو قلى و يحاسد
ومقالكم حق فإنه عبده
وخد يم عبد الله وهو الحاسد
ومقالكم أني أجاهد صادق
إني لوجه الله جل أجاهد
إني أجاهد بالعلوم وبالتقى
عبدا خد يما والمهيمن شاهد
سيفي الذي يفرى طلى من ثلثوا
توحيده فهو الإله الواحد
ومدافعي اللاتي بها أنفي العدى
وبها يفارقني عبيد قاصد
ذكر حكيم أحكمت آياته
ممن يزحزح ما يريد المارد
أما رماحي فالأحاديث التي
وردت عن الماحي ونعم الوارد
أما الفروع فأسهم قد حددت
لحد يته إن الفروع شواهد
أما الذي يتجسس الأسرار لي
فتصوف صاف جلاه أماجد
إن كان للأعداء أسلحة بها
خيفوا فأسلحتي ته وأجاهد
وبها يفارقني شرار ثلثوا
وتنازعوا والكل منهم حاسد
ويكون ربي لي أكون موحدا
من لم يكن ولد له أو والد
هكذا كانت مجاهدته بنشر العلم وإشاعة التقوى متسلحا بالتوحيد في مواجهة تثليث النصارى عاملا بأحكام السريعة المستندة على القرآن والحديث متمسكا بالفقه والتصوف بهذا كان يعمل ويعلم ويربى المريدين وهذا هو الجهاد الأكبر والأبقى أثرا والأكثر فائدة وقد انتصر على أعداء الله دون إراقة الدماء البريئة ووصل إلى تحقيق أهدافه مؤديا بذالك رسالته الإسلامية تجاه الخلق أمام الله وبشهادة التاريخ.
وكان المريدون يفضلون الحرب على المستعمرين حتى النصر أو الاستشهاد لكي لا يغادر الشيخ الخديم t البلاد وقد أورد الشيخ محمد البشير ابن الشيخ الخديم t في كتابه (منن الباقي القديم في سيرة الشيخ الخديم): أن بعض مريديه ذوى الجماعات الكثيرة طلبوا منه الإذن في الجهاد بدل أن يتركهم وراءه إلى منفاه وأضاف الشيخ محمد قائلا: { وهم إذ ذاك ليسوا بدون من جنود الملك مع أن جل عسكره في قلوبهم الخيانة لينصروا الشيخ } وذلك يعني أن أسباب الانتصار للشيخ الخديم t كانت متوفرة وشروط الغلبة العسكرية متهيئة فالتفوق العددي للمريدين ظاهر والإخلاص والصدق والعزيمة متميزة والاستعداد الروحي للتضحية بالنفس أو النصر تام ومعظم جنود الاستعمار من السنغاليين كانوا يكنون الولاء للشيخ ويبيتون الخيانة للاستعمار ومع ذلك فقد رد عليهم الشيخ في حزم وثـقة قائلا: { إني لا أرجو صديقا ولا أخاف عدوا وزمامي في يد الله !! }.
الأسباب الحقيقية للنفي
إن الأسباب الخفية وراء نفي الشيخ هي من جانب الاستعمار صلابته في دينه ورفضه البات للتصالح مع الاستعمار وتمسكه الشديد بموقفه الأبي دون التنازل أو التراجع وقوته الروحية الجبارة وإرادته التي لا تقهر وشعبيه المتنامية حيث تتوافد عليه الجماهير صباح مساء وهي متأهبة للدفاع عنه بكل ثمن.
وأما من جانب الشيخ فقد كان يتوخى الفرصة المواتية للقيام بمثل هذا السفر الذي يتيح له العزلة والتفرد لعبادة الله I وخدمة الرسول r بعيدا عن الجماهير التي كانت تتراص في صفوف طويلة لمصافحته أو إلقاء النظر عليه ولو من بعيد للتبرك و الزيارة وكثيرا ما كان الشيخ يلمح في أحاديثه إلى هذا السفر وقد ظن الناس أنه يريد الحج بذالك.
وقد جاء في كتاب الشيخ محمد البشير t المذكور آنفا أن الحاكم الفرنسي لوكه الذي كان السبب المباشر في إخراج الشيخ والذي أصبح حاكما في غابون حينما نفي الشيخ إليها قال لقومه: { إن هذا الرجل كان في حكمي وإنه كان جليلا في أرضه كثير الأتباع فاعرفوا له حقه ولا توجهوا إليه الأذى أو الإهانة فإنه لم يعمل شيئا ولم يعارض قانونا ولا دخل في السياسة إنما كان ما نقم عليه صراحته في دينه وشدة ظهوره من إقبال الناس إليه أما هو فليس في شيء من الفساد وأمر الدنيا } يعترف هذا الحاكم بأن الشيخ لم يكن له دخل في السياسة ولا في شأن من شئون الحكم وإنما كان ذنبه الوحيد هو تمسكه الشديد بدينه وقوته الطاهرة التي أذهلت الاستعمار من تقاطر الناس إليه وإخلاصهم له كما يقر بنزاهة الشيخ وزهده في الدنيا.
وينبغي أن نذكر أن الاستعمار هو الذي بدأ أولا بإعلان الحرب ضد الشيخ الخديم t ومناصبته العداء بعد أن اقتنع الأول بأن نشاطات الأخير الدينية بتوعية الجماهير وتجميع شمل الشعب حول كلمة الله العليا: لا إله إلا الله له الملك في الأرض والسماء ــ اقتنع الاستعمار أن نشاطاته هذه لا تخدم قضية الاستعمار بل سوف تفشل مهمته التخريبية وهذا العداء الاستعماري للشيخ الخديم جعله يتصلب ويشدد مواقفه المعادية أصلا وأساسا للمستعمرين النصارى ويكثف عمله الإرشادي في صفوف الشعب وهذا حاكم آخر في جربل كان مكلفا من قبل الحاكم العام في *اندر* بمراقبة الشيخ الخديم عن كثب ومباغتته في داره في أي وقت يشاء ليلا أو نهارا لمعرفة حقيقة أمره ــ كتب هذا الحاكم في تقرير له على الحاكم العالم ما يلي: ( إن في هذا الشيخ قوة غير مكتسبة ولا تدرك العقول ماهيته في التسلط على العواطف وإن طواعية الخلق له خارقة للعادة ومحبتهم إياه تعميهم وتصمهم كأنه نور نبوة وأمر سماوي كما نقرأ في قصص الأنبياء[u] مع أممهم ) ثم قال: { إلا أن هذا من سلامية الصدر وطيب الخاطر وحب الخير للعدو والصديق بمكان يحسده عليه كل متقدم مهما كانت فضيلته وتقواه وكمال قبوله في البرية فأظلم الناس وأجهلهم بحقائق الإنسان أولئك الذين رموه بما هو بري منه من التهم وحب الظهور وتمني الملك فأنا أعرف أن لأنبياء [u] والأولياء الذين جاهدوا كلهم ظهروا بضميره ولم يتهيأ لهم من القوة نصف ما تم عند هذا الشيخ من القوة }.
شهادة عدو آثر الصراحة والصدق على تلفيق التهم واختلاق الأكاذيب فقد شهد حاكم جربل ببراءة الشيخ t كما أقر بقوته الروحية غير المكتسبة والتي تفوق كل التقدير فهو قوة الأنبياء والرسل بل إنها تفوق هذه القوى كلها ورغم هذه الشهادة المبرئة لساحة الشيخ من أعدائه إلا أنه ظل في إقامة جبرية بعد نفيه مرتين إلى غابون وإلى موريتانيا الأمر الذين يدل بوضوح على أن الذرائع التي تستر بها الاستعمار لنفيه لم يكن في الحقيقة الأسباب الخافية التي دفعت إلى ذلك والتي هي تخوفهم من قوته الروحية والمادية الهائلة وقوة تأثيره على الجماهير المنجذبة بدون خوف من أية سلطة ولا اعتبار لأية قوة غير قوته الله وهذا لابد أن يسبب الفشل لكل المشروعات الاستعمارية في البلاد بالإضافة إلى قلق الملوك والسلاطين والعداوة التقليدية لزعماء بغض الطرق الصوفية الأخرى للشيخ الخديم t الزعيم الديني الذي اصطفاه الله وارتضى به الشعب كهاد ومرشد إلى الصراط المستقيم.
والاستعمار نفسه فند أقوال الوشاة وادعاءات الخونة ووقف على حقائق لا تقبل الشك في شأن الشيخ الخديم t ولكن المستعمرين كانوا يعتقدون أن عزله عن الناس ونفيه إلى الجزر النائية يضمن لهم الأمان والاطمئنان في البلاد ويبدد خوفهم من نفوذه المتصاعد في الجماهير كما يكفل لهم تفريق الجماعة التي تكونت حوله ولكن الشيخ الخديم t رحب بنفيه كوسيلة للعبادة الصافية والخدمة المتأنية بعد أن تيقن من التزام الجماهير بالسير في طريقه وإخلاص المريدين له ولله I ورسوله r لأنه كان يؤمن بنصرة الله له ولشعبه المسلم على أعداء الله والإنسانية وفي الترحيب بنفيه يقول:
بايعت خير المسلين ذا اغتراب
ناوي هجرة ونصر كالصحاب
لا تحسبوني عندكم أسيرا
لا يرتجي وليا أو نصيرا
من ظن أني غير عبد الله
وغير خادم النبي فساه
وقد خاطب الذين جاءوا لوداعه وقت السفر قائلا: ( اجتهدوا في الطاعة فلم أذهب إلا لخدمة قمت بها وصلاحها في هذا السفر وسأرجع إليكم ) ثم توجه إلى أصحاب الظنون الآثمة الذين فسروا وأولوا سفره بما زينت لهم نفوسهم المريضة وقالوا بأن الشيخ أسير لدى المستعمرين وأنه ذهب بلا رجعة زاعمين أنه سوف يكون فريسة هينة في أيدي الاستعمار الذي كان يتربص به وبكل الوطنيين الشرفاء ورجال الدين المخلصين وقد توجه الشيخ الخديم إلى هؤلاء قائلا:
من ظن أني لغير الله مرتحل
أو لسوى المختار في سفري
صلى عليه بتسليم بشيعته
من كونه لي أغناني عن النفر
حتى يبارزني بالسيف ذا سفه
وبالمدافع ذا حقد وذا غدر
فالله يخذله والخلق تعذله
والعار يقتله بالخزي والكدر
والله ينصرني والخلق تتبعني
في البر والبحر ذا نفع بلا كدر
كان هذا بمثابة إنذار أولي لأعدائه الذين كانوا يعدون العدة لمبارزته بالسيوف ومقارعته بالمدافع مدفوعين بالحقد والضغينة والسفه والسطحية في التفكير واتخاذ القرارات ــ كان إنذارا لهم بالعواقب الوخيمة التي كانت تنتظرهم من الهزيمة ومن الاستنكار والمقاومة الشرسة من جماهير المريدين والمسلمين المخلصين تلك الجماهير التي أحاطت الشيخ بالولاء والوفاء والمحبة وواجهت الاستعمار بالكراهية والمقت والاستخفاف إلى يومنا هذا.
نفيه إلى جزيرة مايومبا
لهذه الأسباب الظاهرة والخفية أصر الاستعمار على إبعاده عن وطنه وأهله وعن مريديه وأتباعه المخلصين محاولا بذالك إطفاء نور العلم والإيمان الذي يشع منه إلى خلق الله U في السنغال هادفا إلى خنق الطريقة المريدية التي أنشأها لتنقية الإسلام من الشوائب التي تسربت إليه عبر العصور وتطهير الشريعة من بعض الممارسات التي تتنافى مع روح الإسلام وليعطي للمريد كرامته ويرد إليه شرفه كإنسان قوي يشعر بتفوقه الروحي والمادي على المنافقين والمشركين الذين ينقصهم الإيمان بالله I والأمل في نصرته العاجلة والآجلة وليكون إنسانا مريدا عازما صارم الإرادة ونافذ العزيمة يتصرف بوحي من دينه وضميره وبوعي لواجبه الإسلامي والإنساني لا يخاف إلا الله ولا يرجوا إلا له, لا يحب ولا يكره إلا في الله يتوئم العبادة بالعمل ذالك هو الإنسان المريدي الذي تخرج من مدرسة الشيخ الخديم t للتربية والتعليم فالسمات المميزة للمريدين الصادقين الملتزمين بتعاليم الشيخ هي أنهم يعشقون العبادة ويحبون الكدح والخدمة ويتفاضلون في البذل والعطاء ويتعاونون على البر والتقوى متماسكين في الله كالبنيان المرصوص سائرين وراء الشيخ الخديم t متتبعين خطواته الصائبة متراحمين متواقرين.
وهذا هو البناء الإسلامي المؤسس على التقوى الذي استهدفه الاستعمار عن طريق إخراج الشيخ من البلاد ومحاولة فصم العروة الوثقى التي تربط المريدين بالشيخ الخديم t وهي لا تنفصم أبدا كما أكد ذالك الزمن وحوادث التاريخ.
وقد قصد الاستعمار إلى جانب هذا تغريبه وتعذيبه لكي يتراجع أو يراجع موقفه وهيهات هيهات أن يحدث ذالك فالتغريب تقريب له إلى الله U:
من يلقني في البحر روم غربتي
فزادني من الإله قربتي
ومن يلقني في البحر روما لغربتي
فلي من إلهي الروض في كل عيلم
استخلاف الشيخ الخديم أخاه إبراهيم
حين أزمع الشيخ الخديم t على السفر استخلف أخاه إبراهيم المشهور ب ( مام تيرنو براهم ) في قيادة المريدين وإرشادهم وتربيتهم وتعليم الصغار منهم كما عهد إليه بتعليم ابنيه محمد المصطفى ومحمد الفاضل الخليفتين الأول والثاني بعد وفاة الشيخ.
والشيخ إبراهيم t هذا أخ للشيخ الخديم من أبيه وقريب له من جهة أمه والشيخ الخديم هو الذي أقرأه القرآن وعلمه العلوم العربية والإسلامية ورباه تربية صوفية متكاملة ورقاه إلى أعلى مراتب الولاية ثم قربه إليه وجعله مستشاره الخاص وعضده الأيمن يساعده في تسيير شئون الطريقة وينوب عنه في الأمور الدنيوية وقد كان موضع ثقته الكبيرة ومستودع أسراره الدينية والدنيوية وقد أكد الشيخ الخديم في كثير من المناسبات هذه الثقة غير المتناهية وليس أدل على ذالك من استخلافه في تولي أمور الطريقة أثناء غيابه الطويل في المنفى وقد كتب الشيخ الخديم مشهدا التاريخ أنه رضي عن أخيه إبراهيم رضى لا سخط بعده وأن أخاه إبراهيم لم يفارقه في صغره وكبره ولم يخالفه في شيء نعم فقد كان الشيخ الخديم طيعا في يد الشيخ الخديم يقتفي آثاره وينفذ أوامره كما كانت تصرفاته وأخلاقه وصفاته مستمدة من أخلاق الشيخ الخديم وصفاته فقد كان زاهدا في الدنيا متواضعا متبحرا في العلم متقيدا بالشريعة غيورا على الإسلام محبا للعمل والخدمة يرشد الناس ويربي مريديه على احترام حدود الشريعة والعمل بتعاليم الشيخ الخديم يواظب على التعليم والإقراء وقد كان عازما وحازما شجاعا لا يخاف إلا الله I ولم يكن يعرف المجاملة في تطبيق أوامر الشريعة الإسلامية.
ولهذا لم يكن إسناد هذه الخلافة إلى الشيخ إبراهيم t أمرا ارتجاليا وإنما كانت له أسباب وجيهة وكان أمرا يفرضه منطق الأشياء وتتطلبه خصوصية العلاقة بينه وبين الشيخ الخديم وقد كان الشيخ الخديم t يعده لمثل هذه المسئولية كما كان متوقعا من جميع المريدين كبارهم وصغارهم ولذالك التفوا حوله وساروا وراءه يتلقون منه الأوامر وينفذونها كواسطة بينهم وبين الشيخ الخديم t الذي كان تصله أخباره من المنفى من حين لآخر وبقيادة الشيخ إبراهيم الحكيمة والرشيدة للمريدين فشلت كل مخططات الاستعمار في تشتيت جماعة المريدين وتفريق كلمتهم فغاب الشيخ الخديم t مطمئنا على من خلف من ورائه وما خلف.
وقد قال الشاعر الحساني الحاج محمد عبد الله بن عبيد الرحمن العلوي في هذا الموضوع هذه الأبيات البليغة:
وحين أزمع الخديم السفرا
والصيد كل الصيد في جوف الفرى
أبقى يدبر الرضى الفهيما
أموره أخاه إبراهيما
فوضع الأمر على محله
موفقا في شده وحله
في كل ما يريده تأنى
وفي التأني نال ما تمنى
فأسكن العيال في الديور
يغمرهم من تلكم الخيور
وما ونى عن حمل ذاك الكل
يعمهم منه ائتلاف كلي
يعطي أخا الحقوق منهم حقه
لله ذاك العقل ما أدقه
يحمد كل منهم سريرته
ولم يذموا سيره وسيرته
كبيرهم يجله اعتناء
ويرحم النساء والأولادا
ربى المريدين وأقرأ البنين
النجباء الأذكيآ تلك السنين
فما أتى الخديم إلا وهم
كهمه قد برعوا وشهموا
لله در الشيخ إذ أبقاه
يدبر الأمور واتقاه
لو لم يكن لأمره ارتضاه
ما سله له ولا انتضاه
وفي صباه الخادم الأواه
بدر الدجى إليه قد آواه
وبعد ما أقرأه رباه
فحاز ما قد حاز في صباه
وإذ أتى دور الهنا واليها
أدى الأمانة إلى أهليها
ثم بنى الدار التي بها قضى
في سرة الأرض الهمام المرتضى
من رحمة الله عليه عدها
لوجهه من كل بر قدما
فدفنوا خير جواد معطي
بداره الفيحاء دار المعطي
لا غب وكاف الغمام أرضا
ثوى بها هذا الهمام الأرضى
ما بينها وبين طوبى إن ترد
مقداره يقرب من (باء) برد
وكما كان تعيين الشيخ الخديم t لأخيه الشيخ إبراهيم t متوقعا من جميع المريدين كان كذالك لدى السلطات الاستعمارية فهو الذي بعثه الشيخ الخديم ممثلا شخصيا له إلى الحاكم العام الفرنسي في *اندر* حين استدعى الشيخ للمثول أمامه والرد بنفسه على أسئلته وكان الشيخ إبراهيم t خير رسول وأفضل ممثل لأخيه الأكبر فأدى الرسالة أحسن أداء وإثر عودته من *اندر* توجه الشيخ الخديم t للقاء الحاكم الاستعماري ومن هنا إلى منفاه.
وكانت هذه البعثة إعلاما للمستعمرين بأن الشيخ إبراهيم t هو المرشح لخلافة الشيخ الخديم إذا تم نفيه.
مسئوليات الخلافة
كانت مسئوليات الخلافة جسيمة وثقيلة وقد حددها الشيخ الخديم t بدقة في رسائل بعث بها إلى أخيه وخليفته أثناء خدمته في المنفى ويمكن إجمالها كالآتي:
1ــ قيادة المريدين وإرشادهم إلى الصراط المستقيم.
2ــ تحفيظ الصغار القرآن الكريم وتعليمهم العلوم الإسلامية وتربيتهم.
3ــ تربية النساء على القيم الإسلامية وتعليمهن واجباتهن الدينية.
4ــ إمامة الناس في المسجد وإفتاؤهم في شئون دينهم.
5ــ إعانة المحتاجين وإعطاء المحرومين.
ونظرة فاحصة إلى هذه الرسالة التي كتبها الشيخ الخديم t إلى أخيه إبراهيم t تؤكد لنا صحة هذا القول: {والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وقد وصل الأرز وسكر المسلمين إلي فاليوم اشتغل بإدامة الأوراد والنوافل, ومر جميع التلاميذ بالاجتهاد فيما بينهم وبين ربهم [U] وليتركوا غير ذالك, ومر أكابر التلامذة بالمكث عند ديورهم بلا دوران فمن له حاجة فليسر إليها ومن لم تكن له حاجة فليمكث في محله, ومر النساء بالاجتهاد في الصلاة وفي غيرها من جميع ما استطعن من الخير ومر الصبيان بالاجتهاد في تلاوة القرآن حفظا. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته}.
هذه كانت مهمات الشيخ إبراهيم المسنودة إليه من أخيه الشيخ إبراهيم t كما حددناها من قبل ومن الواضح في الرسالة أن الشيخ الخديم t لم يكن يحبذ تجوال كبار المريدين ودوران الشيوخ على المريدين لجمع الهدايا وجباية العطايا وإن أصبحت هذه الممارسة تقليدا معروفا ومعهودا اليوم كما أنه صرح بالمواظبة على الصلاة في أوامره للنساء بالقيام بكل ما استطعن من فعل الخير والبر وذالك لأهمية الصلاة القصوى ولاعتياد النساء على إهمالها وفي رسالة أخرى له إلى الشيخ إبراهيم t حثه على أن يأمر النساء بالاجتهاد في الصلاة والقراءة ومن هنا نفهم أهمية تعليم النساء القراءة والكتابة وواجباتهم الدينية وقد كان نساء الشيخ الخديم t وبناته يقرأن ويكتبن ويتفقهن في الدين فكن أمهات مثاليات وربات بيوت صالحات قانتات عابدات مؤمنات مسلمات ذاكرات الله I كما كن مصلحات اجتماعيات يتحملن مسئوليات عظيمة تجاه أسرهم وتجاه المجتمع والطريقة المريدية.
وواجبنا اليوم مواصلة هذه التربية الصالحة للبنات بتعليمهن وتنشئتهن على القيم والمثل الإسلامية والتقاليد الحسنة المتوارثة دون أن نتركهن أميات جاهلات يقعن فريسة سهلة للقيم السيئة المستوردة والانحرافات الخلقية والعادات الاجتماعية التي تستنكرها الشريعة السمحة وتضر بهن وبالمجتمع الكبير.
هذه هي الرسالة الثانية وهي في قصرها وإجمالها شاملة وكاملة: { الحمد لله على كل حال والسلام على باب الكمال ومن اقتفى آثاره من الرجال هذا وإنه إلى المريد الصادق والأخ الرائق إبراهيم سلام تام وإكرام عام موجبه أن تعلم بأني على خير وعافية, وبأني آمرك بالاجتهاد في التعليم والتعليم وفي المسجد ومر النساء بالاجتهاد في القراءة وفي الصلاة وفي الجلوس في بيوتهن }.
وقد أرسل إليه الشيخ الخديم t رسالة أخرى رسم له فيها طريق النجاة وحدد له الصفات التي يجب التحلي بها كمريد وكمرشد وقائد لجماعة مسترشدة وهذا نصها: { من عبد الله تعالى خديم المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم أحمد بن محمد بن الحبيب الغني بالله تعالى عن كل رب وكل طبيب إلى أخيه الذي لم يخالفه في صغره ولا في كبره إبراهيم ابن والدي محمد سلام يرقيه ومن معه من المريدين وتحية تصفي صدره وتيسر أمره, أما بعد فقد وصلت إلينا الهدية فأجيبك بحروف قوله تعالى { وأنذر الناس } راجيا من الله تبارك وتعالى أن تكون هذه الأبيات من نور الله تعالى الذي لا يطفأ أبدا إن ربي لسميع الدعاء:
وصية تكثر العطايا
لكل من يجتنب الخطايا
أوصيك بالعلم والأعمال
مع التأدب على الكمال
نظف فؤادك من الأدران
تكن مقدما على الأقران
ذل لإخوانك للنصيحة
تنج من البغضاء والفضيحة
رم التواضع لكل مسلم
تنج بلا تردد من ظلم
إذا أتاك عضدي كتابي
فكرم الكتاب بالمتاب
لين لسانك وقلبك معا
للمؤمنين خير خير تجمعا
ناديتك اليوم بإبراهيما
علم فتى تنفعه تفهيما
أوصيك بالصبر وبالإخلاص
لوجه من لي جاد بالخلاص
سلام ذي الجلال والإكرام
على النبي درجة الكمال
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته}.
ومما لا يشك فيه عاقل أن الشيخ إبراهيم قام أحسن قيام بتنفيذ المهام الذي أوكلها إليها أخوه الشيخ الخديم t وقد أيدت ذالك جميع الشواهد العلمية الملموسة فقد وجد الشيخ الخديم بعد عودته عدد المريدين متضاعفا والصبيان قد حفظوا القرآن وتعلموا العلوم الدينية والعربية والنساء قد استقمن على الصراط المستقيم كما وجد المريدين متمسكين بدينهم متشبثين بالشيخ الخديم t أكثر من ذي قبل وهذه الرسالة التي كتبها الشيخ الخديم t بعد عودته من الدلائل على تنفيذ الشيخ إبراهيم t لمهماته: { السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد فابعث إلي بمريد صغير يحفظ القرآن مع مثليه ليعلموا الصبيان الذي معي وأرسل ثلاثة أتقنوا العلم ليعلموا الشبان الذين معي وليأتوا معا بعد رؤيتك هذا الخط المبارك لك أيها المذبوح بحبنا الذي لا يذبح به إلا سعيد لا يشقى أبدا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته}.
وقد لبى الشيخ إبراهيم طلبه الكريم كما أراد.
وقد أرسل إليه الشيخ الخديم t رسالة إن دلت على شيء فإنما تدل على رضائه بأخيه وامتنانه به وترقيته إلى أعلى مقامات العلى وهي: { متى تقع عينك على هذه الحروف فتيقن بأن كاتبها راض عنك رضى لا سخط بعده أبدا وأنه طالب من الله تبارك وتعالى لك ما يغبطك فيه جميع أمثالك فطب نفسا وقر عينا ولا تشك في كون هذا من ربك إليك بواسطتي والله على ما نقول وكيل }.
يوميات الرحلة
في العاشر من شهر أوت 1895 م الموافق 4 صفر 1313 هـ خرج الشيخ الخديم من داره في قرية امباكي باري إلى (اندر) لمقابلة الحاكم الاستعماري وقد صدر في هذا اليوم قرار اعتقاله فتوجهت كتيبة من الجيش الاستعماري إلى داره لإحضاره بالقوة وقد التقت بالشيخ الخديم t في جيول وقد أرخ الشيخ لهذه الواقعة فكتب ما يلي: { خرجت يوم السبت رابع صفر عام جيسش 1313 هـ من الدار التي بنيتها في أرض جلف بعد ما أتتني براوة أمير (اندر) الذي جرى بيني وبينه ما جرى من القدر ولقيت وزيره الذي جمع جيشه إلى تلك الدار المبنية للتعلم والتعليم عشية ذالك اليوم في موضع يقال له جيول وتفارقنا بعد لقائنا بإذن الله تعالى العليم }.
وقد أنشد شعرا عن لقاء جيول الحاسم قائلا:
أيس مني الله عند جيول
إبليس إذ ناديته بيا ولي
وأيضا:
بالله فارقت نصارى جيول
وغيره قطعا بلا تنازل
لم يتنازل عن موقفه رغم هول المشهد حيث كان الجنود مسلحين وهو أعزل إلا من سلاح الإيمان الأمضى حيث كان وحيدا إلا من مرافقة الله ورسوله وكتابه الكريم وهم جماعة وحيث كان هؤلاء الجنود يعاملونه كأسير وهو يعتبر نفسه في سياحة روحية مع جند الله U الغالبين وكان كل شيء بالنسبة للشيخ مرتبا كما ينبغي لمسافر غريب فزاده التقوى ورفاقه الله I والرسول r والقرآن الذي بمثابة النبراس الذي ينير له الطريق بينما يؤنسه الرسول r المخدوم وجند الله هم الحرس والحماة وفي هذا قال:
أسير مع الأبرار حين أسير
وظن العدى أني هناك أسير
رفيقي كتاب الله والمصطفى النبي
وأصحابه في البحر حين أسير
وقال أيضا:
رافقني جند الله الغالبون
وقت اغترابي فعداه يغلبون
وقد واصل سيره من جيول إلى مدينة لوغا حيث استقل قطارا إلى مدينة اندر وقد سماه الشيخ سفينة البر بينما أطلق على الباخرة سفينة البحر وقد حمد الله الذي هيأ له هذه السفن التي استخدمها في هذا السفر بهدف خدمة الرسول r وقال:
سبحان من في البر والبحر معا
أجرى الجواري وكلا جمعا
سبحان من لي جاد بالسفينه
في خدمتي لصاحب المدينه
وقد قضى الشيخ الخديم t في *اندر* بقية صفر ربيع الأول إلا اليومين الأخيرين منه فقد غادرها يوم الخميس ووصل إلى دكار ليلة الجمعة أول يوم من ربيع الثاني الموافق 21 سبتمبر 1895 م. وعن إقامته في اندر قال:
إلى النبي وجهت قبل في اندر
ما قد كفاني العدى كالكدر
وقد سجل في مذكرته جزاء الشكور العطوف ذكرياته القاسية عن دكار فقد عاملته فيها السلطات الاستعمارية معاملة وحشية لا تليق بالمسجونين المجرمين ناهيك عن المضطهدين بسبب مواقفهم الدينية ومعارضتهم لاحتلال الاستعمار لوطنهم وإخضاع شعبهم لحكم القمع والإرهاب والاستغلال فقد طبقوا عليه السجن الانفرادي وأدخلوه في غرفة ضيقة قذرة لا هواء فيها ولا ضوء حيث تتعذر الحياة لمدة طويلة ومع ذالك أخذ يرتل القرآن الكريم ويبتهل إلى الله I ويمدح الرسول r كعادته في كل مكان وتحت أي ظروف وقد روى هذا الموقف الحزين وقال: ( وقع لي في ليلة الجمعة في اندكار, التي ابتدأت فيه ما لا أفارقه إلى الجنة التي وعد المتقون من أنفع الأذكار, أن الأمير دعاني من الدار التي كنت أريد المبيت فيها للاستراحة, وأدخلني في بيت لا يدخلون فيه من أرادوا له راحة, فدخلت فيه حينئذ وهو مظلم, متوكلا على من قال إلا من ظلم, وأنا في تلك الليلة المباركة مظلوم, عصمني الله تعالى بقدر عظمة ذاته من كل ظلوم, وطفقت أصلي على النبي المصطفى المختار, صلى وسلم عليه باله وصحبه الأستار, من كفاني به وبأصحابه الأبرار, عليهم رضوانه مكائد جميع الشرار, وأتلو السورتين المباركتين المانعتين من النار والعار,وهما الزهراوان: البقرة وآل عمران من كفاني ذوي الأذعار, وأخرجتاني من ذالك البيت المظلم المتنجس القبيح, بفضل من كان لي في كل ما يبيح وفي ذالك البيت قلت:
إذا ذكرت ذالك المبيتا
وذالك الأمير والثبوتا
طارت إلى الجهاد بالأرماح
نفسي ولكن ذب عني الماحي
وقال أيضا عن دكار:
للمنتقى وجهت في اندكار
ذكرا به قد كبكب المكار
ومن *دكار* ركب الشيخ الخديم t باخرة إلى *غابون* مارا ب*كناكر* وغيرها من المدن الساحلية وقد كان جميع أهل السفينة غرباء وغير معروفين له كما كانت وجهة سفره مجهولة له والشيء الوحيد الذي كان يتيقن منه أنه قام لخدمة الرسول وقد علمه بذالك عالم الغيب والشهادةY وفي هذا قال:
علمني الرحمان في السفينه
بأنني خديم ذي المدينه
وقد شرع فور ركوب الباخرة في التأليف والكتابة يثني على النبي r ويشكر الله U على ذالك:
للمنتقى وجهت في السفينه
فبل الثنآ يخلد في المدينه
وقد حكى لنا الشيخ جزء من أحداث هذه السفينة وقال: ( وبعد ما خرجت من ذالك البيت الموصوف, بفضل من جاد لي بجمع هذا الكتاب عند أهل الصوف, دخلت في سفينة صغيرة يتوسل أهلها بها إلى السفينة الكبرى, ووهب لي الله تبارك وتعالى في ذالك اليوم توكلا عليه وصبرا, حتى وصلت مع متاعي إلى سفينة عليا, وكلمة الله تبارك وتعالى هي العليا, تلقاني أهلها بالوجوه السود لكون قلوبهم مضطربة لهيبة أهل بدر الأسود, عليهم أبدا رضوان من بهم دمر العدى, حتى تاب كثير ممن طغى وأبى وعدى, ولم ألتفت إليهم موقنا بأن معي ربي وخلي وحبي, ولما مكثت في ذالك الفلك المشحون, ودون امتحاني يومئذ فتن كل ممحون, لكوني خارجا من أهلي وإخواني وديوري, لوجه من تجود لي في كل موضع مكثت فيه بالخيور, صار أهلها يدورون حولي, ويتعجبون من فعلي وقولي, فلما نظر صاحب السفينة إلى الكتاب الذي بعث به إليه الأمير, أعادني منه بقدر عظمة ذاته ومن ظالم ذو الأمور, غضب غضبا شديدا, وأنا حينئذ أقول قولا سديدا, وبسبب ما رأى في كتاب ذالك الأمير, الذي كفانيه الكافي ذو الأمور, أمر بإخراج متاعي من البيت الذي كنت فيه, بعد ما وجدت فيه كل ما هنالك أصطفيه, وأخرجوني والمتاع من ذالك البيت, إلى موضع صرت فيه مثل الميت, لغربتي وفراقي كل من كنت أعرفه, وكل واحد يأتي ويستهزئ وينصرف ).
هكذا كانت الرحلة قطعة من الجحيم: ألم الفراق وشعور الغربة ومعاملة المستعمرين اللاإنسانية من تنكيل إلى محاولة الاعتداء على حياته بحيل ومكائد كريهة مثل تسليط بقرة متوحشة تفترش كل من تلقاه بقرونها المفزعة وقد ذكر الشيخ الخديم هذه الحادثة وقال: ( وطفقت أن بقرة وثبت إلي وكل واحد يضحك ويظن أنه ينكب علي, وطارت البقرة كأن لها أجنحة, بإذن من انتقم لي منه وفضحه فذكرت الله هنالك ثم شكرته تبارك وتعالى على ذالك ولما مكثت هنالك أياما وأصلي الصلوات الخمس قياما أتاني رئيس أهل السفينة بروض واسطتي صاحب المدينة صلى الله تعالى عليه وسلم وبارك, وعلى آله بلا مشارك, وقال لي أنت مظلوم, وصار كل من له عقل يهجو المتسبب ويلوم .... ).
وهذا اعتراف آخر من قائد السفينة والعاملين فيها بالظلم الواقع قسرا على الشيخ بسبب القرارات التعسفية التي اتخذها السلطات الاستعمارية في حقه وعلى هذه الحالة واصلت السفينة جريه إلى *كناكر* عاصمة *غينيا* وعنها قال الشيخ:
هديتي صفت لدى كناكري
بالمصطفى الماحي بلا مناكري
ثم *داهمي* أو *بنين* حاليا:
ملكني المالك عند داوم
ما قد كفاني عدى تساوم
ثم واصل إلى *ليبرفيل* عاصمة *غابون* حيث أمضى معظم سنوات النفي فعكف على التأليف والكتابة نظما ونثرا في المدح والصلاة وفي تبيين أحكام الشريعة الإسلامية وشئون التصوف وذالك رغم الصعوبات والمشقات التي لا يمكن تصورها والتي يسببها له المستعمرون في كل مكان وفي هذه الظروف التي يرثى لها وصل إلى جزيرة مايومبا مقر إقامته في غابون وقد كرس كل وقته هناك للكتابة عبادة لله I وخدمة للرسول r, وعن هذه الجزيرة وبحارها قال:
للمصطفى مدحي لدى الجزيره
بما كفاني كل ذي جريره
وأيضا
لي اشهد بكوني عبد من يغفر الذنبا
وكوني خديم المصطفى بحر مايمبا
وبين *كناكري* و*مايومبا* مدن أخرى مر بها وقد ذكرها جميعا في كتاباتها ومنها *ليبرفيل*:
نفعني النافع في ليبرول
بما به يغبطني كل ولي
إلي قاد ما اشتهى كل ولي
مدحي خير الخلق في ليبرول
ومنها *بافل* و*كلوى* و*كرمبصا* و*كبلبسا*:
إلي النبي وجهت عند بافل
قبل بما به أنار محفل
للمنتقى مدحي عند بافل
بما أنار وطني ومحفل
وأيضا
ودادي وشكري في اغترابي ومحفلي
لمغن قضى لي الحاج في أرض بافل
وأيضا
تبارك ربي لي قضى الحاج وحده
فقيرا غريبا عند كلوى وبافل
شق على الشيطان عند كلوى
كوني خديم من كفاني البلوى
هديتي للمصطفى في كلوى
محت جميع ضرري والبلوى
أذهب عني الله في كرمبصا
كل مبارزي وعني خلبصا
للمنتقى وجهت في كبلبسا
ما قد كفاني عدوا حبسا
ومع قرار النفي قرر الاستعمار للشيخ الخديم t عشرة دراهم شهريا ولكنه رفض تسلم هذه الدراهم طوال مدة نفيه وكان يعتمد على ما يصله من المريدين في السنغال في فترات متقطعة وكان في معظم الأحيان يديم الصوم صابرا على الجوع والظمأ والفقر مكتفيا بالله U الغني الرزاق وفي هذا يقول:
كتبت في البحر أني لا أمد يدي
إلى النصارى عبيد الماء والطين

يدي لمغن كريم نافع صمد
لا للدراهم تأتي من سليطين
وأيضا
جزاءه جل يغني عن جزآ الأمرآ
وعن تطلب رزق منه مضمون
وبعد سبع سنوات أمضاها الشيخ في منفاه خصبة وغنية بالعبادة والخدمة ألف خلالها آلافا من الكتب شعرا ونثرا بدأت السلطات الاستعمارية تغير موقفها منه وتنظر في إمكانية إعادته إلى وطنه, وفي هذا قال شاكرا ربه:
قوى العزيز الذي ما زال مقتدرا
ضعفي وسالمني كل السلاطين
والشيخ نفسه كان يستعد للعودة ويبتهل إلى الله I لتكون عودة حميدة يسيرة سعيدة له ولأتباعه المريدين الذين طال انتظارهم لهذه العودة المباركة ومما قاله في هذا الموضوع:
ولي هب عودا يكون أحمدا
فيما يسر نافعا وحمدا
لي اجعل العود دواما أحمدا
وصلين على الحبيب أحمدا

يسر رجوعي لطوبى واحمني وقني
أذى الورى ولتطب لي ثم إسكانا
اجعل رجوعي إلى قومي سعادتنا
ولتكفنا يوم جمع الخلق نيرانا
تحدث بنعم الرب
حينما ننظر إلى الشيخ الخديم t صفاته وأعماله وأقواله نقف على معجزة حيرت الناس فأفعاله فوق القدرة العادية للإنسان وأقواله أفحمت البلغاء ولم يدخر التاريخ في سجلاته الثرية شخصية في مثل حجم شخصية الشيخ الخديم وقد اعترف أعداؤه قبل أصدقائه بطبيعته المتميزة عن طبيعة الأناس وبقوته الروحية التي تشبه قوة الأنبياء والرسل u ولكنها تختص بكون هذه القوة وهذه الصفات ملازمة له في صغره وكبره بينما كانت كل الشخصيات العظيمة في التاريخ قد مرت بطفولة وشباب لا تختلف فيهما عن الأناس العاديين, إنه من فعل الذي يخلق ما يشاء ويختار:
سبحان من جعلني للمصطفى
معجزة ولي جاد باصطفآ
إنه معجزة في ثباته على مبادئه وفي إفلاته الدائم من المكائد والحبائل التي نصبها له أعدائه الاستعماريون بقصد الاعتداء على حياته وقد مر بمواقف خطرة لا يمر بها إنسان عادي ثم يبقى حيا يرزق.
ومعجزة في أعماله فقد ألف من الكتب ما يقدر بعدة مئات من الآلاف تزن آلافا من الأطنان في حين كان لمدة ثلاثين عاما وزيادة في أيدي أعدائه بين نفي وإقامة جبرية وحراسة مشددة وكانت الكتابة والتأليف جانبا واحدا من عباداته المتعددة كالصلاة والصيام وترتيل القرآن والتعليم والإفتاء وهداية الناس وقضاء حوائجهم المادية وتسوية مشاكلهم الاجتماعية.
كما يعتبر معجزة في موسوعية علمه ومحيطية معارفه فقد أثبت تفوقه العلمي على كل علماء عصره السود والبيض ولم يأت من بعده عالم يقاربه في سعة العلم ودقة المعرفة.
ويعد معجزة في تأثيره الخلاب على الجماهير ومحبة الناس له وقبولهم لقيادته.
ولكن معجزته العظمى تبقى تحديه السافر للاستعمار ورفضه التصالح معه رغم الإرهاب والحرمان في وقت كان فيه الناس يعتقدون أن المستعمرين الفرنسيين ملائكة موت يملكون أسرارا إلهية أو أشرارا سحرية تمكنهم من التصرف في ملك الله وملكوته كما يرغبون وفي هذا يقول الشيخ الخديم:
ومنهم من إن رأى النصراني
يحسبه من ملائك الرحمان
ومنهم من يحسب التأثيرا
لهم وينسى الخالق القديرا
ولم يشهد عليه التاريخ ولا يمكن حتى للمستعمرين أن يشهدوا عليه أنه وقف أمام الاستعمار موقفا يظهر فيه الضعف أو التردد أو التراجع ولم يتنازل قيد أنملة عن شيء من معتقداته أو ممارسته التي أقنعت اقتنعت بسدادها وصدقها, وإخلاصه فيها لله U وحده ولم يكن مثل هذا الموقف سهلا أو خاليا من المخاطر مما جعل كثيرا من أصحاب الدعوة الإسلامية في ذالك الوقت يؤثرون التصالح مع الاستعمار ويفضلون الانسحاب من الميدان متجنبين إثارة غضب السلطات الاستعمارية وقد أشار الشيخ الخديم t إلى هذا وقال:
أوحد الله ولست أشرك
شيئا به حين سواي يشرك
له أفوض أموري بالنبي
عن كل ما لم يرض ذا تجنب
إنه معجزة متأخرة من معجزات مخدومه r أو كما قال:
وفي سبع معجزات للرسول
قد ظهرت وقبلها فزت بسول
أولا-- نصرة الله U له على أعدائه بجاه رسوله r:
غلب بالمختار ربي لي العدى
قبل ظهوري لا ألاقي من عدى
قهرت لي الأعداء يا قهار
يا من له الأمور يا جبار
ثانيا-- سعة علمه المستمد من اللوح المحفوظ:
وهب لي ربي علما لم يكن
من التعلم وجاءني بكن
وقال أيضا:
وعيت علوما لا ترى في دفاتر
بمدح الذي قد أذهب الكد والقطعا
وأيضا
مد لي العلم الصحيح الله
من لوحه نعم إلهي الله
وأيضا
أكتب ناقلا من اللوح ومن
قلمه وفي حروفي لم أمن
وقال أيضا
وهبت لي علوم من تقدموا
ومن تأخروا بكن يا أكرم
وأيضا
ملكني القرآن والفنونا
من لسواي زحزح الأنينا
وقال أيضا
أورثني الله كتاب الله
وجملة الكتب بحزب الله
ثالثا-- مباهاة الرسول r به أمام الرسل والأنبياء u كخديم وكمعجزة له متأخرة:
باهى رسول الله كل الأنبيآ
عليهم أبقى سلامي ربيا
بغربتي عشر سنين بخدم
خالصة لذي الوجود والقدم
ولي قاد المصطفى نيلا بدا
وبي يباهي في الجنان العبدا
رابعا-- محبة المسلمين المخلصين له:
يحبني لوجه ربي المعيد
بغير بغض أبدا كل سعيد
إن أي مسلم صادق الإيمان لا يمكن أن يكن البغض للشيخ الخديم t فهو الذي خدم الإسلام والمسلمين وضحى في سبيل الله U بكل غال ورخيص فلا يمكن لمؤمن مخلص أن يعاديه أو يبغضه وهل يكرهه أحد لأنه الشجاع الجريء الذي دافع عن ذمار الإسلام ورفع هامات المسلمين أمام أعدائهم وهل يبغضه أحد لأن حبه في الله وبغضه فيه أو أنه الذي يحب جميع المسلمين ويدعوهم إلى الصراط المستقيم صراط النجاة والسعادة أو أنه يعفو عن أعدائه وظالميه بعد أن فشلوا في النيل منه ؟ لا وألف لا !!. ويحق له أن يقول بأن أحبابه هم المسلمون المخلصون المتقون الذين وعدهم الله I بالجنة وأن أعدائه ومبغضيه هم أعداء الله I وأعداء الإسلام الذين مصيرهم جهنم التي وقودها الناس والحجارة وفي هذا يقول:
قلوب جملة الذين أفلحوا
لي توجهت وربي المصلح
وقال أيضا
أدخلتني في قلب كل ذي فلاح
وكنت لي إلى الجنان بالصلاح
وقال أيضا
قلوب من لم يحبوني على وجل
ولا يلاقون ما راموا ولا البابا
وأيضا
شقاء من لم يهوني قد كتبا
في لوحك الذي يفيض الكتبا
خامسا-- محبة الملائكة له:
يحبني الملائك الباقي الكريم
لوجهه مع فلاح لا يريم
فالملائك الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لا يمكنهم إلا محبة من يحبه الله I والرسول r والمؤمنون.
سادسا -- مودة المؤمنين من الجن:
قد ودني من آمنوا في الجن
لوجه باق كان لي بالمن
سابعا -- يأس إبليس منه ومن إفساد أعماله:
أيس ربي أبدا وهو المعين
إبليس مني وكذا كل لعين
وإن كانت معجزات الرسول r المتأخرة التي ظهرت في خديمه تقبل العد فإن عجائبه فيه لا تعد ولا تحصى ومنها:
ومن عجائب رسول الله
عليه سرمدا سلام الله
سلبه إلي سرا لم يرى
عند سواي ولغيري لن يرى
ومنها تجميعه جميع المواهب التي وهبها اللهI للشيوخ قبله ووراثته لهم وللعلماء والأولياء:
وجدت بالتمكين والرسوخ
وقدت لي مواهب الشيوخ
وراثة منك إلي للجنان
ولسواي ينتحي ضيق الزمان
وقد قال العالم الجليل محمد البشير ابن الشيخ الخديم t في هذا الصدد:
يا رائم الكمال في السعادة
من طرق المشائخ الثلاثة
طريقة الشيخ الإمام الجيلي
والشاذلي الحائز التفضيل
ثم أبي العباس فخر الكمل
من حكمهم في القصد حكم الأول
مع خصائص لكل يحتوي
بها طريقه اختصاصا قد روي
فالتزمن طريقة العبد الخديم
من خصه بإرثها الرب القديم
ومن هذه العجائب أن أجور المشركين الذين رفضوا الإيمان والإسلام أعطاها الله I إياه وهي الأجور التي سيمنحها الله I لهم لو آمنوا وأسلموا وفي هذا يقول:
اصلح ظاهري وباطني معا
من لي العدى بلا سلاح قمعا
أجورهم لو عبدوا لي وصلت
بلا انتهآ من ربنا فوصلت
لم يك مثل ذا لغيري ولا
يرى لغيري فر من تقولا
ومنها تكريم الله U لكتاباته وتعظيم قدر قصائده عند الصالحين العابدين وعند حملة العرش والملاك أجمعين:
إذا كتبت اهتز عرش الملك
واهتز بالتسبيح كل ملك
هاجت قصائدي قلوب الصالحين
ولي يقود الله سؤلي كل حين
كتابتي تدور تحت العرش
بين الكرام عابدي ذي العرش
هرب من كتابتي المدحور
وبعروضي يتغنى الحور
ومنها تليين الله I له للقلوب والأبدان وتحبيبه للناس بل وضع زمامهم في يده:
ألان لي القلوب والأبدانا
من قاد لي في بلدي البلدانا

زمام ورى عصري لدى الله في يدي
وما رمته من مالكي انقاد بالأني

لي انقادت الآمال بالأمن والرضى
ولي جاد ربي بالهديات والبلد
إن هذه العجائب لا تعد وقد شاهد الناس معظمها محققة بصورة ملموسة وهي فضل الله U الذي يؤتيه لمن يشاء كما قال الشيخ:
ذالك فضل الله يؤتيه لمن
يشاء من عباده خير منن
ذالك لم أجده بالتحيل
بل نلته بمحض تخصيص العلي
ذالك نعمة إلهي الكريم
وإنني عن شكرها لست أريم
ذاك الذي قد طيب النفس كما
أقر عيني وشكرت النعما
بالتأكيد هذه النعمة الإلهية المخصصة لعبده وخديم رسوله أطاب نفوس المسلمين وأقر عيونهم ولكنها أغاظت أعدائه وحاسديه من المستعمرين والموالين له ومن المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام وهم منهم بريء وعنهم قال الشيخ:
إن الحسود ليس ذا انتفاع
بفضل من عاصر باتباع
ولا يسره مدى الأزمان
سوى هلاكه بلا توان
أعاذنا الله من الحسود
وكل مبغض وذي الجحود
فاليوم نرى من يسمون أنفسهم بمسلمين وهم لا يحاولون معرفة شيء عن الشيخ الخديم وعن خدماته العظيمة للإسلام فلا يدرسون مؤلفاته الفقهية والتصوفية والتوحيدية ولا يقرءون قصائده في المدح والصلاة على النبي بينما يستوردون ذالك من الخارج !! وكيف نفسر مثل هذه المواقف إلا أنها حسد وحقد وتحقير الذات بالنسبة للسنغاليين الذين يجهلون أو يتجاهلون تماما كتب الشيخ الخديم وهم الذين يدعون الاهتمام بالثقافة الإسلامية وذالك أمر يؤسف له ولكنه لا يؤثر بشيء في عظمة الشيخ الخديم t التاريخية وأمجاده الخالدة وتزايد إقبال الجماهير المؤمنة المخلصة إليه وقد قال:
درجتي تعلو وليس تنخفض
ومن نحا من الورى خفضي خفض
ولا بد أيضا من توجيه اللوم والانتقاد إلى موقف العالم العربي المسلم الذي كان ينبغي له أن يبدي اهتماما بهذا التراث العربي الإسلامي الهائل الذي خلفه الشيخ الخديم t للمسلمين وخاصة الأوساط الإسلامية المعروفة في العالم العربي والمنظمات الإسلامية الدولية وهؤلاء جميعا يجهلون تماما أعمال الشيخ الخديم t ونضالاته البطولية من أجل الإسلام وانتصار الدعوة المحمدية في السنغال وأفريقيا الغربية.
ولا بد أيضا من نقد ذاتي هادف فالتعريف بأعمال الشيخ الخديم t في الإسلام ونشر كتاباته على مستوى العالم العربي والإسلامي واجبنا نحن المريدين والأمل معقود على خلفائه الراشدين وأصحاب النيات الحسنة وكل المخلصين.

هناك 3 تعليقات:

allythiarene يقول...

بحث موضوعي وقيم جدا يظهر مزايا الشيخ الرباني بأمانة علمية رصينة جزاه اللله عنا خيرا و الكاتب والناشر

Unknown يقول...

ولكن كيف لنا أن نثق بكل هذه المعلومات وهناك أبيات أخرى خطيرة جدا تنسب إليه

مثل قوله... علمني بقوده إليا
البيت رافعا بي المرضيا

وكذلك قوله... زمام الورى عصر
لدى الله في يدي....

إلى غير ذلك من الأبيات الخطيرة التي تنسب له وأنتم لا تقولون عنها شيئا فكيفنفسر هذا الأمر الذي نراه أهو تناقضات أم تلبيسات؟؟

Unknown يقول...

يطيب الفؤاد زور اابيت mom la done lathie thi bane khassidah la nekk. dieuradieuf